بيروت: يرى محللون ان الرئيس السوري بشار الأسد قطع الطريق مجددا بخطابه الاحد امام كل تسوية، مؤكدا تصميمه على البقاء في السلطة مهما كان الثمن، يدفعه الى ذلك شعوره بانه لا يزال يملك قوة عسكرية تسمح له بتجاهل دعوات المجتمع الدولي الى تنحيه.

ويرى مدير مجموعة البحث والدراسة حول المتوسط والشرق الاوسط (غريمو) في باريس فابريس بالانش، ان الأسد اختار ان يلقي خطابه الاحد امام quot;حشد اختير بعنايةquot;، في لحظة يراها تميل لصالحه.

ويقول بالانش، الخبير في الشؤون السورية، quot;هذا هو الوقت المناسب لدعم معنويات مؤيديه لان قواته النظامية حققت في الفترة الاخيرة تقدما على الارض، وهو ما زال مستمرا في منصبهquot; بعكس توقعات معارضيه المتكررة بسقوطه الوشيك.

وكان بالانش يشير الى تمكن القوات النظامية من تعزيز بعض مواقعها في ريف دمشق وسيطرتها اخيرا على حي دير بعلبه في حمص (وسط) وتمكنها من الصمود في حلب (شمال) في معركة كان مقاتلو المعارضة يتوقعون حسمها سريعا.

ويشير الاستاذ في جامعة ادنبره توماس بييريه الى ان الأسد لم يدل بخطابات مباشرة quot;منذ التغيرات الدراماتيكية التي جرت في الصيف الماضي وابرزها اغتيال اربعة من ابرز القادة الامنيين في تفجير (في دمشق) في تموز/يوليو الماضي، وانشقاق رئيس الوزراء (رياض حجاب)، وسيطرة المقاتلين المعارضين على نصف مدينة حلب، وفقدان (النظام) السيطرة على معابر حدودية مع تركيا والعراق، وهجمات المقاتلين في ضواحي دمشقquot;.

ويضيف بييريه، مؤلف كتاب quot;البعث والاسلام في سورياquot;، ان الوضع quot;يميل حاليا الى الاستقرار بعض الشيء. لن يربح النظام الحرب لكنه يدرك ايضا انها ستكون طويلة. كل هذه التطورات تشكل في الوقت الراهن قناعا من الاوكسيجين لنظام محكوم بالسقوط على المدى المتوسط، وتفسر توقيت الخطابquot;.

الا ان كريم اميل بيطار، الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (ايريس) يرى ان الأسد لم يغير في كلمته المباشرة الاولى منذ سبعة اشهر quot;من منطقه، وخطابه هو دائما نفسهquot;. ويوضح بييريه ان خطاب الاحد كان quot;خطاب حرب. الأسد متصلب وصامد في وجه فكرة مسار انتقال سياسي حقيقيquot;.

وقد اكد الأسد امام صالة ممتئلة باكثر من الف شخص في دار الاوبرا في دمشق الاحد ان حكومته كانت منذ البداية مع الحل السياسي quot;لكننا لم نجد الشريكquot;. ويعتبر بالانش ان الأسد اراد ان يظهر بمظهر quot;انه ليس هو من يرفض الحوارquot;، بل المعارضة هي من ترفض التحاور معه.

وتقدم الأسد في خطابه الطويل على وقع التصفيق والهتاف بحياته واسمه بquot;حل سياسيquot; دعا فيه الى مؤتمر وطني باشراف الحكومة الحالية بعد وقف العمليات العسكرية يتم خلاله وضع ميثاق وطني جديد، وتليه انتخابات وتشكيل حكومة، مؤكدا ان اي مرحلة انتقالية يجب ان تتم بquot;الوسائل الدستوريةquot;، في اشارة واضحة الى انه لن يقبل اي انتقال الا بانتخابات.

ويعتبر فولكر بيرتيس، مدير المعهد الالماني للشؤون الدولية والامنية في برلين، ان quot;الحل السياسي الذي يطرحه الأسد هو في حقيقة الامر حل عسكري مع مسار سياسي يلي الانتصار، ويخضع كليا لسيطرة نظامهquot;. ويعتبر المحللون ان الأسد لم يكتف بتوجيه خطابه الى الداخل السوري، بل ايضا الى المجتمع الدولي.

ويقول بيطار quot;يدرك الأسد ان ثمة مفاوضات جارية بين الولايات المتحدة وروسيا، ويأمل في ان تمنحه المفاوضات متنفسا، وبان يتمكن من البقاء في السلطة على الاقل حتى نهاية ولايته الرئاسية في العام 2014، في انتظار انتهاء ما اسماه فقاعة الربيع العربيquot;.

وقال الأسد في خطابه الاحد ان quot;الربيع عبارة عن فقاعة صابون ستختفيquot;، وقال عن الوضع السوري quot;يسمونها ثورة وهي لا علاقة لها بالثورة لا من قريب ولا من بعيد (..). الثورة تكون ثورة الشعب لا ثورة المستوردين من الخارج كي يثوروا على الشعب، الثورة تكون من اجل مصلحة الشعب ليس ضد مصالح الشعب. فبالله عليكم هل هذه ثورة وهل هؤلاء ثوار؟ انهم حفنة من المجرمينquot;.

ويعتبر بيرتيس، مؤلف كتاب quot;سوريا بقيادة بشار الأسدquot;، ان الرئيس السوري quot;يرفض اقتراحات الموفد الدولي الاخضر الابراهيميquot; الذي دعا من دمشق نهاية كانون الاول/ديسبمر الماضي الى تأليف حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة لحين اجراء انتخابات برلمانية او رئاسية.

ويجمع الخبراء على ان quot;الحل السياسيquot; الذي اقترحه الأسد وسارعت المعارضة الى رفضه، quot;سيبقى حبرا على ورقquot;. ويوضح بييريه ان اقتراحات الأسد في الواقع quot;اعادة صياغة بسيطة للاصلاحات التي بدأها في العام 2011، واطلاق حوار شكلي يشارك فيه من يقول انهم معارضون، ويختارهم هو بنفسهquot;. ويعتبر بيطار ان quot;اقتراح الأسد قليل جدا ومتأخر جدا، ودون الحد الادنى الذي يمكن ان يقبل به الثوار. لقد سفك الكثير من الدم ليقبلوا بهذاquot;.