أكد دبلوماسيون غربيون اليوم أن ثمة أدلة صلبة جديدة على استخدام السلاح الكيماوي في سوريا وصلت إلى بان كي مون، الذي أسف أمس لرفض النظام السوري إجراء تحقيق ميداني في المناطق تم فيها استخدام مزعوم لهذا السلاح، في حلب وحمص ودمشق.


بيروت: تعيش سوريا اليوم هاجسًا متجددًا، هو الهاجس الكيماوي الذي يخيف طرفي النزاع على حد سواء، وبينهما ملايين المدنيين السوريين الخائفين أن يدفعوا حياتهم ثمنًا للعبة تبدو لهم أكبر من المعارضة ومن النظام، ومن الشرق الأوسط أيضًا.

أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية اليوم الجمعة تأكيد دبلوماسيين غربيين امتلاكهم أدلة صلبة على استخدام أسلحة كيماوية مرة على الأقل في الصراع الدائر في سوريا، من دون أن يوجهوا اصبع الاتهام للطرف الذي استخدمها.

إلا أن تكهنات المراقبين تشير إلى اتهامات خفية توجه لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، كونه الأقدر اليوم على الوصول إلى موارد كيماوية من ترسانة الأسلحة التي يملكها، والأقدر أيضًا لوجستيًا وتقنيًا، على استخدام هذه الأسلحة، بعد تركيبها على صواريخ سكود أو مثيلاتها، بعيدة المدى.

وقال دبلوماسي غربي في تصريحات صحفية: quot;لدينا أدلة قاطعة على استعمال أسلحة كيماوية في سوريا، وتوجد أمثلة عدة يمكن الاستناد إليها، ونحن متأكدون تمامًا من أن قنابل كيماوية استعملت بشكل متقطع في الميدانquot;.

وأكد دبلوماسي آخر في مجلس الأمن الدولي أن أدلة صلبة ومقنعة تمامًا أرسلت إلى أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، لدعم الاتهامات ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، مؤكدًا بذلك تكهنات المراقبين واتهامات المعارضين السوريين.

حلب فقط لا غير

كان متحدثون باسم النظام السوري اتهموا مسلحي المعارضة بإطلاق صواريخ سكود تحمل عاملًا كيماويًا في حلب، ذهب ضحيتها العشرات. ونقلوا عن شهود قولهم إنهم رؤوا بودرة تخرج من الصاروخ تسببت باختناق من تنفسها وبحاجته إلى رعاية طبية فورية.

وهذا ما نفته مختلف فصائل الثورة السورية، مؤكدة عدم امتلاكها سلاحًا كيماويًا، فالسلاح الدفاعي محظور عليها حتى الآن، والغرب لا يمدها إلا بمساعدات غير فتاكة. ودعا بشار الجعفري، سفير سوريا إلى الأمم المتحدة، كي مون إلى تشكيل بعثة تقنية مستقلة للتحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل ما سماه المجموعات الإرهابية التي تقاتل في سوريا.

لكن كي مون أعلن أمس الخميس، خلال لقائه الرئيس الأميركي باراك اوباما في واشنطن، أسفه أن ترفض الحكومة السورية عرضه لإجراء تحقيق ميداني في هذا الاطار.

وهو كان أعلن الأسبوع الماضي أن فريقًا من الخبراء وصل إلى قبرص استعدادًا للتوجه إلى سوريا، غير أن الحكومة السورية رفضت استقباله، بحجة أن الأمم المتحدة تنتهك سيادة سوريا بطلبها السماح للبعثة بالانتشار في كل الأراضي السورية.

ويتألف الفريق الأممي من 15 عضوًا، آتين من الدول الاسكندنافية أو أمريكا اللاتينية أو آسيا، وليس بينهم من يحمل جنسية إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.

الطريق مسدود

وكانت الحكومة السورية والامم المتحدة تبادلتا الرسائل على مدى أسابيع في هذا الشأن، لكن وصلت المسألة بينهما إلى طريق مسدود، خصوصًا أن النظام السوري مصرّ على حصر التحقيق الدولي بما يزعم أنه هجوم كيماوي نفذته المعارضة المسلحة قرب حلب في آذار (مارس) الماضي، بينما تطالب المعارضة بأن يحقق فريق الامم المتحدة في ثلاث هجمات مزعومة بأسلحة كيماوية نفذها جيش النظام، الأول قرب حلب، والثاني قرب دمشق، والثالث حصل في حمص في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

وجددت الخارجية السورية موقفها الرسمي في بيان أصدرته الاثنين، قالت فيه إن طلب فريق الامم المتحدة الذهاب إلى أي مكان في سوريا ربما تكون استخدمت فيه اسلحة كيماوية لا يتقيد بالطلب الاصلي الذي رفعته الحكومة السورية. ووجه وزير الخارجية السوري وليد المعلم رسالة إلى كي مون في السادس من نيسان (ابريل) الجاري أكد فيها ضرورة توجه المفتشين أولًا إلى حلب، ومن الممكن بحث إمكانية زيارتهم حمص إن تأكدت الحكومة السورية من حيادهم.

لتحقيق شامل

ونقلت وكالة رويترز عن دبلوماسيين أممين تأكيدهم أن بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وفروا لكي مون معلومات عن استخدام محتمل لأسلحة كيماوية في حلب وحمص.

وقال أحدهم: quot;كي مون يقر بوجود أدلة كافية للتحقيق في حمص وحلب، لذا يجب ألا يتوجه فريق المحققين الدوليين للتحقيق في حلب وحدها، وإذا قال السوريون إنهم لا يمكنهم التحقيق في الواقعة الثانية، حينها على أمين عام الأمم المتحدة أن يرفع تقريرًا إلى الدول الاعضاء بالامم المتحدة يقول فيه إن السوريين لا يتعاونونquot;.

وأضاف: quot;يمكن مواصلة التحقيق خارج سوريا، باستجواب الشهود في مخيمات اللاجئين، فقد يقع المحققون هناك على أدلة مادية على أن هناك من تعرضوا للتسمم وهم موجودون الآن خارج سورياquot;. إلى ذلك، أخبر الدبلوماسيون أنفسهم رويترز أن الجعفري مصرّ على تعيين مراقب سوري لمرافقة فريق التفتيش، وعلى الحصول على نسخة من أي عينة تؤخذ لفحصها بحثًا عن آثار كيماوية.

الخط الأحمر

إذا قدّر للتحقيق أن يستمر ويصل إلى خواتيمه، فسيحدد ما إذا كان ثمة أسلحة كيماوية مستخدمة في الحرب السورية، من دون أن يستطيع تحديد الطرف الذي استخدمها.

لكن هذه النتائج يمكن أن تغير الكثير من موازين القوى في سوريا، خصوصًا أن الاعتقاد العام يتجه إلى أن النظام السوري وحده القادر على استخدام أسلحة كيماوية يملكها في مخازنه، خصوصًا أن أجهزة مخابرات غربية تقول إن نظام الأسد يملك أحد أكبر المخزونات المتبقية في العالم من الأسلحة الكيماوية غير المعلنة.

وبذلك، سيكون النظام قد تجاوز نظريًا الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي شكك أثناء زيارته الأخيرة لإسرائيل، في زعم حكومة الأسد أن المعارضة تستخدم سلاحًا كيماويًا، ونبه إلى إنه لن يصدر أية تصريحات حتى يتم تأكيد بعض الحقائق الفعلية.

وفي موازاة ذلك، أكد الأميرال جيمز ستافريديس، قائد القوات الأميركية-الأوروبية في حلف شمالي الأطلسي، أن الحلف جاهز إذا لزم الأمر للتدخل في سوريا كما حصل في ليبيا.

بريطانيا تملك الدليل على استعمال اسلحة كيميائية

عثر علماء تابعون للجيش البريطاني ادلة طبية-شرعية بان اسلحة كيميائية قد استعملت في النزاع بسوريا، حسب ما ذكرت صحيفة التايمز السبت.

ونقلت الصحيفة عن مصادر في وزارة الدفاع البريطانية قولهاان عينة من التراب اخذت من منطقة قريبة من دمشق ووصلت بشكل سري الى بريطانيا وقد حملت التأكيد بان quot;نوعا من الاسلحة الكيميائيةquot; قد استعمل.

واوضح المقال الذي صدر على الصفحة الاولى ان التجارب نقلت الى قسم الابحاث الكيميائية والبيولوجية في وزارة الدفاع البريطانية في بورتون داون.

ولم تستطع الوحدة البريطانية ان تؤكد ما اذا كانت الاسلحة قد استعملت من قبل نظام الرئيس بشار الاسد او من قبل المعارضة وما اذا كان استعمال هذه الاسلحة منتظما، حسب الصحيفة.

وفي اتصال هاتفي اجرته وكالة فرانس برس مع وزارة الدفاع، رفضت الادلاء باي تعليق في حين اعربت وزارة الخارجية عن quot;قلقها العميقquot; من احتمال استعمال اسلحة كيميائية.

وقال متحدث quot;لقد اعربنا عن قلقنا للامين العام للامم المتحدة (بان كي مون) ونحن ندعم قراره في اجراء تحقيقquot;.