كي تحاول الجماعة الاسلامية في مصر أن تخلق لنفسها حيزًا سياسيًا في الساحة، خصوصًا أنها مستمرة في نبذ العنف. وقد نسجت تحالفات مع الاخوان والسلفيين، مع الاجتهاد في الحفاظ على هوية سياسية خاصة.


بيروت: تناضل الجماعة الإسلامية في مصر لتجاوز ماضيها، والعمل كقوة سياسية على الساحة الديمقراطية الهشة في البلاد، بعد أن اتضح لها أن الأساليب السلمية أكثر فائدة.
والمحاولات الحثيثة التي تبذلها الجماعة الإسلامية في مصر تهدف لتحويلها إلى قوة سياسية في الديمقراطية الناشئة، بعدما كانت تمارس العنف ضد الحكومة لعدة عقود.
لكن العديد من المراقبين يقولون إن ماضي الجماعة الإسلامية سيظل يطاردها، بالرغم من المسار السياسي الذي تحاول أن تنتهجه.

تناقضات في رجل
يحاول طارق الزمر، مسؤول المكتب السياسي في حزب البناء والتنمية، الخروج من السياق الديني إلى السياسي، لكن مكتبه يعكس التناقض بين التحف ذات الدلالة الدينية والبدلة التي يرتديها، ما يعكس التناقض بين محاولاته ليظهر كرجل سياسي عادي، ويمحو حقبة من عمره امضاها في السجن، في أعقاب تورطه في اغتيال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، في العام 1981.
قضى الزمر نحو 30 عامًا فى السجن، خرج بعدها إلى الحياة مفتقدًا أشياء عديدة، واختراعات لا يعرفها مثل الإنترنت والهواتف الذكية وغيرها. ومحاولاته للتحول إلى رجل سياسي عادي هي جزء من محاولات الجماعة الإسلامية للانتقال من صفة الجماعة الإرهابية إلى قوة سياسية.
وبالرغم من أن الجماعة كانت أعلنت نبذها العنف في العام 2003، إلا أن مظاهر الابتعاد عن العنف لم تتجل، ولم يتبلور إدراكها لعدم جدواه إلا مع اندلاع ثورة 25 يناير.

مراجعة فكرية
نقلت صحيفة ساينس مونيتور عن الزمر قوله إن ثورة يناير وضعت قواعد جديدة للسياسة في مصر، quot;فقد أثبتت لنا أن نتائج الطرق السلمية أفضل من العنفquot;، مؤكدًا أنه يؤمن الآن بأن خلع السادات كان أفضل من قتله.
وقال تعليقًا على اغتيال السادات إن الرئيس الراحل هو الذي تسبب في مقتل نفسه وكتب نهايته بيديه.
وكانت الجماعة الإسلامية قد لجأت إلى العنف في مواجهة القمع والتعذيب، سواء فى عهد السادات أو في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
في التسعينيات، شاركت الجماعة في أعمال عنف ضد النظام باستهداف السائحين للإضرار بالاقتصاد وإسقاط الحكومة. وبالرغم من أن ردود الفعل تجاه مقتل السادات كانت متباينة في مصر، كان هناك رفض عام لمقتل السائحين على مقربة من معبد حتشبسوت في الأقصر. كما دفعت تلك الحادثة السلطات إلى شن حملات قمعية أكثر قسوة على الجماعة المسلحة، ما جعلها تدفع ثمنًا باهظًا لأفعالها، إذ قتل ما يزيد عن ألفين من أفرادها في الهجمات والصدامات مع السلطات، وتم إعدام 100 وسجن الآلاف لعدة عقود.
بعد ذلك، بدأت رحلة الجماعة للمصالحة مع المجتمع، في إطار ما عرف باسم المراجعات الفكرية، التي استمرت لسنوات عديدة، حتى أعلنت الجماعة بشكل واضح نبذ العنف في العام 2003 وإدانتها لتنظيم القاعدة. وأعقب ذلك إطلاق سراح الآلاف من أفراد الجماعة.

في الأسس
يقول عماد شاهين، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة: quot;لقد أدركوا أن العنف في دولة قوية وقمعية ليس الوسيلة المثالية للتغيير، فهناك عدم توازن استراتيجي، وسيخسرون في النهايةquot;.
قبل عدة سنوات، كان ظهور الجماعة كقوة سياسية غير ممكن، حيث كان العديد من أعضائها في السجون. كما أن من أطلق سراحهم كانوا يعزفون عن المشاركة السياسية. لكن ذلك تغير مع الثورة وانفتاح الفضاء السياسي. وسرعان ما عقدت الأحزاب الإسلامية تحالفات مع الإخوان المسلمين أو مع الأحزاب السلفية، وشغلوا معًا 70 بالمئة من المقاعد في البرلمان.
ويبذل حزب البناء والتنمية جهودًا مضنية للعب دور سياسي، وهو أحد الأحزاب السلفية التي تحاول أن تخلق لنفسها هوية سياسية. وتحدث حازم قنديل من جامعة كامبريدج في بريطانيا عن دعوته لحضور لقاء لتبادل الأفكار مع حزب البناء والتنمية قبل إنشائه في العام 2011 بفترة وجيزة، وقال: quot;اعتقدت أنهم يريدون الحديث في التفاصيل، لكن عندما ذهبت للقائهم، وجدتهم يسألون عن الأسس، وكانوا يريدون معرفة ما هو الحزب السياسي، وكيف يختلف عن اي جماعة ضغطquot;.
يشار إلى أن صعود الجماعات الإسلامية يقلق المصريين الليبراليين والعلمانيين، الذين يخشون التعدي على حرياتهم، وأسلمة الدولة.