يقول الدكتور والمفكر الإسلامي محمد عمارةquot; السلطة المطلقة مفسدة مطلقةquot; ويتحدث الدكتور عمارة بالطبع، عن خاصية إنسانية، بأن السلطة المطلقة هي مفسدة، حتى لو كان أصحابها غير فاسدين! والسؤال الذي يخطر ببالنا هنا، وفي سياقنا العربي، كيف يتم ربط السلطة بالفساد بشكل مطلق؟ والإطلاقية هنا، تأتي من غياب الرقابة عن عمل السلطة، أو عما يفعله المطلقون في السلطة؟ وبالتأكيد يدور الحديث هنا، عن السلطة المشخصنة، والشخصنة تأتي من ربط السلطة بالشخص، وتصبح السلطة، بعدا متحولا، بتحول ليس مصالح الشخص فقط، بل أحيانا حتى مزاجه الذهني، او النفسي.

وكما تعتمد على معيار الحب والكره، وهذا يجعل السلطة، متحولا ذاتيا، تبعا لذاتية المشخصن إطلاقا فوقها، كإله مقدس، يسمونه الآن ديكتاتور. والأخطر في الموضوع هوquot; عندما يلعب القدر دورا، في وصول أشخاص إلى موضع السلطة المطلقة، و ليس في رأسهم أي مشروع مجتمعي!

الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومن معه، عندما وصلوا إلى السلطة، كان لديهم على الأقل نواة مشروع اجتماعي. رغم أن عبد الناصر قد حصن نفسه أخلاقيا، لكي لا يكون فاسدا، إلا أن كثر من ضباطه الأحرار أفسدتهم السلطة المطلقة. فكم لدينا في عالمنا المطلق السلطة، شخص كعبد الناصر، مات مواطنا عاديا لا قصور ولا فلل ولا أموال في البنوك الغربية، بعد أن حكم مصر ثمانية عشر عاما؟ أليس واقعنا العربي، يستدعي أن نسأل هذا السؤالquot; كم عبد الناصر لدينا؟ هذا ليس حنينا- نوستالجيا- لزمن عبد الناصر، كزمن ديكتاتوري، ولكن ما نعيشه اليوم، في ظل هذا التراجع المريع بوضعية الفرد، وهذا الاختناق الفاسد لمجتمعاتنا، يجعلنا نترحم على زعيم كعبد الناصر! كما يقال بالأمثال الشعبية. نحن فعلا نريد في ظل هذه السيطرة التي لا تخجل ولا تخاف، على مجتمعاتنا، أن تدلونا على نخب حاكمة غير فاسدة.

رغم نسبية الفساد، واختلافه من دولة إلى أخرى، لاختلاف الظروف ولاختلاف نشأة السلطة المشخصة. بحيث يمكننا القولquot; بتراكم الإفساد في ثقافة أجيال النخب الحاكمة، لأن النخب التي تأتي، تأتي وفق ثقافةquot; أن السلطة هي مال وجاه، وبلا حدود ولا قانونquot; النخب هذه تعرف انه في المآل الأخير أن بؤرة الحدث العربي، هو هذه السلطة، فهي لم تعد نتاجا، كما يدعي بعض أدعياءquot; الثقافة الموضوعيةquot; أن الاستبداد في العالم العربي هو نتاج ثقافة مجتمعاتناquot; السلطة المطلقة كمفسدة، منذ زمن ليس بالقليل، هي التي انتجت وتنتج مجتمعات على حجم فسادها. فابن الديكتاتور أو وريثه تربى في ثقافة تعتبر الفساد في استخدام السلطة، مرجعية، أو حتى أنها أصبحت ثقافة لا شعورية، أي أن توالد وتوارث هذه النخب، جعلها تعتبر، أن هذا الفساد هو البداهة في عينها.

هذا ما يجعل الدفاع عن هذه السلطة، معركة أولى لنخبها، معركة يمكن لهذه النخب أن تستخدم فيها كل الوسائل، وخاصة غير المشروع منها. من أهم هذه الوسائل، هي نقل الحدث، خارج بؤرته، وجعل السلطة- المفسدة، طية مخفية، في نزاعات الخطاب العربي، وخاصة لدى المثقفين، والكتبة، ومهتمي الشأن العام.
هل هذا يجبرنا على الدخول في مقارنات بين سلطات الدول ذات القانون والمؤسسات ودور السلطة فيها، ودور النخب السياسية، وبين دول السلطات الموجودة لدينا، لأن هنالك القانون يعطي سلطة الدولة للناجح الانتخابي، بينما لدينا، أصبحت الدولة ملك للسلطة ونخبها كما هي، لهذا الفساد هنالك ظاهرة غير قانونية، بينما لدينا النزاهة هي الظاهرة غير القانونية في شرع النخب الحاكمة.

في زمن مضى، كانت النخب الحاكمة هذه تحذر من اليسار، رغم أن بعضا منها يتبنى شعارات اليسار، والآن هذه النخب تحذر من ظاهرة الإسلام السياسي، رغم أن بعضهم يتبنى شعارات الإسلام السياسي هذا، وبعضهم يدعم الجانب المهدد للحرية في ممارسات هذا الإسلام السياسي. لهذا نجد ان الثقافة العربية الآن مليئة بمشاريع عن نهضة الأمة، أو تجديد العقل الإسلامي، او عن الإصلاح الديني.

يجب أن يكون للنخب الحاكة هذه عدوا مجتمعيا، عندها تستطيع وصف مجتمعاتها بأنها خطرة على الاستقرار، أو أنها ذو ثقافة عصبوية، أو أنها متخلفة عقليا، لهذا ممنوع عنها الديمقراطية.