في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر 1948م، بباريس تمت ولادة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة واعتمد بموجب قرار الجمعية العامة 217 أ(د-3). وهو إعلان يوضح رؤية العقل والمنطق عن حقوق الإنسان المكفولة لكافة البشر.

وكعادتها قامت دولنا العربية بالمماطلة والإنكار والتسويف، والذي استمر لعقود طويلة. ثم تمخض الجمل عن فار أجرب في الآونة الأخيرة بإنشاء ما يسمى بجمعيات وهيئات حقوق الإنسان العربية. وهي في واقعها مؤسسات حكومية صرفة، يقصد من وراء إنشائها تلميع صورة الحكومة، وتشتيت أنظار جمعيات حقوق الإنسان العالمية الحقيقية والمنظمات الإنسانية المتحضرة، ومحاولة تعمية الأبصار عن عمق الفجوة الحاصلة بين ما تعنيه الحقوق الإنسانية، وبين ما تريده الحكومات العربية أن يستمر في الظلام.
وفي ذلك تناقض وتعارض شديدان بين ما يجب أن تكون عليه تلك الجمعيات في الحقيقة، وبين ما هي عليه حاليا.

فمن أول مبادئ هذه الجمعيات أساسا أن تكون الجمعية مستقلة لا تخضع للحكومة، والتي يفترض أن تكون مراقبة على سير أعمالها.
ومن مبادئها الأساسية أن تكون ناطقة بهموم ومشاعر وطلبات الشعوب، ولكنها في الدول العربية تكون دوما مع الجهة الأقوى، ناطقة بمنطقها مهما كان أعوجا، وعاملة على تبرير أعمال الحكومة وسقطاتها، ومحاولة إظهار صورتها مُجملة مُحسنة مُلمعة لدى الجمعيات العالمية.

وإذا سألت متعجبا، فلن يحير مسؤولي الجمعيات العربية في الجواب الغريب المستغرب، وهو منطقهم الأعوج السائد المريض، بأن يعللوا ذلك بأننا دون جميع دول العالم دول لها خصوصية دينية اجتماعية ثقافية لا يمكن أن نتخطاها.

وجمعياتنا الحبيبة تنتظر حتى تأتيها الشكوى، فتحاول حبيا حلها ولملمتها كمشكلة فردية بسيطة، وليست كقانون عام يجب أن يسري على الجميع، وأن يطبق في كل الأحوال.
وجمعياتنا لا تتبنى أي حقوق للإنسان، من مساواة في الواجبات والحقوق، والقدرة على الوصول إلى المناصب العليا مهما كانت معطيات المواطن الدينية أو المذهبية أو الاجتماعية أو المناطقية.

وجمعياتنا لا تسعى لنيل حقوق المرأة والطفل في عالمنا الرجولي. وجمعياتنا لا تتمكن من حل مشاكل العمالة، والكفيل، والأقليات.
وجمعياتنا لا تتمكن من المطالبة بحقوق الإنسان في حق التعليم والصحة والحصول بيسر على الخدمات الإنسانية الأخرى.
وجمعياتنا لا تتمكن من مراقبة القضاء، والمطالبة بعدم أدلجة القضاء ومساواة الخصوم ببعضهم أيا كانت معطياتهم.
وجمعياتنا لا تتمكن من دخول المخافر والسجون والمعتقلات، ولا تمتلك القدرة على مساعدة من تبتلعهم وتسحقهم القوانين الحكومية المؤدلجة.
وجمعياتنا لا يمكن أن تتبنى الحرية الشخصية للفرد، ولا حرية الفكر والنشر.

وجمعياتنا لا تتمكن من معالجة البطالة في صفوف الشباب، ولا تناهض العنصرية والفساد الإداري، ولا تسعى لنشر سياسة الديمقراطية والمساواة.
لذلك ستظل جمعياتنا سلطة لا إنسانية، تعمل بمنهج معوج، ولا تفيد الإنسان، الذي من المفترض أن تكون ناطقة باسمه.
وستظل تقارير منظمات العفو الدولية، وهيئة الأمم المتحدة، وجمعيات حقوق الإنسان الرائدة دوما مختلفة كل الاختلاف عما نسمعه من جعجعة جمعياتنا المهجنة، المستأنسة، التي لا تهش ولا تنش.
فبلا جمعيات وبلا بطيخ أزرق!.

[email protected]