عاد المهرجان الوطني للتراث والثقافة المسمى بquot; الجنادريةquot; في دورته الخامسة والعشرين إلى سابق تألقه، وعطائه الثقافي الشعبي المتميز، ففي هذه الدورة نحن حيال فكر جديد، ورؤية ثقافية تعي ما تفعله، وتعي ما تؤكد عليه من قيم متحولة، ومن استنباط لما يدور حقيقة في المشهد السعودي من تبدلات صوب إسهام حقيقي في قراءة القضايا الراهنة، وفي بسط قضايا لها حضورها في المرحلة الراهنة للنقاش والحوار والتفاعل.
وبغض الطرف عن تكرار حضور بعض الأسماء النديمة للمهرجان منذ سنوات مديدة، وبقطع النظر عن وجود بعض الأسماء في ندوات لا صلة جوهرية بها، فإن مهرجان هذا العام بأنشطته وفاعلياته الأدبية والفكرية والثقافية يؤكد على جملة من القيم تتمثل في:
-أولا: استيعاب وتمثل الحالة الحوارية التي تجري بالسعودية ndash; وإن كانت في إرهاصاتها الأولية مقتصرة على ما هو ثقافي وفكري وخدمي وكرنفالي أحيانا - وتخصيص عدد من الندوات لها، خاصة في قراءة التوجه الحواري لدى الملك عبدالله بن عبدالعزيز وإطلاقه الحوار الوطني والحوار بين أتباع الديانات والثقافات في العالم.
-ثانيا: الانتصار الرسمي المؤسساتي لمسألة التنوع والتعدد الثقافي، بعد أن اقتصر المهرجان في السنوات العشر الماضية على تغليب الاتجاه السلفي المحافظ، وتغليب الفاعليات (ندوات وأسماء مدعوة) ذات الطابع النمطي الراديكالي المتكرر الذي أدى إلى ترهل المهرجان، وإلى مقاطعة الجمهور لمعظم فاعلياته. هذا الانتصار أفضى إلى وجود ندوات وشخصيات هي من التنوع بمكان بحيث نجد أن معظم التيارات الثقافية والفكرية حاضرة فيه بشكل متوازن.
-ثالثا: توسيع الأنشطة الثقافية بحيث تشمل تكريم شخصية ثقافية إلى جانب إيجاد محور رئيسي جديد يعبر عن حوار الثقافات، بالإضافة إلى الندوات التي تناقش الظواهر المحلية مثل: الرواية، والسلفية.
-رابعا: عدم الاقتصار على النشاط الديني وتغليفه بالغلاف الثقافي كما كان يحدث سابقا، فلدين أحد أنمط الثقافة والتقاليد، وهو ليس كل شيء في الحياة، هو جزء من كل، وهذه النظرة الجديدة تقلل من هيمنة الديني على العلمي والإبداعي والاجتماعي.
-خامسا: إدخال صوتين نسائيين لأول مرة في أوبريت الافتتاح، والاستعانة بموسيقى الفنان العاقي ماجد المهندس، وهذا يحدث للمرة الأولى، وقد يتوسع استقطاب فنانين عرب في الأعوام القادمة، وكان المهرجان قد وصل في سنوات سابقة إلى استخدام quot; الدفquot; فقط، والاستغنا عن الموسيقى واعتبارها نوعا من المنكر!!
-سادسا: توسيع الأفق العالمي للمهرجان بدعوة شخصيات من بريطانيا، وفرنسا، وأمريكا، والصين، والبرتغال، ورومانيا، والصين، وإيران، وباكستان، بالإضافة إلى الدول العربية، وهو ما فعله المهرجان من قبل في عامي 1996-1997، ولم يكررها كثيرا بعد ذلك.
هذه القيم الجديدة لمهرجان الجنادرية جديرة بالحفاوة، خاصة إذا استمرت في الدورات القادمة للمهرجان، إنها تعيد إليه صباه المفقود، وتخرجه من نمطيته وشيخوخته المبكرة جدا التي أوقعها فيه بعض الإداريين الذين لا يقرأون تجليات الثقافة العالمية الراهنة، ولا يتابعون المتغيرات والتحولات.
مهرجان الجنادرية 25 جاء ليلتقط تماما صورة الحدث الثقافي والفكري، ليعيد إلى المشهد الثقافي السعودي تألقه وتوهجه، ويعيد الثقة في مهرجان ولد ليكون كبيرا، ومؤثرا، وحافظا لقيم التراث والثقافة العربية السعودية.
- آخر تحديث :
التعليقات