بالفعل تغيرت وصورة العالم بعد تفجيرات 11( سبتمبر 91م )، ولم يعد كما كان العالم من قبل. خاصة و الحادث تزامن تاريخياً مع انهيار الإمبراطورية الحمراء ونهاية الحرب الباردة، التي كان النظام العالمي في ظلها يقوم على توازن الرعب النووي بين المعسكرين الشيوعي الشمولي والليبرالي الديمقراطي. وما نتج عن انهيار المنظومة الاشتراكية من إنفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم، في ظل نظام عالمي لم تتضح ولم تتبلور ملامحه النهائية بعد.

حينها كانت ملامح المرحلة الإمبراطورية في الولايات المتحدة قد بدأت تتضح وبصورة غائمة منذ حرب تحرير الكويت في عهد بوش الأب.

إلا أن أحداث سبتمبر (91) أعطت النزوع الإمبراطوري دفعة قوية ليعبر عن نفسه واقعياً وفعلياً في سياسات لم تدع الفرصة لأحد أن يشكك في مستقبل تأثيراتها على الأوضاع الدولية.
فداخلياً قامت إدارة بوش الابن بترتيب الأوضاع لتشدد من قبضة السلطة التنفيذية أمنياً عبر مجموعة من القوانين التي تكرس الرقابة وتنهك الحريات التي كفلها دستور الولايات المتحدة.

وخارجيا حلت الحروب الاستباقية أو الوقائية محل العمل الدبلوماسي، وحلت العمليات العسكرية محل الحلول السياسية فكادت، أن تصبح وزارة الخارجية فرعاً مدنياً من وزارة الدفاع، وبدأ الحديث بالفعل عن عدم الحاجة للسياسة الخارجية.

أحداث (11 سبتمبر ) يمكن أن ينظر إليها من هذا المنظور كفخ استراتيجي وقعت فيه الولايات المتحدة، ويغالب حلفائها في الغرب وفي غير الغرب أيضاً، مغبة السقوط فيه.
فأميركا التي أعطت عدوها أسم الإرهاب، لم تسع إلى تعريف وتحديد هذا العدو، فأصبح عنوانا لكل جهة تريد أميركا أن ترسل إليها قنابلها وعقوباتها الاقتصادية والسياسية.
وعملياً أصبح الإرهاب مع وجهه الأخر / الديمقراطية ( صفة / شبهة ) يمكن أن تلحق بكل من يبدي مجرد تحفظات على السياسات الخارجية الأميركية بمضامينها وأهدافها وآلياتها التي ذكرناها قبل قليل، وواضح من الإستراتيجية التي طرحها بو ش من قبل، وأثارت ما أثارت من ردات فعل يومها، إن دول حليفة مثل روسيا يمكن أن تصنف في خانة الأعداء.

الخطاء الاستراتيجي الذي وقعت فيه الولايات المتحدة نتيجة تحليلها لتفجيرات سبتمبر كعمل إرهابي هو أنها لم تحاول تحليل أسباب ودوافع الإرهاب والإرهابيين، لقد أعتمد تحليلها على تساؤل بوش العاطفي quot; لماذا يكرهوننا ؟!، quot; كقاعدة في التحليل، وذلك للوصول إلى إجابة نرجسية عاطفية / أنثوية، تتلخص في : quot; أنهم يغيرون منا quot; و quot; يحسدوننا quot; على ما ننعم به من حرية و رفاه.

ويا له من أساس تقوم عليه السياسة الدولية لأقوى دولة.
ولكن المرء يستطيع أن يتفهم دوافع مثل هذا السلوك السياسي الغبي، لأن الإجابة الأخرى على سؤال الكراهية هذا يمكن أن تقود إلى تفحص السياسة الأميركية برمتها تفحصاً نقدياً موضوعياً.

وربما تكون سذاجة بوش هذه هي التي أتاحت لمن يرغب في استغلال وتوظيف وتوجيه قوة العملاق الأمريكي الساذج على النحو الذي يريد.
وهذا ما تكفل به اللوبي الصهيوني بقيادة المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية لصالح إسرائيل بامتياز.

والآن وقد تغيرت الخارطة السياسية كما نظن ونأمل أو نرغب، في الولايات المتحدة، بفوز الديمقراطيين بأغلبية برلمانية في كلا المجلسين، هل تغير شيء في السياسات ؟.
الإجابة لا تحتاج إلى كثير ذكاء، لم يتغير شئ إلا للأسوأ بالنسبة لنا في منطقة الشرق، فقد كان بوش الابن أكثر بأسا في مواجهة ضغوط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وكان أكثر قدرة على التصدي لمخططات بناء المستوطنات، وأكثر إصرارا على حل الدولتين، وها هو أوباما الديمقراطي يخضع لابتزاز المؤسسة الصهيونية في الولايات المتحدة ليؤكد عدم إسلامه بالخضوع لمطالب اللوبي.

ما لم نفهمه نحن حتى الآن باختصار هو أن السياسات في دول الغرب لا لأهواء الحكام والسياسيين، وإنما لبرامج إستراتيجية تشارك في وضعها مراكز الأبحاث والخبراء، إلى جانب السياسيين والتكنوقراط.
المسالة عندهم غير

أكاديمي وكاتب سعودي
www.binsabaan.com