الأحداث الأخيرة في تونس دفعت الى ظهور موجة كبيرة من التكهنات ان الانتفاضة الشعبية التي اطاحت برئيس الجمهورية التونسية زين العابدين بن علي سوف تتكرر في مختلف الأقطار العربية وستنتشر العدوى كنار الهشيم في مختلف انحاء الشرق الأوسط. المحللون والخبراء والمعلقون على الفضائيات العربية وغير العربية مثل سكاي والبي بي سي تطوعوا بترشيح الأردن كبلد قد يسقط نتيجة للاحتجاج الشعبي بسبب ارتفاع اسعار السلع.

واستغربت عندما سأل قاريء الاخبار جون سنو في قناة 4 البريطانية اثناء نشرة الاخبار الساعة السابعة مساء الاثنين 17 يناير الحالي الاستاذ عبد الباري عطوان من سيتبع تونس فقال quot;مصر والأردنquot; دون تقديم الأدلة على ذلك. كان رد فعلي ان مصر ربما بسبب الاحتقان الشعبي ضد نظام حسني مبارك ولكن بالنسبة للأردن عبد الباري تسرع واخطأ واقول ذلك رغم احترامي وحبي له.

لتوضيح الصورة اقول ما يلي:
أولا
ارتفاع الأسعار ظاهرة عالمية عصفت جميع انحاء المعمورة كنتيجة للأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت العالم 2008 عام و 2009. الأردن ليس معزولا او منعزلا. رأينا في بريطانيا كيف ان ارتفاع رسوم التعليم الجامعي ادى الى تظاهرات عنيفة وحالة من الفوضى. ومن حق المواطن ان يحتج ويعبر عن سخطه ويعطي رسالته للمسؤولين ولا عيب في ذلك.

ثانيا
لا تستطيع ان تستنتج ان الأردن مرشح للانهيار لأن عدد من اليساريين والاسلاميين اعتصموا امام البرلمان او السفارة التونسية. علينا ان نتذكر ان هؤلاء سمح لهم بالتظاهر وحمل اليافطات والوقوف والاعتصام ولم يتدخل الأمن. ما دام الاعتصام سلميا ولم يتم اللجؤ للعنف وتخريب الممتلكات العامة فلا حاجة لتدخل الشرطة والدرك. الأردن ليس دولة استبدادية ظالمة كما وصفها احد اصدقاء حماس والطالبان في عمّان والذي عبر عن رأيه ولم يتعرض له احد ولم يقبض عليه احد. هل يستطيع هؤلاء الاحتجاج في الخرطوم او بنغازي دون ان يتعرضوا للتعذيب او الاعدام.

ثالثا
لا يحكم الأردن دكتاتور ثوري جاء بانقلاب عسكري بل نظام ملكي دستوري يحكم بعقلانية وحكمة جلبت الاستقرار والأمن لعقود من الزمن وجلبت التقدم في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والسياحة والزراعة والصناعة. هناك مؤسسات دستورية ومجتمع مدني ناشط واحزاب سياسية وآليات رقابة ومحاسبة وقضاء نزيه ومستقل. لا يتم اختطاف الناس وسط الليل ولا احد يعرف مصيرهم. لا يتم ابتزاز المواطنين في المطارات عند عودتهم من الخارج كما يحدث في عواصم الثورات الوراثية.

رابعا
تحظى العائلة الملكية الهاشمية بشعبية كبيرة في الشارع الأردني. واثبت العاهل الأردني انسجامه مع هموم الشعب حيث أمر الحكومة باتخاذ ما يمكن من اجراءات لتخفيف عبء الأسعار المتصاعدة للسلع الاساسية وقامت الحكومة بذلك. لعدة عقود تميز الأردن باستقراره وتماسكه الاجتماعي وامنه وسوف لا يضحي الشعب بهذه المكاسب ويراهن على المجهول وسوف لا ينقاد كالنعاج خلف اصوات النشاز الصادرة من هذه الفضائية او تلك. الشعب الأردني اكثر وعيا من ذلك وهذا الشعب يحب ملكه وعائلته الهاشمية اكثر مما يدرك المحللون.

خامسا
استوعب الأردن موجات كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين وواصل دعمه للشعب الفلسطيني في تحقيق هدفه بدولة مستقلة ورفض مشاريع الوطن البديل.

الأردن هدف لمعسكر الممانعة اللفظية والصمود الشفهي
انشغل بعض الاعلام العربي في الترويج ليوم الغضب الجمعة 14 من يناير الحالي. وكان يوم الغضب يوم عادي جدا أو كما يقول الانجليز quot;مفرقعة مبلولةquot; وشهد يوم الغضب اعتصامات سلمية هادئة ولم يحدث زلزال كما توقع البعض. عبّر المحتجون عن رأيهم بحرية تامة ولم يتم القبض عليهم ولم يتعرض اي منهم لأي مضايقات من الأمن.
الشعب يثمن ويقدر حالة الاستقرار والأمن التي يعيشها الأردن وسوف لا يجازف لكي يأتي بنظام طالباني كما هو الحال في غزة والصومال او دولة تعيش حالة من العنف والحروب الأهلية كما هي الحال في السودان والعراق واليمن. حاول بعض الاعلام المحسوب على جبهة الممانعة اللفظية الشفهية ان تبالغ وتستغل بعض الحوادث المتفرقة في الأردن لاعطاء الانطباع الخاطيء ان هناك ثورة عارمة ستأكل الأخضر واليابس وهذا لم يحدث مما يخيب أمل مناضلين الفضائيات.

هذا لا يعني ان كل شيء في الأردن مثالي ورائع بل هناك حاجة لاصلاحات وتغييرات مدروسة وليس لاجراءات سريعة ارتجالية لارضاء هذا الطرف او ذاك.
وسأضع بعض المقترحات للدراسة:
الانفتاح الحكومي باعتماد الشفافية في التعامل مع الاعلام خاصة بالقرارات التي لها تأثير مباشر على حياة الناس.
تأسيس هيئة لرقابة أسعار السلع الاساسية كالمحروقات والأغذية الاساسية. لا يستطيع سوبر ماركت او تاجر أو محطة بنزين ان ترفع الأسعار دون تقديم تبريرات مقنعة للهيئة والتي لديها صلاحيات بالموافقة او الرفض.

اتخاذ خطوات لتنشيط الاقتصاد وخلق الوظائف وجذب الاستثمارات وسن قوانين تسهل حركة الاموال والخبرات والكفاءات لتشجيع الشركات العربية والاجنبية بالاستثمار في الأردن.

تشجيع منظمات المجتمع المدني والقطاع الغير حكومي ليلعب دورا فاعلا في المجتمع
وكذلك خلق مؤسسات تروج للديمقراطية والتنمية السياسية والمواطنة الصالحة.
تأسيس مكاتب لتقديم النصائح للمواطن citizen advice bureau وتكون هذه المكاتب المكان الأول الذي يزوره المواطن الذي لديه مشكلة ويقوم المكتب بتوجيهه للدائرة المختصة ومساعدته في توصيل قضيته لمن يهمه الأمر.

بالتعاون مع الجامعات تشكيل مراكز دراسات للبحوث في القضايا الاجتماعية والاقتصادية وتقديم مقترحات وحلول عملية. رفع القيود عن الاعلام للقيام بدوره ضمن الحدود القانونية المتعلقة بالتشهير والتحريض على العنف والكره. هذه القوانين والحدود موجودة في اعرق ديمقراطيات العالم.
حملة توعية تستهدف القضاء على ثقافة العيب لتشجيع الشباب اخذ الوظائف التي تذهب دائما للعمالة الوافدة.

لعلاج الفقر وامتصاص الاحتقان يجب خلق ما يسمى شبكة الأمان Safety Net وهي خطة ضمان اجتماعي لمساعدة المحتاج والعاجز والغير قادر على العمل. تتواجد مؤسسة من هذا القبيل في الأردن ولكن المطلوب شبكة ضمان عامة لحماية من لا ينطبق عليه الشروط ووضع سقف أدنى للأجور لمنع الاستغلال والعمل على القضاء على ظاهرة الفقر المدقع. الاغنياء يتحملوا جزاء من المسؤولية بدفع ضريبة معقولة لتمويل مثل هذه الخطة.

الفكرة ان المواطن يريد أن يشعر انه جزء من المجتمع وليس مهمشا وأن صوته مسموعا وله دور. يجب ان ندرك من لا حول ولا قوة له والضعيف واليائس والغاضب والناقم يصبح ضحية سهلة في ايدي ذوي الاجندات العدائية وفريسة سهلة للتطرف وجماعات التكفير والارهاب.

ndash; اعلامي عربي لندن