في أوّل عدد صدر لجريدة التجديد الناطقة باسم حزب العدالة والتنمية quot;ضمنياquot; مباشرة بعد فوز الحزب التاريخي والكاسح في أوّل انتخابات برلمانية جرت في المملكة المغربية بعد التعديلات الدستورية الاخيرة، ناقشت الجريدة بشكل مستفيض توّزع المقاعد التي حصدها العدالة والتنمية في كافة أرجاء المملكة كما أوردت تصريحات لعدد من الخبراء الاقتصاديين والماليين والسياسيين حول أبرز التحدّيات التي ستواجه رئيس الحكومة القادم ووزرائه في مجالات الهويّة والقيم والسياسة الخارجية وحقوق الانسان ومحاربة الفساد والبطالة وإنقاذ الوضع المالي للبلاد.

ولكن من بين التصريحات البارزة التي أوردتها الجريدة على لسان شخصيات مغربية لها دورها ووزنها السياسي والإقتصادي والديني والإجتماعي ما ذكره السيّد محمد أحمد باهي، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، الذي قال أنّه quot;على رئيس الحكومة القادم ان يقتنع ان قضية الصحراء المغربية هي قضية وجود لا حدود كما عليه ان يتوفر على الشجاعة الأدبية والسياسية للدخول في هذا الملف بكل صراحة ووضوح ومسؤولية...quot; واضاف الباهي أنّه quot;على رئيس الحكومة القادمة أن يعلن أنّ الخصم الرئيسي في هذا الملف هو الدولة الجزائرية...quot; كل هذه المطالب من ناشط صحراوي بمكانة الباهي وهو الرجل الذي كان معتقل رأي سابق لدى جبهة البوليساريو لسنوات طويلة قبل عودته هربا من المخيمات الى المغرب تبدو طبيعية ومقبولة وليست جديدة على لسان مواطن مغربي quot;حريصquot; على وطنه سواء كان صحراوي أو غير صحراوي.

ولكن أن يطالب الباهي في التصريح نفسه لجريدة quot;التجديدquot; رئيس الحكومة القادمة بإعلان quot;الحرب على سياسة الامتيازات واقتصاد الريع والرشاوى التي تنخر ملف الصحراءquot; على حدّ تعبيره إضافة الى مطالبته رئيس الحكومة quot;بتبنّي محاسبة المتأجرين بقضية الصحراء والذين راكموا الثروات على حساب المحتجزين في تندوف...quot; فهو كلام يحتاج الى مراجعة وتحليل في ما يخصّ مستقبل ملف الصحراء بين أيدي حكومة بنكيران.

وأن يعلن الباهي عن طلب صريح ومباشر من بنكيران أن يرعى quot;تبنّي المصالحة بين الدولة والصحراويين بما يسترجع الثقة المفقودة...quot; فهو شيء أكثر من لافت وحسّاس في هذه المرحلة الانتقالية من تاريخ quot;المغرب الحديثquot; وفقا للمصطلح الذي تستعمله وسائل الاعلام العالمية منذ فترة وتستشهد به خطابات المتحدثين باسم عواصم القرار في العالم اليوم في طور ترحيبهم بفوز الحزب الاسلامي quot;الهوّيةquot; العدالة والتنمية في انتخابات 25 نوفمبر في المغرب وقيادة هذا الحزب للحكومة القادمة وللبرلمان بشخص رئيس الحكومة وبأكثرية برلمانية كاسحة... فالباهي يطالب بالعلن بما همس به المغاربة الصحراويون وغير الصحراويين لسنوات طويلة منذ وقف القتال بين المغرب وجبهة البوليساريو الانفصالية في اواخر الثمانينات وبدء الحرب quot;الدبلوماسيةquot; بين الجبهة والنظام المغربي... والباهي هنا تجرّأ على قول ما قاله في quot;سرّهمquot; العديد من المراقبين والصحافيين والمهتمين بالملف الصحراوي من داخل المغرب وخارجه quot;وانتقدوهquot; دوما حول غياب تخطيط يصل الى مستوى quot;الاستراتيجياquot; في ما يخصّ دفاع المغرب عن حقه في صحرائه.

ملف الصحراء في quot;زواياquot; السياسة الخارجية المغربية في عهد بنكيران وquot;اخوانهquot; لا تحتاج الى العودة الى التناظر حول شرعية ال 45 بالمئة من نسبة المشاركة الرسمية التي اعلن عنها وزير الداخلية المغربي الطيّب الشرقاوي مساء 25 نوفمبر ولا تحتاج الى مناقشة شكل الاحتجاج الشعبي والشبابي في ساحات وشوارع المملكة الذي قد يستمر في عهد العدالة والتنمية، إن كتب لهكذا مسيرات احتجاجية ان تستمر اصلا، بل تحتاج الى quot;تسامحquot; شعبي - سياسي بين اشكال مقاربة القضية في السنوات التي مضت وبين مقاربتها في المرحلة الجديدة لن ستحمل حتما quot;ياسمينquot; التغيير للمغرب وسط وجود العديد من المعوّقات الخارجية والتحدّيات الداخلية.

عيّن الملك رسميا بنكيران رئيسا للحكومة وستحمل المرحلة القادمة بالتأكيد تعيينات جديدة في وجوه الوزراء والكوادر الرسمية المهمّة في النظام المغربي ابتداء من البلاط الملكي وصولا الى الدوائر الحكومية الاخرى ولكن يتخوّف الشعب المغربي ومعه المراقبون من أن تكون هذه التعيينات مجرّد quot;تعديلاتquot; بسيطة في quot;ديكورquot; المطبخ السياسي المغربي... ويتخوّف البعض الآخر ان لا تحمل هذه التعيينات أيّ جديد لملف الصحراء ومقاربته سياسيا وأمنيا داخل مراكز القرار المغربي... ولفت بنكيران في يوم تعيينه أنظار المغاربة كونه لبس لأوّل مرة quot;ربطة عنقquot; وهو الذي تعوّد السير في السياسة المغربية quot;بتأرجحquot; مريح دون اي quot;ربطةquot;، ومع هذه الاطلالة quot;الرسميةquot; بربطة العنق تساءل المغاربة هل سينجح بنكيران في تحدّي الدلبوماسية المغربية التي تعوّد عليها المغاربة تجاه القضايا الحسّاسة في المملكة لا سيّما قضية الصحراء أم أنّه سيستمر في مسار quot;مرسومquot; مسبقا في بروتوكلات quot;اللعبةquot; السياسية المغربية؟.

عندما عقدت هيئة الإذاعة والتلفزة المغربية مؤتمرها الصحفي في الرباط يوم الأحد 27 نوفمبر سأل أحد مراسلي التلفزة المغربية أحد القياديين في حزب العدالة والتنمية عن رؤية حزبه لملف الصحراء... فكان ردّ القيادي quot;لقد كسبنا الارض... ولم نكسب الشعب...quot; هذا رّد لا يستهان بدلالته كونه يستوجب من quot;قائلهquot; قبل quot;سامعهquot; ان يتحرّك quot;لاسترجاعquot; الشعب quot;المفقودquot; على حدّ قوله... ولكن عن أيّ شعب مفقود يتحدث هذا القيادي؟... هل يقصد فئة من الصحراويين المغاربة في الداخل الذي يعترضون على طريقة quot;تدبيرquot; وإدارة ملف الصحراء على المستوى الرسمي في المغرب؟ أم أنّه يقصد الصحراويين المحتجزين داخل مخيمات تندوف، جنوب غرب الجزائر، والممنوعين أصلا من التنقل الداخلي والخارجي تحت سيطرة جبهة البوليساريو التي تدعو الى استقلال الصحراء عن المغرب وخلق quot;دويلةquot; جديدة في منطقة المغرب العربي؟... يبدو انّه ليس مهما ماذا قصد القيادي وغيره من الذين يوّجهون يوميا انتقادات حادّة لطريقة تدبير ملف الصحراء دبلوماسيا... بقدر أهمية ان يبدأ المغاربة كقيادات حكومةي وحزبية وأهلية ان يضعوا quot;تدبيرquot; اعلامي جديد وخطاب اعلامي حديث لرصد القضية بطريقة مختلف داخل المغرب وخارجه... فهل لبنكيران quot;واخوانهquot; اي خطط في هذا الاطار؟...لأن الجميع يريد طريقة تدبير جديدة للقضية ولا أحد quot;أسمعناquot; ماهية هذا التدبير الجديد!.

تسمية بنكيران رئيسا للحكومة وأسماء التوقعات المتداولة اليوم حول المناصب الوزارية ومنها ما سيرضى عنها عموم الشارع المغربي ومنها ما سيلقى معارضة ولكن هذا حال رّدة فعل quot;الشارعquot; في اي بلد حين تبدأ تسريبات أسماء التشكيلات الحكومية ولكن الاخطر اليوم هو ثقة الشعب المغربي بالسياسات الحكومية الجديدة والتي ستحتاج حتما الى جهد شخصي من بنكيران ووزرائه القادمين ليثبتوا للمغاربة انّ قدومهم جاء لتغيير واقع المملكة وليس فقط تغيير وجوه القيادات وان جزئ كبير من السلطة اصبح فعلا، بعد الدستور الجديد، بيد رئيس الحكومة وليست كل الصلاحيات محصورة في يد الملك حصرا.

وفي المرحلة المقبلة سيحتاج المغاربة ان يخرجوا من quot;سمفونيةquot; مطالبة الملك بمزيد من quot;الجرأةquot; لتقديم مزيد من الاصلاحات والانفتاح في حرية الراي والتعبير وأن يطلبوا ذلك مباشرة وبكل quot;الطرقquot; الممكنة من حكومتهم وبرلمانهم التشريعي وأحزابهم السياسية...