التحليل في زمن الشوارع ما عاد ينفع. فما تقوم به الشوارع الثائرة، الآن، من بعد تونس البوعزيزي، على طول الشرق الأوسط وعرضه، هو يتجاوز كلّ توقع، ولا يمكن لأي محللٍ، أن يستوعبه، ويركنه إلى منطقٍ، يؤدي به إلى توقعاته.
فالشارع أسرع من كلّ توقع.
الشارع يرسم صحيحه بنفسه، خارجاً على كلّ توقع.
خلال شهرين ونيف، سنشهد على الأغلب، سقوط ثلاث ديكتاتوريات عربية، أي ما يعادل حوالي 95 عاماً من الزمان الديكتاتوري في جهات عربية متجاورة(تونس 23 عاماً+مصر 30 عاماً+ ليبيا 42 عاماً).
هكذا تتكلم الشوارع إذن.
هكذا تقوم القيامة إن قامت الشوارع.
حين تتكلم الشوارع، فما على الديكتاتور إلا أن يسكت، ويتنحى، و يرحل، أو ينتحر، كما نرى ديكتاتور ليبيا الآن. القذافي الأب، يترجم الآن خطاب القذافي الإبن سيف الإسلام(أو سيف القتل كما سماه أحد شيوخ الدين)، إلى حقيقة ليبية مرة، وحشية، وفظيعة بكل المقاييس. قالها الديكتاتور الإبن، صراحةً وعلى الملأ، بأنهم سيقاتلون حتى آخر رجل، وأخر إمرأة، وآخر طلقة، وها هو يقاتل الآن ليبيا على الأرض ومن الجو، بقصفها قصفاً عنيفاً، لا يتصوره عقل.
ما شهدناه أمس، كان إعلان حرب quot;ثورية إيلوليةquot; حقيقية، من جهة الفاتح ملك ملوك أفريقيا quot;الديمو كراسيquot; جداً معمّر القذافي وعائلته وأعوانه، ضد كل ليبيا من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب.
على الرغم مما نشاهده هذه الأيام، منذ السابع عشر من الشهر الجاري، على طول شوارع ليبيا وعرضها، من مظاهرات واحتجاجات واعتصامات ثورية، في كونها امتداداً للمدّ الثوري في كلٍّ من تونس ومصر، إلا أنّ ما نشاهده ونسمعه ونقرأه من صناعة بشعة للقتل quot;الثوريquot; القذافوي بإمتياز، يختلف كثيراً، عما رأيناه في مصر ميدان التحرير، وتونس البوعزيزي من قبلها.
ليس لأن الشعب الليبي يختلف كثيراً أو قليلاً عن الشعبين التونسي والمصري، وإنما لأن ديكتاتورية القذافي، تختلف جداً، عن أخواتها من الديكتاتوريات العربيات الأخريات.
فما نشهده اليوم من quot;قذافياتٍquot; ترتكب بدم بارد، وبدون أي رادع أخلاقي، بحق ليبيا والليبيين العزّل، على قاعدة quot;أنا ومن بعدي الطوفانquot;، لا يمكن أن يتصوره أيّ عقلٍ بشري، يعيش في الألفية الثالثة.
كل الطرق في ليبيبا الديكتاتور، تؤدي الآن إلى القتل:
إما تقتل أو تُقتل!
ثلاث ديكتاتوريات، ثلاثة شعوب، وثلاثة دروس، والدرس الشرق أوسطي، لا يزال مستمراً.
الدرس الأول، انتهى تونسياً بهروب الرئيس.
الدرس الثاني، انتهى مصرياً، بتنحي الرئيس.
أما الدرس الثالث، فهو ما نشهده الآن، من انتحار سياسي وأخلاقي وخارج على كلّ عقلٍ، والذي سينتهي إلى خرابٍ كبير، وخروجٍ فظيع للقذافي وزمرته، من ليبيا الزمان والمكان في آن.
بات أكيداً الآن، كما يقول أكيد الشوارع الشرق أوسطية، أن كلّ الدروس لا بدّ أن تؤدي إلى صعود الشعب، وسقوط الديكتاتور: كل الدروب في الشوارع، تؤدي الآن، إلى السقوط؛ سقوط الماضي الديكتاتور، وصعود المستقبل المفتوح على الحرية.
سورياً، سينتهي الدرس الغاضب القادم، بديكتاتورها الأسد الثاني، إلى ذات السقوط، وذات الخروج الأكيد، من الزمان والمكان السوريين.
ولكن السؤال الذي يزال قائماً، ويسأله الكلّ المعني سورياً من الكلّ، هو:
أي درسٍ حفظه الأسد، من قيامات الشوارع المشتعلة من حوله؟
أيّ درسٍ سيحفظه الأسد، من بعد درس القذافي، المعلم الديكتاتور، الذي يلقي دروساً quot;خضراءquot; من كتابه الأخضر، في الجماهيرية وquot;الديمو ـكراسيةquot;(أيّ جلوس الدهماء على الكراسي، بحسب quot;فلسفتهquot;)، منذ أربعة عقودٍ ونيف؟
أعتقد أنّ الدرس الأقرب إلى سلوك الأسد الثاني ونظامه، والذي سيرتكبه، عند قيام الشوارع السورية، عاجلاً، هو درس القذافي.
فكما جنّد القذافي المرتزقة الأفارقة والبلطجية من أصحاب القبعات الصفر، سيرتكب الأسد ذات الفعل، بضرب الداخل بالخارج، وذلك عبر تجنيد عناصر من حزب الله، لقمع الشوارع السورية، وممارسة القتل في صفوف المتظاهرين.
في الأيام الأخيرة، نقلت وكالات الأنباء العالمية، خبر تجنيد إيران ل1500 مقاتل من حزب الله لقمع المظاهرات الأخيرة هناك.
ذات الخبر سمعناه من قبل، في سوريا، بأن النظام قد احتاط بجلب quot;مقاتلين تحت الطلبquot; من حزب الله المتدربين تدريباً عالياً، لضرب أية انتفاضة سورية شعبية محتملة.
السيناريو وارد جداً، في الوقت الذي نعلم أنّ لبنان الآن، بعد سقوط حكومة الحريري، هي في جيب سوريا. فالأخيرة عادت بكلّ قوتها إلى لبنان من جديد، عبر جيوبها المقاتلة، لا سيما الجيب الشيعي المتأيرن، المسلح تسليحاً كبيراً، الممثل بحزب الله وحركة أمل.
مثلما القذافي لا يثق بquot;عربهquot; وطلّقهم بالثلاثة، منذ زمانٍ بعيد، ونصب نفسه quot;ملكاً لملوك إفريقياquot;، كذلك هو الأسد. فهو، القادم من مدرسة أبيه، لا يثق أيضاً بالعرب ولا يعوّل عليهم كثيراً، رغم تشدقه بالعروبة وركوبه أجنداتها القومجية، في كلّ المناسبات.
مثلما استنجد القذافي بملوك quot;إفريقياquot;(ه)، الذي طالما أنعمهم وأغدقهم بأموال الشعب الليبي، كذلك ليس للأسد، ساعة الغضب السوري، إلا إيران وquot;آياتها العظمىquot; لنجدته.
القذافي، لعب بالورقة القبائلية والمناطقية، وعوّل(ولا يزال) على الحرب الأهلية، ليصبح هو الحكم الأبدي بين الليبيين. ذات اللعب أكده سيف القذافي في تهديده الأخير، بأن كل ليبيا ستقاتل كل ليبيا، وما نشهده الآن من قتلٍ لليبيا وشعبها، ما هو إلا ممارسة فعلية سادية، لتطبيق ذاك الخطاب النرجسي بإمتياز. الأسد، على الأغلب، سيلعب على الورقة ذاتها، ألا وهي ضرب العرب بالكرد، والعلويين بالسنة، وكل سوريا بكلها، ليبقى هو القائد إلى الأبد.
وما تسليح النظام لبعض العشائر العربية في المناطق الكردية مؤخراً، إلا بعضاً من هذا اللعب على هذه الورقة.
القذافي، يرتكب الآن quot;قذافياته الأخيرةquot;، ويضرب ليبيا للمرة الأخيرة، لأنه يعلم جيداً أن نهايته مؤكدة، لهذا هو يمارس سياسة الأرض المحروقة، وسيقاتل ليبيا بلاداً وعباداً، حتى آخر طلقة، كما قال القذافي الإبن، فإما هو، أو ليبيا بلا شعب، تماماً مثلما كان صدام يريد لعراقه، يوماً، أن يكون.
الأسد، سيحاول ارتكاب ذات السياسة، وارتكاب المعركة ذاتها مع سوريا. أوَلم يفعل الأسد الأب بحلب وحماة في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي، ما لم يفعله رئيس بشعبه؟
ما يرتكبه quot;الإفريقي الأخيرquot;، من قذافيات أخيرة، بحق ليبيا وشعبها الأعزل، الآن، هو الدرس الأكثر احتمالاً الذي سيرتكبه ديكتاتور سوريا الأخير، بشار الأسد، ضد الشعب السوري، متى استطاع إلى ذلك سبيلا.
حاذورا quot;ليبيَنةquot; سوريا، في القادم من غضبها!
حاذروا تكرار quot;ليبيا القذافيquot; الآن، في quot;سوريا الأسدquot; القادمة!
فلا فرق بين ليبيا وسوريا، الآن، سوى المكان؛ وحده المكان هو الفرق بين quot;القذافياتquot; هناك، وquot;الأسدياتquot; ههنا.
التعليقات