وجه قاتم بائس من اوجه الكارثة التي جاءت مع استيلاء العسكريين الانقلابيين على السلطة هو السفه في اهدار ثروة المجتمع على لعبة شراء واستخدام السلاح.
وليبيا مثل صارخ فاضح، لما حدث من اهدار وتبدير لاموال المجتمع وعبث بموارد البلاد في هذا المجال، وكما هو معلوم فقد صحا الليبيون في الاول من سبتمبر عام 1969، على صوت الموسيقى العسكرية التي اعقبها البيان الاول، يبشرهم بسقوط عرش العمالة، على ايدى الطلائع الباسلة من قواته المسلحة، واتضح بعد ايام قليلة ان هؤلاء البواسل هم جماعة من صغار الضباط يقودهم ملازم اسمه معمر ابومنيار القذافي، امتطوا سدة الحكم، ولم يكن الليبيون يذكرون شيئا جميلا للعهد الملكي ياسفون عليه، ولكنهم لم يكونوا يعرفون ما تخبئه لهم الاقدار على أيدي هذه الطغمة من العسكريين المتعطشين كما اتضح فيما بعد للثراء والسلطة والجاه.
لقد قاموا بثورتهم، كما كانوا يسمونها، انقاذا للبلاد من عصابة حكام العهد الملكي، التي عاتت فسادا في البلاد، وتواطأت مع المستعمرين، ونهبت ثروات الوطن، وفرضت نفسها على السلطة قهرا واغتصابا، وكان الواجب، كما تقول الاخلاق والشرف العسكري، ان يقوم هؤلاء المنقذون البواسل، بازاحة المغتصبين، ومنح اهل البلاد حق ممارسة حريتهم في اختيار من يحكمهم، لا ان يتحولوا هم انفسهم الى مغتصبين للسلطة، ويفرضون انفسهم بقوة السلاح على الناس، لان هذا السلاح نفسه الذي انتزعوا به الحكم، هو سلاح للدفاع عن الوطن، وليس من حقهم ولا واجبهم استخدامه لاختطاف الوطن لصالحهم وصالح حكمهم بل هو عمل اجرامي يخالف القانون والدستور، لا يغفره ولا يبرره الا شيء واحد هو ان يعيدوا السلطة الى مصدر هذه السلطة كما ينص الدستور في اول مواده وهو الشعب، عندئد يمكن اضفاء شيء من الشرعية الدستورية على انقلابهم.

وحقيقة ما حدث، انه بدلا من ملك واحد كان يحكم البلاد ويدين له الناس بالولاء، وجد الناس انفسهم يعانون حكم تنظيم قوامه اكثر من اربعين ملكا هم اعضاء هذا التنظيم الذي يتسمى باسم الضباط الوحدويين الاحرار، تحولوا في ليلة الاول من سبتمبر من ملازمين الى ملوك، يضعون على اكتافهم النسور ويضعون انفسهم في مواقع فوق الوزراء، واستولوا منذ اليوم الاول على قصور الحكم يوزعونها فيما بينهم، والسلطة يتقاسمونها ويجعلونها احتكارا لهم، فصاروا اشبه ببارونات الارض لكل واحد منهم اقطاعية، مثلما كان الحال في القرون الوسطى حيث يملك البارون الارض ومن فوقها من بشر يسمونهم قيان الارض. وهكذا وجد الشعب الليبي، الذي خرج في مسيرات الترحيب بعساكر الانقاذ، يردد شعارات الحرية والاشتراكية والوحدة التي سمعها في الاذاعة، رهينة هذا الحكم الانقلابي العسكري الذي يقوده ملازم اهوج اعطى نفسه رتبة عقيد، وصار تدريجيا يصنع من نفسه كائنا مؤلها، وربا من ارباب الاساطير، مثل زيوس او جوبيتير، ويطلب من الناس كما قال شهيد الحرية رحمه الله فتحي الجهمي، السجود له بدلا من الله، وفتح امام مجموعة الضباط الذين جاءوا به الى السلطة، الحق في نهب ثروة الوطن، سائرا في ذلك على نهج جينكيزخان وهولاكو وغيرهما من ملوك الغزو والفتوحات عندما كانوا يمنحون عساكرهم حق استباحة المدينة التي يفتحونها، فقد منح عساكر الانقلاب حق استباحة ثروات الشعب ونهب بيوته والاعتداء على املاكه فيما كان يسميه تاميما، وكان يريد بذلك مقايضة هؤلاء العساكر بشيء يريد احتكاره لنفسه هو السلطة، ان ياخذوا الثروة والاملاك ولهم حق ان يعيثوا فسادا في البلاد والعباد، شرط ان يتركوا له الحكم، والا يساله احد عما يفعل بمقدرات اهل البلاد، بينما حرم بقية الناس من ابسط حقوقهم في ممارسة حياة حرة كريمة.( وساضع استثناء بسيطا هنا لعددقليل جدا من عساكر الانقلاب الشرفاء، ممن كانوا يؤمنون بافكار ثورية، وهالهم حجم الفساد واستباحة الوطن، ففكوا ارتباطهم مبكرا بعصابة الحكم واعلنوا العصيان على الطاغية ودفع بعضهم الثمن من حياته كما حدث مع الشهيد رضوان الله عليه السيد عمر المحيشي واقول شهيدا مع ان مصيره ظل مجهولا وبقىndash; ربما ndash; شهيدا بلا قبر)

وباعتبار العهد الذي بدا في الاول من سبتمبر 1969 عهدا يدير مقدراته ويسيطر على دفة الحكم فيه مجموعة من العساكر، فمن الطبيعي ان هؤلاء العساكر تتركز خبرتهم وثقافتهم ويملأ تفكيرهم ويشغل حياتهم المهنية، ما تدربوا عليه وتعلموا استخدامه وهو السلاح، فهم غالبا ما تغيب عنهم بحكم العمل والحياة داخل المعسكرات وطبيعة المهنة التي امتهنوها والتربية العسكرية التي تلقوها، والقصورالثقافي الذي يعانون منه، ومحدودية التعليم واقتصاره على الجوانب العسكرية، تغيب عنهم اقول، المعارف والخبرات والمهارات التي تتصل بقضايا التنمية والبناء والابداع، ولا يبقى امامهم الا موضوع السلاح الذي يجعلون شراءه والدخول في علاقات مع تجاره، مسالة هواية وتربح ولعبة من العاب الحكم والسلطة واكتساب الثروة، ولذلك فقد شهد هذا المجال، خاصة في دول الانقلابات العسكرية، وبالاخص الدولة الليبية في عهدها العسكري باعتبارها دولة ريعية تعتمد على مدخولها من البترودولار، اسرافا في الانفاق يصل الى حد السفه، ورغم ان الوقوع في لعبة الابتزاز التي يمارسها سوق السلاح الدولي لا تقتصر بالضرورة على الانظمة العسكرية، الا ان هذه الانظمة تبقى هي الاكثر استهدافا لحيل والاعيب اهل هذا السوق، وبتشجيع من دول كبرى ترى في ان بيع السلاح لدول نفطية مثل ليبيا، هو جزء من استعادة الثروات التي تشتري بها النفط فيما يسمى باللغة الانجليزية Recycling وهي كلمة كانت تتردد كثيرا على لسان احد صناع السياسة في الغرب السيد كيسينجر، خاصة ايام استفحال ازمة النفط وارتفاع اسعاره بعد الحرب العربية الاسرائيلية عام 1973، واذا كانت دول نفطية غير عسكرية مثل دول الخليج تعطي اهمية لتسليح الجيوش، تتوازي مع الاهمية التي تعطيها لجوانب تنموية اخرى، فان النظام العسكري في ليبيا كان اهتمامه بتكويم السلاح على حساب اهماله للجوانب التنموية واغفال مسالة استثمار الثروة النفطية في مشاريع تجارية تجلب دخلا يعزز دخل النفط، ولتبرير هذه السياسة ادخل النظام، الدولة الليبية في معارك وهمية مع اغلب دول العالم، وادخل الشعب في برامج تجنيد وتدريب فيما اسماه الشعب المسلح، تبريرا لهذا الانفاق السخي على التسلح والتسليح، وتبعا لهذه السياسات الرعناء التي لا ترى الامور الا من جانبها الاحادي العسكري، فقد كان النظام الانقلابي الليبي، بحكم العقلية العسكرية التي تقوده، وغياب المرجعيات الشعبية والمؤسسات الدستورية التي تحاسب وتسائل، هو اكثر الانظمة وقوعا في فخاخ الاستغلال وحبائل تجاره وعصابات المافيا العاملة فيه، ويمكن العودة الى صفقة صواريخ كروتال، وما رافقها من فضيحة اهدار الملايين في عملية خداع وسرقة وابتزاز نتج عنها تعبئة صورايخ اشبه بالعاب الاطفال بدلا من الصواريخ الحقيقية التي تم شراؤها ودفع اثمانها من خزينة الشعب الليبي، وهذه طبعا ليست الا مثالا وصل الى النشر وصار فضيحة عالمية غير صفقات اخرى تمت تحت غطاء من السرية، كان اخرها ما يروى عن اجزاء من مشروع نووي تم تفكيكه وتسليمه الى امريكا، وارفقته ليبيا بفاتورة تبلغ عددا من مليارات الدولارات، طالبة من امريكا تعويضها حسب الاتفاق، لان هذه هي الاثمان التي اشترت بها هذا الجزء من المشروع، وكان الرد مفاجئا للحكومة الليبية عندما جاء يقول، بان هذه الاثمان التي تطلبها ليبيا، وتقول انها اشترت بها ما سلمته لامريكا، لا علاقة لها بالاسعار الحقيقية، ولا تصل لمعشار المبلغ التي دفعته في هذه الاسلحة، وقدمت لها الفواتير والاسعار الحقيقية، لتكتشف الحكومة الليبية، ما كان يتم من ابتزاز وسرقات وصفقات، ربما كانت بعلم اطراف ومؤسسات ليبية تشارك في نهب ثروة الشعب مع اعضاء المافيا العالمية للسلاح.

واذا تركنا جانبا السرقة واللصوصية الواضحة التي تتم بدون تمويه ولا مواربة ولا اقنعة، وجئنا الى لعبة الابتزاز التى تتم من وراء المظهر التجاري الذي يعمل وفق القواعد والاصول التجارية فماذا نجد ؟ نجد ان مصانع السلاح تعرض جيلا جديدا من الاسلحة، ولنقل على سبيل المثال صاروخا جديدا يصيب اهدافه في الارض او السماء، ولنقل ان مخترعيه اطلقوا عليه اسم سام واعطوه رقما هو رقم 4، وياتي العسكريون من امثال حكام ليبيا بما لديهم من ولع وشوق وعطش لهذه الالعاب الجديدة في مجال مهنتهم وهواياتهم وما يمكن ان يعتبرونه احتياجاتهم ويخصصون مئات الملايين لشراء هذه الصواريخ، ويضعونها في المخازن على امل استخدامها يوما، ولكنهم في الغالب لا يستخدمونها، الا انهم ينتبهون بعد عام او عامين الى ان جيلا جديدا من نفس صواريخ سام نزل السوق واعطوه رقم 7 ويقولون لهم ان لهذا الصاروخ مزايا جديدة فهو يذهب مسافات اطول وبه اشعة لتوجيهه اكثر دقة بحيث يصبح وكان سام 4 قد اصبح سلاحا قديما لا يصلح لمنافسه سام الجديد، وهكذا يرمون سامهم الاول ويذهبون لشراء الجيل الجديد من هذه الصواريخ ويهملون تدريب جنودهم على السلاح القديم لان هذا هو سلاح المعركة ولكن المعركة لا تاتي وعام اخر يمر وسام جديد ينزل السوق تحت رقم 9 وله مزايا اخرى فقد صارت المسافة اطول وصارت القدرة على اصابة الهدف اكثر دقة ودخلت اشعة ليزر في توجيهه ودخلت الذاكرة الاليكترونية في تغذيته بالمعلومات وصار من السهل نقله فوق انواع من الاليات غير الاجيال الاولي من سام 4 وسام 7 ويجد هذا العسكري الذي يريد ان يجاري العصر في سباق مع هؤلاء التجار ومصانعهم واجيالهم فيجري لشراء هذا الصاروخ، مع العلم بان صاروخا اخر له اسم اخر ويمثل جيلا جديدا موجودا في التصنيع في عام قادم بانتظار امواله، واعتذر عن التبسيط لانني اسوق الكلام بلسان الرجل العادي لا اهل الخبرة والتخصص، ولا اعتني بدقة التفاصيل ولا باسماء الصواريخ، ولا بدقة الوصف لهذه الاجيال من الاسلحة، ولكن الجوهر واحد في كل هذه الحالات ولعبة الابتزاز لا تزيد عن هذه الحالة التي تهدر فيها موارد الشعوب، وتنفق فيها اموال كان يمكن ان تذهب لرفع مستوى معيشة الناس وتطوير حياتهم وانقاذهم مما يتعرضون له من ضنك مادي وما يعيشونه من مكابدات وازمات في المواصلات والاسكان والبنية التحتية والخدمات الصحية وما يعانيه الشباب من بطالة وما تعانيه الشابات من عونسة كما يحدث في ليبيا التي صارت مضرب الامثال في المستويات المتدنية لاغلب الخدمات التي تقدمها الدولة، وشهدت جماهيرية العقيد القذافي مفارقات غريبة عجيبة هي ان دخل الناس يزداد هبوطا ومستواهم المعيشى يزداد تدنيا كلما ازدادت اسعار النفط ارتفاعا وازدادت كميات انتاجه تصاعدا.
وهناك في هذا السياق، اي سياق شراء السلاح واهدار الموال في سبيل تراكمه في المخازن، حكاية لها دلالة لعلني سبق ان اشرت اليها دون احدد اسم البلد خوفا من تبعات ذلك، ومازالت ورغم مضى زمن على حدوثها تحز في نفسي كلما تذكرتها، لانها تظهر بصورة جلية واضحة هذا المستوى غير المسبوق وغير المعروف في السفه والرعونة والفساد فيما يتصل بلعبة شراء السلاح وصار بامكاني ان اقول ان البلد هي ليبيا، وقد سجل هذه الحكاية باستفاضة ودراية، المحرر العسكري لصحيفة الفاينانشل تايمز البريطانية، الذي كان عائدا من زيارة الى ليبيا، ومن مؤتمر صحفي عقد في معسكر القيادة، وهنك في ركن من اركان ذلك المعسكر وجد نفسه امام اكداس من الكراتين، وعندما تفقدها بعين المحرر العسكري، وقرأ بعض ما كان مكتوبا فوقها، وتسلل ببصره الى داخل الشقوق التي تظهر منها محتوياتها، وجد ان هذا الكدس الكبير من الكراتين ليس الا غرفة قيادة عسكرية من طراز جديد، مزودة باحدث ما عرفته تقنيات الفضاء وحرب النجوم من انجازات اليكترونية وخرائط ضوئية، وذكر رقما فلكيا للقيمة المالية لهذه الغرفة التي كانت قد تحولت بسبب وجودها في العراء الى كومة من الحديد الخردة وصارت اسلاكها الدقيقة، بسبب الشمس الحارقة، عجينة تسيح على بعضها البعض، وكان يتكلم بحرقة والم واحساس بالفجيعة لضياع هذه التحفة العلمية، وضياع ما انفق فيها من جهد، وما صرف على اقتنائها من مليارات، وعندما اراد ان يعبر لاحد الناس عن استغرابه لوجود هذه الغرفة في هذا المكان الى ان اصابها الهلاك، ولماذا لم تتم صيانتها ووضعها في مكانها الطبيعي تحت الارض وسط اجهزة التبريد، حذره صديق اكثر خبرة بالاوضاع ان يحتفظ بصمته والا وجد من اتهمه بالجوسسة، وظل صامتا حتى عاد الى بلده والى صحيفته ليكشف هذه القصة، التي لم يكن يستطيع احد في ليبيا ان يسال او يحاسب المجرم الذي اشتراها دون ان يكون جاهزا بالمكان الذي يليق بها، لقد بهرت الغرفة احد الناس مثل القائد الاعلى وتصور نفسه يدير حروبه من خلالها وقام بدفع المليارات لشرائها ونسى ان هناك شروطا وبيئة عسكرية يجب ان يتم اعدادها لاستقبال مثل هذه التحفة العلمية العسكرية، ولكنه ارضى غروره في تلك اللحظة بغض النظر على النتائج المؤسفة التي تمثلت في اموال ضاعت دون فائدة الا فائدة الوسطاء الذين جلبوها والذين زينوا له اهمية ان يشتريها وقبضوا العمولة وفرق السعر بين الثمن الحقيقي والثمن الذي استلموه منه.

واخلص الى القول بان ما يحدث الان على الارض الليبية، هو نتيجة من نتائج تلك اللعبة العبثية العشوائية التي تراكم بسببها السلاح في مخازن الدولة، وتحول بفعل هذا التراكم، وهذا العبث، وهذه العقلية العسكرية البدوية والبدائية، الى اداة لقتل الشعب الليبي، وسفك دم ابنائه، وتدمير بيوته ومدارسه ومصانعه، وتحويل مدن مثل مصراته وزواره والزاوية واجدابيه والزنتان ويفرن وجادو ونالوت والقلعة، عمرها عشرات القرون، واسهمت اجيال في تشييدها وبنائها، الى انقاض وركام من التراب والحجارة.

نعم، هذه هي نتيجة هذا الجيش، وهذا السلاح، وهذا السفه في الانفاق واهدار موارد البلاد وتبديد ثروة النفط، في سلاح وجيش لم تكن لهما اية فائدة، الا هذه الفائدة التي نراها تتجسد امامنا كل يوم في هذه الاعداد المروعة من عدد القتلى وهذا الركام وهذه الانقاض التي الت اليها الابنية والمنشآت الصناعية والاسواق في اغلب المدن الليبية، بل ويرغم هذا الموقف وهذا الاستغلال الجنوني لترسانة السلاح، قوى الثورة على الاستعانة بالشرعية الدولية لاستخدام حلف الناتو والته العسكرية العملاقة، في مغالبة ومنازلة هذا الجيش وقهره وتحطيمه وسحق الياته وتدمير مخازن سلاحه من اجل ان يكف اداه عن ابناء الشعب، وهي محصلة مؤسفة محزنة ومأساوية بكل المقاييس، تجعلنا محقين في ان نطرح سؤالا عن مستقبل التعاطي والتعامل مع ملف الجيش والتسليح في دولة مثل ليبيا. لقد تغيرت المعادلات الدولية وتبدلت التحالفات والاحلاف، وها هو الشعب الليبي يجد حليفا في دول الغرب التي مدت له يد العون والمناصرة ضد النظام الانقلابي واجرامه وتوحشه في معاملة ابناء شعبه. وقد راينا في سوابق تاريخية دولتان هما اليابان والمانيا، تحققان بعد ما لحقهما من دمار الحرب العالمية الثانية، سرعة قياسية في اعادة البناء وتحقيق التنمية والانطلاق في مضمار الحضارة الحديثة، وتنجحان في تحقيق المعجزة الاقتصادية بدرجة كادتا ان تبزا فيها الدولتين الاقوى والاعظم ومحققتا النصر عليهما في الحرب روسيا وامريكا، بسبب ما حدث من قيود على الانفاق العسكري سلاحا وجيشا.
ورأينا فيما بعد دولة صغيرة مثل مالطا، محدودة الموارد والامكانيات وتمد يدها لتلقي العون من جارتها ليبيا، تنجح هي الاخرى في تحقيق المستوى المعيشي الراقي الذي يتفوق على مستوى المعيشة للمواطن في دولة نفطية تتلقى منها العون هي ليبيا، لانها الغت الانفاق على السلاح والعسكر، وعهدت بهذه المهمة للاتحاد الاوروبي الذي بدوره عهد الى ايطاليا بمهمة تقديم الحماية للاجواء والحدود المالطية.

لقد كان الدرس الليبي في مجال الجيش ولعبة السلاح درسا قاسيا، يستحق بعد انتهاء الازمة وزوال كابوس النظام الانقلابي، ان ينظر الشعب الليبي في كيفية وضع استراتيجية دفاعية جديدة، تضمن ترشيد الانفاق العسكري وربما الاستفادة من التحالفات الجديدة، في الاعتماد على شبكة دفاعية حديثة تختصر هذا الانفاق على حدوده الدنيا..

[email protected]www.ahmedfagih.com