لا شك في أن السيد "مسعود البرزاني" الرئيس الحالي لأقليم كردستان العراق، هو أحد أبرز القادة في الحركة السياسية الكُـردية منذ أكثر من أربعة عقود، و لعب دوراً محورياً في تحقيق إنجازات و أهداف عديدة للشعب الكُـردي، ربما أبرزها هي ما تحققت في الحلم القومي التاريخي الذي يتمثل في إقامة كيان كردي في العراق، صار اليوم، بل منذ أكثر من عقدين و نيف، يتمتع بحكم ذاتي قل نظيره من حيث الصلاحيات و السلطات و العلاقات الإقليمية و الدولية.

&و كذلك نعلم بأن سيادته، هو أيضاً أبن الزعيم الكُـردي المرحوم " ملا مصطفى البرزاني" (1903-1979م) الذي نكن له، نحن الكُـرد جميعاً، كل الإحترام وفاءاً و تقديراً لتاريخه السياسي الحافل بالمقاومة و النضال من أجل الكُـرد و قضيته. و نعرف بأنه اليوم رئيس الأقليم أيضاً و قيادي منتخب من قبل الشعب و بتأييد جماهيري تصل نسبته الى (70%)، الأمر الذي يجعلنا هنا و يجعل كل مراقب سياسي، أن يأخذ مكانته و رمزيته بنظر الإعتبار، لاسيما إذا ما أتصل أمر مكانته هذه، بإرادة الناخب و ما يراه من مصلحته و من مصلحة الكيان الكُـردي.

&إذن لا ضير - من حيث المبدأ- في ذكر هذه الحقائق و لا خوف على الأقرار بها إطلاقاً، غير أن المسألة هنا، بل المشكلة الحقيقية التي تكمن وراءها، هي الموقف من المسؤوليات التاريخية التي تقع على عاتق رئيس أقليم كردستان بالذات، خصوصاً في هذه المرحلة السياسية و الأمنية الحرجة، التي يمر بها الأقليم و العراق عموماً، والتي تتمثل، قبل أي شيء، في ضرورة إحتواء كافة الخلافات الداخلية التي برزت على السطح من جديد في الساحة الكُـردستانية و باتت تشكل تهديداً حقيقياً لمنجزات الشعب الكُـردي و أمنه و كيانه إذا ما لم يتم تسويتها بأقرب وقت من خلال حوار وطني بناء، فما بالك إذا ما كانت هذه الخلافات و التوترات تتعلق أساساً برئيس الأقليم نفسه و بالإشكالية القانونية التي لا تمنحه اليوم حق البقاء في منصبه أكثر من دورتين و لاتُجيز له تجديد ولايته.

&المسؤوليات التي نتحدث عنها، هي أكثر بكثير مما يمكن أن نشير اليها هنا، و المخاطر التي ستعقب أي تغافل أو قصور حيالها هي الأخرى كثيرة، إلا أننا نود هنا التطرق الى أكثرها خطورةً على مصير الأقليم، ألا وهي الإنزلاق نحو تكرار التجارب المتهورة في التعاطي مع هذه الخلافات، خصوصاً أن للشعب الكُـردي ماضٍ أليم، يتبعه كالظل و يدغدغ ذاكرته كلما تبرز الخلافات الداخلية في البيت الكُـردي و يصل الأمر معها الى حد الخشية من تجدد الصراعات الدموية و الأقتتال الداخلي. و يعلم السيد البرزاني جيداً تفاصيل و حيثيات هذا الماضي بل هو أعلم به منا جميعاً ! و ربما هذا ما دفعه أساساً لأن يسبق الآخرين و يطلق الكثير من التعهدات لشعبه، خاصة أثناء خطاب تنصيبه في الرئاسة قبل عشر سنوات، بمحاربة هذا الماضي و فعل المستحيل من أجل محو أي أثر من آثاره، لاسيما ما يتصل بالصراع الكُـردي-الكُـردي.

&ولكن لنرى اليوم ماذا يحدث مجدداً في كردستان العراق؟ ألا يرى رئيس الأقليم بأننا صرنا نتجه صوب ما ندعي محاربته و نمهد الأرضية لعودة ما نخشاه؟ ألا يدرك سيادته بأن علاقاته و علاقات حزبه مع الأحزاب الأخرى الرئيسية في الأقليم، أصبحت مقلقة للغاية في الآونة الأخيرة و مدعاة للخشية من المزيد من التوتر و التصعيد، خصوصاً في ظل تصريحات غير مسؤولة لبعض المسؤولين الحزبيين و التغطيات الإعلامية المُحرضة للفتن؟ لماذا لا يفي سيادته بوعوده و تعهداته للشعب و يقدم بنفسه مبادرة وطنية ناجعة يضحي فيها بكل شيء تجنباً لوقوع الأقليم و أبناء الشعب مجدداً في نار الفتنة أو أي صراعات أخرى داخلية تستغلها الأعداء و الأرهابيين؟ كيف نتخيل أن الرئيس البرزاني، الذي واجه و قاوم تسلط نوري المالكي و ساهم بقوة في رفض تجديد ولاية ثالثة له، ينتهج اليوم هو نفسه سياسات شبيهة لخصومه و يتشبث بالمنصب في حين أننا تعودنا على أن نسمع من سيادته و على لسانه دوماً بأنه يكفيه أن يكون مقاتلاً "پێشمرگه‌‌" للدفاع عن شعبه و أرض كُردستان و لا يريد أكثر من ذلك؟&

&على صعيد آخر نفهم دون شك بأن جزء آخر من مسؤوليات الحفاظ على أمن الأقليم و كيانه يقع أيضاً على كاهل الأحزاب الكُـردية الأخرى: (الإتحاد الوطني، حركة التغيير، الجماعة الإسلامية، الإتحاد الإسلامي)، أنهم أيضاً مدعوون الى العقلانية والواقعية في ممارسة السياسة، إذ يستوجب عليهم، قبل أي شيء، أن يضعوا حداً لتوتر الأجواء السياسية في الأقليم و ينفتحوا معاً– دون إستثاء !- أمام أي أفكار و مشاريع جديدة تُطرح من أجل الوصول الى التوافق الوطني و تذليل الخلافات. وكذلك عليهم أن لا يشددوا كثيراً على الإبعاد القانونية للقضية فقط دون غيرها، و أنما يأخذوا الأبعاد السياسية و الأمنية للمسألة أيضاً بعين الإعتبار و يحسبون ألف حساب للسيناريوهات القادمة في حال عدم التوصل الى إتفاق ما مع الديمقراطي الكُـردستاني بشأن قانون الرئاسة، آخذاً في الأمر كافة الإحتمالات و التداعيات و المخاطر الناجمة عنها بعين الجدية و مقارنة الأمر بتقديم بعض التنازلات الممكنة أو التعديل و المراجعة في سقف المطالب و المشاريع المتعلقة بقانون الرئاسة تفادياً لما هو أسوأ، لاسيما بعد قَبِلَ حزب البرزاني بمناقشة صلاحيات رئيس الأقليم مع الأطراف الأخرى و إعلن دعمه للنظام البرلماني. كما وينبغي على الحزب الديمقراطي الكُـردستاني أيضاً أن يعمل جاهداً، هو الآخر، للخروج من نفق هذه الخلافات دون أن يلوّح الى أي خيارات أخرى لا عقلانية تعكر الأجواء السياسية و تغلق قنوات الحوار و التفاهم مع الأطراف الأخرى المعنية بالقضية، ذلك لأن الهدف الأسمى بالنسبة للشعب الكُـردي، في نهاية المطاف، هو ليس إلا الحفاظ على وحدة كردستان أرضاً و شعباً و حماية منجزاته السياسية.&

&

كاتب و إعلامي – من كُردستان العراق&

&