وفاء سلطان حالة أنتجتها ثلاثة عوامل متشابكة، ولا يمكن لنا التعرض للأمر بدون أن نقوم بالكشف عن هذه العوامل الرئيسية الثلاث، والتي لا تقف وحدها بالطبع فهنالك جملة أخرى من العوامل تساعد في ذلك. هذه العوامل الثلاث، نبدأ فيها من العامل الأكثر حسما وهو قناة الجزيرة القطرية كدائرة أوسع والدكتور فيصل قاسم كمؤسسة أضيق، لأن الدكتور فيصل بات مؤسسة لوحده، لها هامشها من الحرية في سياق سنسميه سياقا جزيريا. هذا عامل أول، متشابك مع عامل ثان وهو السلطة العربية. والعامل الثالث هو النفط. أما الرابع فهو ثانوي ولكن لا بد من ذكره، إسرائيل. ويضاف عوامل الإسلام فوبيا، والقاعدة، ومشاكل الهجرة وما ترتبه من إشكاليات داخل المجتمعات الغربية. هذا على صعيد السياق العام.


أما السياق الخاص والذي يتعلق بالدكتورة وفاء سلطان، فهو معقد إلى درجة الحديث فيه، شائك وغير مجدي. هنالك ناقد مهم على غرار الدكتورة وفاء سلطان وهو بسام درويش ناقد للدين الإسلامي ربما بأكثر عمق من وفاء سلطان، ولكن الجزيرة لا تستدعيه، لسبب يتعلق بفيصل قاسم، فهو يعرف أن بسام رجل مسيحي من جهة، ويعرف انتماء الدكتورة وفاء سلطان الديني من جهة أخرى، وهذا مهم بالنسبة للدكتور فيصل قاسم. وقد بدأت د.وفاء سلطان النشر في موقع الناقد الذي يشرف عليه بسام درويش نفسه ولازال. وأهميته تكمن في أن فيصل يعرف جيدا توترات الوضع السياسي في المنطقة، ويعرف أيضا علاقة السلطة العربية بحركية الإسلام السياسي وفضاءه الذي تشكل الدكتورة دون أن تدري وجه العملة الآخر لتنمية الإسلام السياسي في علاقته بالسلطة العربية، وشبكة علاقاتها. فكلما تأزمت بعض السلط، قامت قناة الجزيرة، بطرح نماذج كالسيدة وفاء سلطان، تماما كحال الرسوم الدنمركية، وهذا الملمح في الحقيقة، لا يتعلق بالهجوم على الإسلام بقدر ما يتعلق بخلق مناخات تتواءم مع بعض ما تريده سلطات بعينها. وهذه نقطة يبرع فيها الدكتور فيصل قاسم، عندما يتعلق الأمر بالنظام السوري، وبالإستراتيجية القطرية. منذ أن قرأت لوفاء سلطان وهي تردد نفس الجمل ونفس العبارات ونفس الشتائم، لدرجة بت فعلا أتعاطف معها، ومع صوتها العالي الذي يريد بعلوه وشتائمه أن يسيطر على الطرف الآخر، وهذا تعبير عن إحساس بالنقص المعرفي ومحدودية الأفكار.


وهذه يمكن ردها إلى مبحث نفسي أكثر مما يمكننا رده إلى جانب معرفي تستند إليه الدكتورة، في عملها هذا، فهو لم يعد يتعلق بالكشف عن أدوات معرفية جديدة تستخدمها الدكتورة ولا يعرفها غيرها، فهي لازالت لم تخرج من العباءة الشتائمية لموقع الناقد الذي تحدثنا عنه وكتابه الذين لديهم عمق معرفي أكثر مما للدكتورة وفاء ولكن ماذا تقول لقناة الجزيرة؟ قناة الجزيرة التي ليست غائبة مطلقا عن أجواء الصراع على سورية وداخلها. لهذا وضع الدكتورة وفاء يستحق الرثاء حقيقة، وهنا ليس من باب المجاملة ولكنه من باب الحقائق التي تدري أو لا تدري الدكتورة فهي أصبحت ضمن سياق معلب لا تستطيع الخروج منه، لا يوجد مثقف أو حتى شبه مثقف لا يجري مراجعة لأدواته النقدية وكيفية البحث عن طريقة أفضل لإيصالها، إلا وفاء سلطان، فهي لا تمتلك سوى جملة من الشتائم، ولو عاد المرء لأحاديث وفاء سلطان وكتاباتها، وعدد كم مرة تحدثت عن بول البعير؟ فلن يطول بها الأمر حتى تتحول إلى كتلة مهملة لا تجد من يقول له صباح الخير. وهنا أسجل تعاطفي معها كامرأة، وإن هي حاولت بصوتها المرتفع أن تظهر بغير هذا المظهر، فهذا شأنها. أعتقد أنه في هذه المناسبة يحق لنا التوجه إلى الدكتورة وفاء بكلمة صغيرة، ارتاحي سنة واحدة من الشتائم، وانظري إليها كمراقب خارجي، إن كنت تستطيعين فستقدمين خدمة لنفسك وللآخرين وللمهمة التي تعتقدين أن الله أرسلك لتوعية المسلمين، وهل حقا تريدين توعيتهم، أشك في أن لك مصلحة في أن يصبح المسلمون أكثر علمانية! البهرج الغربي، يتعامل في النهاية مع الفقاعات الإعلامية كما يتعامل مع لاعب كرة قدم مجرد أن يتقدم قليلا في السن، ينساه الغرب وإعلامه، مع العلم أن الإعلام العربي يحتفي بإظهار الدكتورة وفاء أكثر بمئات المرات مما يحتفي بها الإعلام الغربي- قناة الجزيرة بوصفها أهم منبر إعلامي عربي، الإعلام الغربي لا يحتفي بالشتامين. هذا لوحده له دلالة علينا قراءتها وقراءة مؤسسة فيصل قاسم واستطالاتها داخل قطر وخارجها. وفي النهاية وردة حمراء للدكتورة وفاء سلطان لكونها امرأة، وأتمنى أن يحدث بيننا لقاء نقرقع فيه المتة- مصطلح ومشروب خاص في سورية ولبنان- مع الدكتور فيصل.


أما لجهة الطرف الإسلامي الذي يتصدى لوفاء سلطان، فهو طرف ربته السلطة العربية كل شبر بندر. وفهمكم كفاية. فهو لا يضيف في دفاعه عن الإسلام كلمة واحدة خارج قاموس خطاب السلطة العربية. أموال توظف ومافيات تتحرك في كل اتجاه، إنها الوحيدة: السلطة العربية راسخة في العلم.


وفاء والطرف الآخر يسبحان ويسبحان- بتشديد الباء- بحمد من يجعل خطابهم سائدا، فلا قمع ولا نهب ولا فساد في المجتمعات العربية الأمر الآن عند وفاء سلطان.


بقي ملاحظة أخيرة ومهمة، من حق وفاء سلطان أن تقول ما تريد، حتى لو كانت موالية للمشروع الإسرائيلي، ومن حق الطرف الآخر أن يرد بما يريد، وفقا للرأي والرأي الآخر. وإذا كان الإسلام سينهار مما تقوله وفاء أو من الرسوم، فيا لهذا الإسلام.

سامي عبد الرحيم