عبد الجبار العتابي من بغداد: في كل مرة.. يعود الادباء والمثقفون العراقيون الى تصفح الدوريات الثقافية التي تصدر عن دار الشؤون الثقافية العامة التابعة لوزارة الثقافة، وفي النظر الى عيونهم التي تقرأ وتعاين والى اصابعه التي تؤدي تقليب الصفحات تجد اختلافات في السرعة ورفع النظرات، فتعرف ان الرضى وعدم الرضى قرينان او صنوان او متلازمان، ولا يمكنك ان تعرف المعنى الا بعد ان تقرأ الافكار، فهذه الدوريات هي الابرز في العراق، واليها يتجه المثقفون والقراء في متابعة النتاجات وفي البحث عن الاسماء الادبية والنشاطات، وهذه الدوريات ليست وليدة الحاضر بل هي امتداد لتاريخ طويل، ولا يمكن اغفال ان العديد من الادباء العراقيين تألقت اسماؤهم اولا على صفحات (الطليعة الادبية) و (الاقلام) و (المورد) و (الثقافة الاجنبية) و (افاق عربية) وليس انتهاء بـ (الموسوعة الصغيرة) التي كانت تحتضن النتاجات، وقد كانت هذه الدوريات مرجعا مهما من مراجع الفكر والادب والثقافة، ولكن.. اين هذه الآن من الواقع الثقافي؟ اينها من الاديب العراقي ومن القارئ العراقي من النخبة او العادي؟، لا سيما ان الطليعة الادبية متوقفة وكذلك الافاق العربية، ومن حق الاديب العراقي ان يتساءل كم من هذه الدوريات يطبع وكم منها يصل الى رفوف المكتبات العامة وكم منها يباع، كما لا يسعك الا ان تسمع عن مقارنات بين واقع هذه الدوريات وماضيها ودورها في الحياة الثقافية.

الاسئلة التي لدينا في البحث عن اجابة وجدناها عند الذين استطلعنا اراءهم وحاولنا من خلالها قراءة ملامح التأثير العام لها.

الوقفة الاولى كانت مع الشاعر حسين القاصد الذي رفض الاجابة واعلن تحفظه قائلا: (انا اتحفظ على سؤالك، لا اريد ان اجيب عنه، لديّ الكثير فأتحفظ)، ولكنني ابديت اصرارا على معرفة رأيه بصراحة لان من المهم معرفة رأيه كشاعر له قراءه، فقال وقد اسقط في يده: اذن.. سأترك تحفظي واقول لك: انه لا جديد على هذا المستوى ولم اقرأ جديدا وكنا قد استبشرنا خيرا ولكننا بقينا نراوح، وما زال العراقيون يلجأون الى اقرب دولة مجاورة، ودار (الينابيع) في سورية تطبع اضعاف ما تطبعه المطابع العراقية الحكومية والاهلية.

واضاف حين سألته اذا ما نشر نتاجا له في احدى هذه الدوريات وكيف: انا لم انشر في اي دورية من هذه الدوريات، لانني لم اقدم لهم، ولانهم لم يطلبوا مني !!.

الوقفة الثانية كانت مع القاص والروائي حميد المختار الذي قال: في الوقت الحالي حدث تطور واضح جدا من خلال تلمسي ومتابعتي الاقلام مثلا والتراث الشعبي والمورد، انا اتلمس حقيقة التطور الحاصل في (الاقلام) لانني اهتم جدا بها منذ زمن بعيد، منذ زمن النظام السابق، وكنت اتمنى ان يصل مستوى مجلة الاقلام في المواد الغنية الى مستوى..، انا وضعت في بالي العدد الخاص بالقصة القصيرة وكان عددا مصدرا في ذلك الزمن، اتمنى ان يصل مستوى الاقلام ان تصدر عددا كذاك العدد، والان هي شكلا.. شيء جميل جدا ومحاورها جيدة جدا والسلاسل ايضا التي صدرت عن دار الشؤون الثقافية.

واضاف: اعتقد ينبغي علينا جميعا كمثقفين في الوسط الثقافي ان نعاضد هذه المؤسسة لانها بالاساس مؤسستنا بغض النظر عن مدى علاقة الواقع السياسي بمديرها العام او كذا، لا علاقة لنا في ذلك، ولكن لنا علاقة بالمادة التي تخرج من الدار، علينا ان نتبنى، علينا ان نتعاون، علينا ان نقدم المقترحات حتى نطورها اكثر.

وتابع المختار: هناك مجلات متخصصة لا يقرأها الانسان العادي سواء كان في العراق او خارج العراق، وهناك مجلات خليجية مثلا تتبنى الصورة الفاضحة والشكل الفني المثير وهذه يقرأها الانسان العادي وربة البيت والمثقف، ولكن على العموم اتمنى ان نصل بدورياتنا المتخصصة للاشكال الفنية التي تصدر في الخليج او في بعض الدول العربية.

الوقفة الثالثة كانت مع القاص حسن موسى الذي اعتذر عن الاجابة ايضا قائلا: لا اعرف صراحة ماذا اقول فيها.. ولكنني لم اتابع دوريات الشؤون الثقافية، ولكن الذي اسمعه ان هناك شغلا وهناك نشاطا، لكن امنيتي ان يتم العمل بعيدا عن العلاقات الشخصية، بعيدا عن العلاقات الخاصة، بعيدا عن الدعاية الشخصية، بمعنى اخر ان يكون الهدف الحقيقي ثقافة العراق بشكل من الاشكال ان لاتكون المؤسسة سببا في نمو الانسان، لنمو هذا الموظف او هذا المسؤول، والحقيقة في هذا البلد الاشتغال يتم على الشخصية نفسها، يعني حتى الشخصيات التي تحكم بلدا بكامله تشتغل على نفسها وعلى كينونتها، وبالتالي البلد نفسه منسي، اصبح اداة، ان لا يكون البلد اداة، الدائرة اداة، انما ان يتم الاشتغال على ثقافة البلد.

واضاف: بصراحة هذه الدوريات لا اعرف كيف اصل اليها، لا ادري، في السوق لم ارها، ربما الخلل بي، ولكن انا قرأت نتاجات في مرات مختلفة.. ولم تشدني، بيني وبينك، كنت اتمنى وما زلت اقول هناك نتاج هائل جدا موجود عند ادباء ومثقفين وفنانين، هذا النتاج ممكن ان يؤسس لثقافة عراقية كبيرة، بمعنى اخر هناك اناس مختصون، هناك اختصاصات، هذا الاشتغال على الاختصاص لم يتم، مهمتك انت كصحافي ان تبحث عن الناس المختصين في مجالات معينة، حتى الانسان العادي عندما تأتيه سواء بائع كتب او بائع خضراوات، تسأله عن ماهيته، ماهية عمله، في الادب يفترض الان هناك اساتذة هناك ناس مهمون جدا عندهم نتاج جيد، ممكن يدرس، لماذا لا يظهر هذا النتاج، نحن في العراق لدينا دائما المسكين المثقف هو الباحث عن هذه المؤسسات، ربما انا لا ابحث لسبب، عندي دور نشر تطبع لي، عندي دار خاصة، كتبي زادت وعبرت الـ 300 فلا احتاجها، ولكن غيري يحتاج ان يطبع كتابا يطلع باسمه.

وحين سألته لماذا لا تحاول ان تنشر في هذه الدوريات، اجاب: هناك مسألة.. التنازل، وصلنا الى مرحلة.. الحياة بعد لا (تسوى) في هذا البلد، بحيث انت تنزل نفسك لشخصية ما، وفي داخلك تعرف اين حدودها.

وقفتنا الرابعة كانت مع الناقد والمترجم والشاعر سهيل نجم الذي افتتح كلامه بأنه كتب الكثير عنها ولكن، ثم قال: للاسف تراجع دورها الثقافي الى الوراء، بسبب هيمنة ادارية غير موفقة، حاولت.. حتى ان تتراجع بالمستوى الثقافي لهذه المجلات اكثر مما كان سابقا، ربما كان في السابق تدخل السلطة بنوع ما، الان صار اكثر، بحيث هي هيمنة شخصية اكثر مما هي هيمنة سلطة، ولهذا الذي الاحظه ان الادباء بدأوا لايتواصلون مع هذه المجلات.

واضاف: انا ارى سكونية في هذه الدوريات وفيها تقليدية في الاختيار، اهم شيء مما راقبته انها لم تبن وشيجة قوية مع الواقع الثقافي العراقي، يعني هي بعيدة عن مشكلات الثقافة في العراق، فكأنها في عزلة، لا توجد مشكلات للمثقف، لا مشكلات للشعر، لا مشكلات للقصة، لا مشكلات للثقافة عموما، فهي كما اراها انا في عزلة وفي حالة سكونية.

وقفتنا الاخيرة كانت مع القاص والكاتب عبد الامير المجر عضو هيئة تحرير مجلة الاقلام التي هي احدى دوريات الدار، وبالتأكيد انا هنا اعتمدته طرفا ليس محايدا كما فعلت مع الاخرين، فأجاب المجر قائلا: لا شك ان دوريات دار الشؤون الثقافية متمثلة بالاقلام والثقافة الاجنبية والتراث الشعبي والمورد تطورت كثيرا عما كانت عليه في مرحلة ما بعد الاحتلال والسنوات التي تلت الاحتلال بسبب سوء وارتباك الوضع بشكل عام بصراحة، لكن فيما بعد وقبل اكثر من عامين عقدنا العزم على ان تكون المجلات بشكل جديد، وفعلا نهضت من خلال كوادر ممتازة، من اكاديميين ممتازين يقفون على رأسها، وكذلك ادارة الدار.. حقيقة، وهذه شهادة اقولها بموضوعية، حرصت على ان تكون الدوريات بشكل يليق بدار الشؤون الثقافية وانا اجد ان صدى الدوريات ممتاز في الشارع وكل من يقرأها يلحظ هذا التطور الكبير الذي حدث عليها.

واضاف: اما امر الطبع والمبيعات فهذا الامر لا يعني الدار بقدر ما يعني وزارة الثقافة، كما تعرف ان هناك حلقات، الدار تطبع وهناك دار نشر وتوزيع، تأخذ وتوزع، وهناك حلقات متكاملة، اعتقد ان التوزيع المأساة للمطبوع العراقي بشكل عام وليس للدوريات فقط، لان التوزيع رديء ونحتاج الى دار نشر وتوزيع تمتلكها الدولة وتتبناها الدولة، والكلفة مثلما كانت قبل بيعها مطلع التسعينات او بعد خصخصتها التي ادت الى ارباك في الوضع الثقافي بشكل عام على مستوى المطبوع.

وتابع مجيبا عن تساؤلي اذا ما كانت هذه الدوريات موازية لدوريات دول الجوار العربية: انا لا اتفق معك في انها تكون متوازية، انا اجد انها متفوقة على الكثير من دول الجوار العربية، مجلة الاقلام الان لا اجد انها درجة ثانية قياسا الى ما يصدر في الدول العربية واجد انها في الطليعة صراحة، ولمن يقرأ المجلة والثقافة الاجنبية والتراث الشعبي يجد انها راقية واعتقد ان من يريد ان يتأكد فليذهب ويكتشف الامر بنفسه.