الحقيقة التي آن للعرب أن يعترفوا بها، هي أن الصراع في الشرق الأوسط قد أصبح بالدرجة الأولى صراعا عربيا عربيا، وخسائره في الأوطان العربية والعرب، وما يتركه من آثار مروعة مفجعة، أفدح، وأكبر حجما وأكثر ضررا، من النواحي السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية والنفسية والتربوية، من الخسائر الناجمة عن الصراع العربي الإسرائيلي الذي يُفترض به أن يوحدنا، ويلهينا عن صراعاتنا الداخلية. لكن الكثيرين للأسف مازالوا يدفنون رؤوسهم في التراب، ويكابرون وينكرون ويتجاهلون، وكأنهم عميان لا يبصرون، وجهلة لا يفقهون.
إن الحروب العربية العربية، القائمة على قدم وساق، في الشوارع والأحياء والمدن والجبال والصحاري، كثيرة وعديدة. والحروب التي لم تُعلن بعد، قريبة الظهور، وأقرب مما تخطط لها الولاءات العربية، والكراهية العربية، فجمرها الديني والمذهبي يتأجج تحت الرماد في عدد غير قليل من الدول العربية.
لقد نسي العرب، أو أنستهم مذاهبهم وطوائفهم وقبائلهم وولاءاتهم، وأحقادهم التاريخية نحو بعضهم بعضا، منذ زمن ليس بالقصير، صراعهم مع إسرائيل. ففي العراق والسودان والصومال واليمن والجزائر، مئات من النساء تُغتصب وتُنحر يوميا، ومئات من العائلات العربيات تُهجر يوميا، ومئات من الشباب والأطفال العرب يقتلون يوميا بأيدي عربية، وسكاكين عربية، ورغبة عربية، وتخطيط عربي. مئات الأرواح العربية تُزهق يوميا في البلدان العربية، بشاحنات فخخها الضمير العربي، والحقد العربي، والكراهية العربية (وما أدراك ما الحقد والكراهية العربية). مئات الأجساد العربية تمزقها يوميا العقلية العربية، وشهوة القتل العربية، وشيم الثأر والانتقام العربية- وما أقسى وأبشع الانتقام العربي الذي حدثنا عنه التاريخ العربي- مئات القتلى العرب يوميا يُقتلون بلؤم عربي، وفرح عربي، وخدع حربية عربية في المساجد العربية، ودور العزاء العربية، والأسواق الشعبية العربية، والحافلات العربية.
لقد بلغ السيل الزبى، وبلغ السكين العظم. وأكثر ما نخشاه أن تُضاف للقائمة دولة أخرى، وأن تكون الحرب الأهلية اللبنانية الثانية قد أُطلقت رصاصتها الأولى بحادث الخطف الذي تم لشاب وفتى صغير السن في منطقة عين الرمانة. وللخطف السياسي مدلولاته في الشارع اللبناني الذي لا يحتاج لأكثر من فتيل واحد للتفجير والانفجار. والحرب الأهلية اللبنانية إن اشتعلت- لا قدر الله- فإن نتائجها وخيمة على لبنان والبلدان العربية، وامتداداتها سريعة وواسعة، وخسائرها كبيرة، أقلها إزالة اسم لبنان من قائمة الدول.
إن اندلاع حرب أهلية لبنانية سيتبعه بالضرورة تدخلات عسكرية خارجية لمساعدة أو حماية هذا الطرف أو ذاك. وستنشأ بؤرة توتر جديدة في المنطقة، وشر مستطير.
إن مبادرة السلام بين الفلسطينيين (اتفاق مكة) قد أوقف الاقتتال بين الفلسطينيين، ونأمل أن يبقى مستمرا، لكن مبادرة سلام واحدة لا تكفي لرأب الصدوع، فالشعوب العربية بحاجة لمجموعة مبادرات توقف سعير الحروب الناشبة بين العرب والعرب داخل الدولة الواحدة. فتحسين العلاقات بين الأخ وأخيه والابن وأبيه داخل الأسرة الواحدة، يسبق تحسين علاقات الأسرة مع أهل الحي. وإشاعة علاقات المحبة والتفاهم والثقة والتعاون داخل البلد العربي الواحد، يجب أن يسبق الاهتمام بتحسين العلاقات مع الجيران- دون الانتقاص من أهمية ذلك- فحاجتنا لأهلنا وأشقائنا وبعضنا بعضا، أكثر بكثير من حاجتنا للجيران. وعلينا أن نبدأ بأنفسنا أولا.
[email protected]
التعليقات