من بين الظواهر الجديدة التي انتشرت في العراق خلال السنوات الخمس الماضية هي، ظاهرة الاتهامات المتبادلة سواء بين شخصيات عامة أو أحزاب سياسية. وفي واقع الحال العراقي، فأن وجود ظاهرة كهذه، لوحده، لا يثير الاستغراب ولا الدهشة، إذا أخذنا بنظر الاعتبار قصر عمر التجربة السياسية الجديدة،و تعدد المنابر السياسية وتعدد اللاعبين السياسيين، واختلاف رؤاهم، وتباين الأهداف التي يسعون لتحقيقها، واشتداد التنافس بينهم، وضخامة الاستحقاقات المنتظر حدوثها، وتدخل أطراف دولية وإقليمية في الشأن السياسي، ووجود جهة أجنبية (القوات الأميركية) تدير، أو تشارك في إدارة البلاد، يستأسد بظلها البعض ويخشى عقابها البعض الأخر، وكذلك، وهذا عامل مهم جدا، استمرار الفوضى السياسية والإدارية الحكومية، وما ينتج عنها من استخفاف بالقضاء وعدم الخشية من التبعات القانونية.
لكن ظاهرة الاتهامات هذه لم تقف عند حدها quot;الطبيعيquot; والمتوقع، وإنما بدأت تأخذ منحى خطيرا جدا، لأسباب كثيرة، أهمها وأخطرها أن الاتهامات لم تعد تدور على النطاق الشخصي، أي، أنها لم تعد مجرد قضايا تتعلق بالتشهير والقذف، وتشويه سمعة الأفراد وتسقيطهم، إنما طالت الدولة ذاتها، وشرعت تلطخ هيبتها، وهي هيبة ما تزال في طور التكوين.
السبب الثاني هو، أن هذه الاتهامات، وكذلك ردود أفعال من تطالهم، على صعيد الأفراد والمؤسسات، أصبحت، لكثرة ما ترددت، كالبسملة على الشفاه. وهذه بادرة خطرة جدا في بلد يحاول أن ينهض من رماد الشكوك والمخاوف المتبادلة، ويؤسس لدولة القانون. فكثيرا ما سمعنا تصريحات لهذا المسؤول الرسمي أو ذاك، يقول فيها أن السلطات الرسمية ستلاحق المسؤول الفلاني المتهم باختلاس المال العام، والهارب من العراق، وسترفع قضيته أمام الشرطة الدولية (الانتربول) لإحضاره إلى العراق ومحاكمته. لكن، الأيام والأشهر تمر، والحكومة لا تفي بوعدها. ودائما ما سمعنا أن فلان الفلاني من السياسيين سيلاحق زميله علان العلاني، قضائيا، على خلفية اتهامات أطلقها الأول. لكن الأيام تمر وما من شيء يحدث: لا علان العلاني يعتذر، ولا فلان الفلاني يفي بوعده ويلاحقه قضائيا.
إنها فوضى أخلاقية وقانونية وسياسية، في آن واحد. وفي معمعة هذه الفوضى فقدت حتى اللغة دلالاتها ومعانيها الأصلية، بل أضحت تحمل دلالات مضادة تماما للمعنى الأصلي. فعندما يرد على لسان الحكومة بأنها ستلاحق قضائيا المتهمين باختلاس أموال الدولة فأن تصريحها أصبح يعني، عند أكثرية المواطنين، بأنها لم ولن تفعل ذلك قط. وعندما يعلن سياسي ما ويقسم أغلظ الأيمان بأنه سيلاحق قضائيا زميلا كال له الاتهامات، فهذا يعني، عند الأكثرية الساحقة من الناس، بأن هذه الملاحقة لم ولن تحدث، وأن الأمر كله quot;هواء في شبكquot;، وضحك على ذقون الآخرين.
لن نستعرض جميع الاتهامات المتبادلة التي قيلت على امتداد السنوات الماضية، لأننا لن ننتهي. لهذا سنكتفي بذكر أخر ما قيل، وأخطر ما قيل، ونعني هنا الاتهامات التي سيقت ضد جهاز الاستخبارات العراقي، وتلك التي قيلت ضد quot;مؤسسة شهيد المحرابquot; التي يترأسها السيد عمار الحكيم، نجل رئيس الإتلاف العراقي، السيد عبد العزيز الحكيم.
قبل أيام أتهم قياديون في المؤتمر الوطني الذي يترأسه د. أحمد الجلبي، جهاز الاستخبارات العراقي الحالي بمجموعة من الاتهامات، أهمها وأخطرها quot;عدم ارتباط الجهاز بالحكومة، وتلقيه أموال من الخارج.quot; ومن جهته رد جهاز الاستخبارات بأنه سيقاضي مطلقي الاتهامات، واصفا الاتهامات بأنها quot;باطلة ومسيئة لسمعة الجهاز.quot; ورد قياديون في المؤتمر بأنهم quot;سيرحبون برفع دعوى قضائية ضدهمquot; في المحاكم العراقية.
إن المسألة هنا لا تتعلق بقضية فردية، ولا بتصفية حسابات شخصية، حتى لو كانت كذلك. إنها قضية تتعلق بسمعة الدولة العراقية وهيبتها ومكانتها عند الناس. فنحن نعرف، أو نفترض، أو أقله هكذا يجب أن يكون الأمر في العراق وغير العراق، بأن جهاز الاستخبارات، سواء كان أسم رئيسه زيد أو عمر، ليس ملكية شخصية. جهاز الاستخبارات هو عقل الدولة، أي دولة، وذراعها الباطشة والحامية في آن واحد، وهو المؤتمن على أسرار الدولة، والحافظ لها من العبث والانتهاك. والعاملون في الجهاز يتقاضون مرتباتهم من خزينة الدولة، شأنهم شأن أي موظف أخر، مهما كانت منزلته الحكومية. واستنادا لذلك، فأن أي دولة في العالم يتهم جهاز استخباراتها بتلقي أموال من جهات خارجية، أو يتهم بالعمل بعيدا عن أوامرها ووصايتها، وتسكت عن هذه الاتهامات أو تتغاضى عنها، وكأن الأمر لا يعنيها، فأنها لن تكون في عيون مواطنيها، سوى quot;خيال المآتةquot;.
وفي هذه الحال ليس أمام الحكومة العراقية الحالية، حتى تدافع عن شرفها، إلا حل واحد هو، إقامة دعوى قضائية باسمها هي، الحكومة العراقية، ضد حزب المؤتمر الوطني، خصوصا وأن قادة المؤتمر أعلنوا عن quot;ترحيبهمquot; بإقامة الدعوى المنتظرة. ويترك للقضاء العراقي وحده حسم الأمر، وفقا لمرافعات قضائية نزيهة، تضمن لجميع الأطراف توكيل ما شاء لهم من محامين، واستشاريين قانونيين، وتقديم ما يملكون من أدلة وقرائن ثبوتية أو نافية، وتظل جلسات المحاكمة مفتوحة، تغطيها وسائل الإعلام، وتنشر مجرياتها للناس، كي يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فيعاقب من يجرمه القضاء وتبرئ ساحة من لا تثبت عليه التهمة.
زلزال سياسي
القضية الثانية هي تلك الاتهامات التي أوردها السيد مثال الألوسي، النائب في البرلمان العراقي (لا نعرف هل نزعت عنه الحصانة البرلمانية رسميا، أم لا) ورئيس حزب الأمة العراقية، بحق quot;مؤسسة شهيد المحرابquot; التي يترأسها السيد عمار الحكيم، نجل السيد عبد العزيز الحكيم، رئيس كتلة الإتلاف العراقي.
وهذه القضية أخطر ألف مرة من الأولى، لأن الجهات المعنية بهذه التهم كثيرة، منها داخلية وأخرى خارجية. فقد أتهم السيد الألوسي، quot;مؤسسة شهيد المحرابquot;، وبالتالي رئيسها، السيد عمار الحكيم بتلقي أموال طائلة، بل أسطورية، من الحكومة الإيرانية، وكذلك أتهم السفير الإيراني بالتدخل الكبير والسافر في الشأن العراقي، وأتهم نواب عراقيين بأخذ رشاوي من إيران.
ففي تصريح لصحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر في ( 23 أكتوبر 2008 ) ، ذكر الألوسي ما يلي (ونحن ننقل حرفيا ما قاله) :quot;نحن كأعضاء في البرلمان العراقي نعرف جيدا أن هناك أعضاء في مجلس النواب تقاضوا رشاوي من إيران مقابل مواقف مناصرة لإيران. وكنا نراقب عن كثب الجولات المكوكية للسفير الإيراني وزياراته لأعضاء البرلمان العراقي.quot; وقالت الصحيفة أن الألوسي كشف عن quot;قيام شخصية سياسية عراقية تابعة لحزب شيعي، معمم بزيارتنا في مقر حزب الأمة ببغداد وتحدث معنا باسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية ... وأبلغنا بأن السفير الإيراني في بغداد يرغب في زيارتنا... وبعد أيام قليلة قام السفير الإيراني، قمي، بزيارتنا في مقر الحزب ببغداد وتعمدت أن أجتمع به وبحضور قيادات من حزبنا ... وعرض علينا مبلغا من المال ... وقال السفير إن إيران تدعم منظمة صغيرة مثل شهيد المحراب بمليوني دولار شهريا، فكيف الحال مع حزب كبير مثل حزب الأمة.quot;
هذه التهم لا يمكن وصفها إلا بكونها (زلزال) سياسي، حكومي، أخلاقي، وطني، وديني، أيضا. فإذا ثبتت صحة هذه التهم قضائيا (ونحن نكرر ونقول للمرة الألف: إذا ثبتت) فأنها تعني:
* وجود نواب عراقيين خونة، لا ذمة عندهم ولا ضمير، لا يدافعون عن مصالح العراقيين الذين انتخبوهم، وإنما عن مصالح أي جهة تدفع لهم مالا.
* هناك رجال دين (معممون، على حد تعبير الألوسي) يشتغلون بالشأن السياسي، لكنهم يستغلون الدين لأغراض وضيعة، ويعملون (سماسرة) للحكومة الإيرانية، ويغوون العراقيين ويدفعونهم دفعا لارتكاب الخيانة العظمى ضد بلدهم، هكذا علنا وفي وضح النهار.
* إن quot;مؤسسة شهيد المحرابquot; التي يترأسها السيد عمار الحكيم ليست سوى طابور خامس، تعمل وتنشط بأموال إيرانية، وأي أموال؟ أربعة وعشرون مليون دولار في السنة الواحدة.
* إن الاتهامات المذكورة تعني، ضمنيا، بأن الحكومة العراقية الحالية، بشخص رئيسها السيد نوري المالكي، أخر من يحق لها الحديث عن quot;السيادة الوطنيةquot;، وهي تفاوض الأميركيين حاليا حول المعاهدة المزمع توقيعها، ما دام سفير دولة أجنبية أسمها إيران، يصول ويجول في البلاد كيفما يشاء، ويرشي من يشاء، أيضا هكذا وفي وضح النهار، دون أن تقوم بالحكومة باتخاذ أي أجراء لردعه.
هل هناك تفسير أو quot;تخريجquot; أخر لاتهامات السيد الألوسي، غير ما ذكرنا؟ لا نظن. فماذا كان رد quot;مؤسسة شهيد المحرابquot;؟
في اليوم نفسه الذي نشرت فيه صحيفة (الشرق الأوسط ) اتهامات السيد الألوسي، ردت quot;مؤسسة شهيد المحرابquot; ببيان( لم يوقعه رئيسها السيد عمار الحكيم، وخلا من ذكر توقيع أي أسم) وصفت فيه تصريحات الألوسي بأنها quot;مغالطات وافتراءات لا أساس لها من الصحة (و) أكاذيب ملفقة لم تكن تصدر عن شخص شارك في العملية السياسية إلى جانب قوى وطنية كبيرة. إننا نرفض مثل هذه التصريحات اللامسؤولة مؤكدين على توخي الدقة في طرح الآراء والابتعاد عن المزايدات وعن زج مؤسستنا التي تعني بالشأن الثقافي والفكري في العراق في تصفية حسابات سياسية وتمتلك مؤسستنا كامل الحق في متابعة مثل هذه التخرصات من خلال استخدام الوسائل القانونية ومقاضاة مطلقي هذه التصريحات والأقاويل الباطلة.quot;
هل هذا الرد بمستوى بتلك الاتهامات؟
بالتأكيد، لا. السيد الألوسي أورد اتهامات هي بمثابة (زلزال) سياسي وأخلاقي ووطني وديني، و كارثة وطنية، وquot;مؤسسة شهيد المحرابquot; المعنية مباشرة بالاتهامات تتحدث عن ( مغالطات، افتراءات، أكاذيب ملفقة، تصريحات لامسؤولة)، وكأن السيد الألوسي أتهم المؤسسة المذكورة بارتكاب سرقة تيار كهربائي في واحدة من حارات النجف ، أو بيع (فلافل) مغشوشة ، أو كأن السيد الألوسي أخطأ ولم يكن دقيقا تماما في حساب المبالغ التي قال إن إيران تدفعها، فتطالبه المؤسسة بأن quot;يتوخى الدقةquot;.
والأنكى، أن quot;مؤسسة شهيد المحرابquot; تؤكد في بيانها على توخي الدقة في طرح (الآراء).
أي (أراء) هذه؟ الرجل لم يدل بأراء، إنما تحدث عن اتهامات تزلزل أرسخ الرواسي السياسية.
أي (أراء) هذه؟ والألوسي يدعي انه يملك شهودا وأدلة تقود، إذا ثبتت، المتهم بها إلى حبل المشنقة، أو أقله إلى الموت السياسي.
ثم، ماذا تعني quot;مؤسسة شهيد المحرابquot; بقولها، في سعيها لدحض اتهامات السيد الألوسي، بأن (مؤسستنا تعني بالشأن الثقافي والفكري في العراق)؟ وهل قال الألوسي إنها تعني ببيع الباذنجان؟ وهل كون أي مؤسسة تعني بالشأن الثقافي، في أي بلد في العالم، كاف لتحصينها من استلام أموال من جهات خارجية؟ أنسينا أن الاتهامات (نقول جيدا: الاتهامات) بالعمل لصالح المخابرات الأميركية، في حقبة الحرب الباردة، ما كانت توجه إلا ضد مؤسسات ثقافية كالنقطة الرابعة، ومجلة (العاملون في النفط)، ومجلتي (حوار) و (شعر)؟
وبعد ذاك، ماذا يعني قول quot;مؤسسة شهيد المحرابquot; بأنها (تمتلك كامل الحق في متابعة مثل هذه التخرصات من خلال استخدام الوسائل القانونية ومقاضاة مطلقي هذه التصريحات)؟ لا يوجد ألف شخص، في هذه القضية بالذات. يوجد شخص واحد أسمه مثال الألوسي، قدم تهمة واحدة محددة هي، إن الحكومة الإيرانية تدفع مليونين دولار للمؤسسة شهريا. والأسئلة التي تتفرع من هذه التهمة، ويراد لها أجوبة واضحة، حاسمة، قاطعة، ومحددة هي:
هل هذه التهمة صحيحة أم باطلة؟ هل استلمت المؤسسة هذه المبالغ أم لم تستلمها؟ هل نطق السفير الإيراني بهذا القول أمام رئيس حزب الأمة وأمام قياديين في الحزب كما يقول السيد الألوسي، أم لم ينطق؟ هل ما أورده الألوسي إدعاءات، أو حقائق؟
وعندما تكون الاتهامات بهذه النوعية، وبهذه الخطورة، فلا يرد عليها بالقول (نمتلك كامل الحق في المتابعة). هذه التهم يجب أن يرد عليها بمؤتمر صحفي يعقده بطريقة فورية، رئيس quot;مؤسسة شهيد المحرابquot;، السيد عمار الحكيم، وليس أي شخص أخر، يؤكد خلاله على مسألتين اثنتين، لا ثالثة لهما. إما ينفي أو يؤكد ما قاله الألوسي، ولكن بطريقة حازمة وقاطعة وحاسمة. وفي حال النفي، فأن على السيد عمار الحكيم أن يصر إصرارا لا رجعة عنه أبدا، على مقاضاة الألوسي أمام القضاء العراقي.
هذه هي الطريقة الوحيدة للرد. إما أن يقال بأن السيد عمار الحكيم أرفع من أن يرد بنفسه على اتهامات كهذه، فأن جوابا كهذا يزيد الشكوك ولا يلغيها.
الاتهامات أطلقها سياسي شارك في العملية السياسية
هناك أبعاد أخرى تنطوي عليها هذه القضية، وتضفي عليها أهمية قصوى وخطورة مضاعفة، لها علاقة بشخصيتي السيد مثال الألوسي والسيد عمار الحكيم. فقد وردت في رد quot;مؤسسة شهيد المحرابquot; فقرة توحي للقاريء بأن المؤسسة تستغرب أن ترد هذه الاتهامات على لسان السيد الألوسي، بالذات: ( لم تكن تصدر عن شخص شارك في العملية السياسية إلى جانب قوى وطنية كبيرة.) ولعل المؤسسة أرادت أن تقول، من خلال هذه الفقرة، أن السيد الألوسي يتمتع بمصداقية في عين quot;مؤسسة شهيد المحرابquot; لأنه ،مثلها، يعتبر quot;داخلquot; العملية السياسية الجارية وليس quot;خارجهاquot;، أي أن الألوسي ليس في صف القوى السياسية التي وقفت وما تزال تقف ضد التغيرات الجارية في العراق، وظلت تطلق الاتهامات الكيدية والعشوائية ضد كل من شارك في العملية السياسية.
وإذا كان هذا هو ما تريد المؤسسة قوله، فهذا أمر صحيح. فالسيد مثال الألوسي شارك في العملية السياسية منذ الأيام الأولى، ودفع لقاء مواقفه ثمنا باهظا جدا، إذ فجع بنجليه وهما في عز الشباب. وعلى حد علمنا، فأن السيد الألوسي ظل يحتفظ بعلاقات جيدة مع أطراف الإتلاف العراقي الذي ينتمي إليه السيد عمار الحكيم، ويحظى باحترام جميع الأطراف. والدليل على ذلك هو أن الحكومة العراقية عهدت للسيد الألوسي، وليس لشخص آخر، رئاسة اللجنة التي شكلتها في أكتوبر عام 2007 للتحقيق في أعمال العنف التي اندلعت في مدينة كربلاء بين الصدريين والبدريين. وهذا يعني أن السيد مثال الألوسي يحظى باحترام حكومة السيد المالكي، والتيار الصدري والمجلس الإسلامي الأعلى الذي ينتمي إليه رئيس quot;مؤسسة شهيد المحرابquot;.
وهنا لا مفر من طرح أسئلة محددة هي: لماذا يطلق السيد الألوسي، الآن، اتهامات ضد جهة سياسية quot;مؤسسة شهيد المحرابquot;، بينه وبينها احترام متبادل وثقة متبادلة؟ وما هي مصلحة الألوسي في إطلاق هذه الاتهامات؟ ثم، ما دام الألوسي قد (شارك في العملية السياسية إلى جانب قوى وطنية كبيرة)، وما دامت هذه (القوى الوطنية الكبيرة) قد اختارته لحل خلافات دموية بينها، فهذا يعني أن الألوسي شخص يتمتع بمصداقية، أقله عند هذه القوى نفسها، وبالتالي فأن أقواله يفترض أن تأخذ على محمل الجد.
الشق، أو البعد الآخر في هذه القضية هو، شخصية رئيس quot;مؤسسة شهيد المحرابquot;، السيد عمار الحكيم، المعني شخصيا باتهامات السيد مثال الألوسي. فالسيد عمار الحكيم، كما نعرف جميعا، ليس نكرة. فهو نجل السيد عبد العزيز الحكيم رئيس اكبر كتلة سياسية في البلاد. والسيد عمار الحكيم يهيأ نفسه للمستقبل. فهو مرشح لاحتلال موقع والده. بالإضافة لذلك، فان السيد عمار الحكيم يتصرف الآن، داخليا وخارجيا، كقائد سياسي، بل وحكومي رسمي، أيضا، من الصف الأول، حتى أن البعض يعتبرونه quot;رئيس ورزاء ظلquot;، خصوصا بعد الزيارات التي قام بها مؤخرا لبعض الدول، وباستقبال بروتوكولي يكاد أن يكون شبيها لرؤساء الدول والحكومات. وعندما توجه لرجل بهذه المنزلة وبهذه الخطورة وبهذه الحظوظ المستقبلية في قيادة البلاد، تهمة استلام أموال من دولة أجنبية فأن الأمر خطير، وخطير جدا.
ثم، لا ننسى أن السيد عمار الحكيم هو الأكثر حماسة من بين جميع ساسة العراق لإقامة إقليم جنوب بغداد، الذي سيكون هو رئيسه، بالتأكيد. أليس من حق العراقيين أن يتساءلوا، إذا صحت تهم الألوسي، كيف سيكون، يا ترى، دور الحكومة الإيرانية في ترتيب أوضاع الإقليم الذي يدعو السيد عمار لإقامته، ورئيسه المفترض يعتمد في تمويل نشاطه السياسي على الأموال الإيرانية؟
وأخيرا،بل قل في المقام الأول، يأتي دور الدولة العراقية، أو الحكومة العراقية الحالية، وبالذات رئيسها السيد نوري المالكي.
ما هو موقف السيد نوري المالكي، وهو رئيس الحكومة المنتخب للدفاع عن مصالح مواطنيه وبلاده، والقائد الأعلى للقوات المسلحة (فيما يخص التهم ضد جهاز الاستخبارات)، والمنتمي لحزب هو طرف من أطراف الإتلاف (فيما يخص التهم ضد السيد عمار الحكيم عضو الإتلاف) إزاء هذه التهم، أو بالأحرى هذه القنابل السياسية التي تتطاير شظاياها أمامه، أو هذه الحرائق السياسية التي تلتهم البلاد؟
هل من المنطق والصواب أن يظل السيد رئيس الحكومة العراقية quot;متفرجاquot; على قضايا تتعلق بهيبته الشخصية وبهيبة الحكومة التي يترأسها، قبل أن تتعلق بمستقبل البلاد؟
أليس من حق العراقيين أن يعرفوا أين تكمن quot;الحقيقةquot;؟ ولمن يلجأ العراقيون في معرفة ما يدور حولهم وداخل بلادهم، إذا كانت الحكومة نفسها لا تبالي؟
نعم، من حق العراقيين أن يعرفوا، اليوم وليس غدا: هل استلم جهاز الاستخبارات، التي تدفع مرتبات أفراده من قوت العراقيين، تمويلا خارجيا، أم لم يستلم، وهل تصرف الجهاز بعيدا عن أوامر الجهات الحكومية الرسمية، أم لم يتصرف؟
هل استلمت quot;مؤسسة شهيد المحرابquot;، التي يترأسها السيد عمار الحكيم، أموالا من إيران، أم لم تستلم؟
هل يوجد سياسيون (معممون) يعملون سماسرة لإيران، أم لا، وفي حال وجودهم، فمن هم؟
هل استلم نواب عراقيون رشاوي من إيران، أو لم يستلموا؟
هل أن المؤتمر الوطني، والسيد مثال الألوسي، صادقان في اتهاماتهما، أم لا؟
إن أسئلة خطيرة كهذه ليس من حقنا، وليس من حق الحكومة، وليس من حق كائن من كان، أن يجيب عليها. وهذه الأسئلة لا يجاب عليها بquot;بالرفس بالأقدامquot;، ولا باللكمات المتبادلة، ويجب أن لا تحل على طريقة quot;تبويس اللحىquot;. القضاء، والقضاء وحده هو الفيصل. لكن شرط أن تكون المرافعات القضائية، كما قلنا توا، نزيهة تماما، وفي غاية الشفافية، وعلنية، وأن يكون صون المصالح العليا للبلاد هو الهدف الأسمى، وهو الغاية الكبرى، وحتى لا يستمر اختلاط الحابل بالنابل، فتداس مصالح العراقيين في معارك سياسية شخصية أو حزبية، ليس لهم بها ناقة ولا جمل.
التعليقات