quot;إذا لم نُقِم السلام في دخيلة نَفسنَا فلن يكون هناك سلام في العالم quot; تندزن كياتسو (دالاي لاما)
من طوق الهمالايا الجبلية من بلاد يُطلق عليها الكثيرون سقف العالم التي استقطبت عبر التاريخ سلالة الأرباب الروحيون للتيبت التي تُدين بالديانة البوذية انبعث الدالاي لاما الرابع عشر كمُطَالبٍ سِلميٍّ بحقوق مشروعة لشعب استولت الصين على ارضه منذ ما يقارب الستة عقود .
وقد قدّم الدالاي لاما خلال سنوات طوال العديد من خطط للسلام في التيبت تحترم حقوق الانسان وتحمي اليبيئة الطبيعية، وقد جوبهت بالرفض الصيني دومًا، على طريقة سائر الدول quot;العظمىquot;؛ حيث أن quot;عنجهيةquot; امبرطورية عظيمة كالصين منعت من تقبل quot;انفصالquot; أرض عنها سيطرت عليها منذ عام 1951.
وبالرغم من ان الدالاي لاما يقيم في منفاه في الهند بمنطقة دهار مسلا في شمال الهند حيث حكومته المنفية وهي منطقة بعيدة عن نيودلهي، تتطلب من المرء ان يقطع البنجاب كله من اجل الوصول اليها، وهو الذي طالب بداية باستقلال التيبت، فإن حكمة روحه دفعت به الى حلٍّ عملّي سياسي يُبعد شبح الحروب والعنف من جهة ويحفظ للصين quot;جبروتها وعنجهيتها quot; فقد تخلى عن المطالبة بالاستقلال واختار حلا سلميًّا وطريقا وسطquot; يقضي بالمطالبة quot;بحكم ذاتي وثقافيquot;.
وهو الذي اختار اللاعنف وquot;غانديّة الممانعة quot; طريقًا له وفلسفةquot; أهمساquot; (اي كفّ الأذى quot; في مسيرة الروح، وهو الذي يرى ان قيمة الحقائق في المجتمعات الانسانية عندما تكون محور العمل السياسي هي في تحقيق السلام وان ما نشهده اليوم من حروب سببه تنافس بين قوة الروح وقوّة المادّة، وهو المؤمن دوما ان الحقيقة خالدة وان لعبت وسائل الاعلام دورًا سلبيًا في تشويهها من خلال الدعايّات المنظمة.
إنَّ المُتابع للاحداث في كافّة مناطق النزاع في العالم يجد ان quot;الدول الكبرىquot; عادة ما تمارس quot;فوقية وعنفًا quot; بحق الضعفاء، وتجيز لنفسها إحراق الأخضر واليابس، فمن أجل مصانعها لا تتورع عن تلويث البيئة، ومن أجل نفوذها السياسي تجيز لنفسها ممارسة العنف ضد البشر وما العراق وفلسطين عنا ببعيد.
إذن quot;جبروت quot; إدارات الحروب يمنع من تقبل quot;السلامquot; القائم على احترام الانسان وحقوقه، والرفق بالمخلوقات الأخرى واحترام البيئة الطبيعية، لانه ببساطة يدّمر لها مشاريعها الاقتصادية والعسكرية القائمة على quot;المادةquot; .
استقلال التيبيت بين المآرب الدولية والحقوق المشروعة
أسئلة كثيرة تطرح نفسها، كون الصين دولة مناوئة للولايات المتحدة، فهل الدلاي لاما يمثل المآرب الاميركية في مناوئة الصين؟؟ وهل الاتحاد الاوروبي سيتخلى عن مواقفه في التيبت لأجل إرضاء الصين ووقفها الى جانبة في الأزمة الإقتصادية؟؟
بطبيعة الحال فإن الولايات المتحدة لها مصلحة في إضعاف الصين ولا أحد ينكر ذلك، غير أن فلسفة العمل السياسي التي ينبني عليها عمل الدلاي لاما القائمة على اللاعنف وكونية الروح الانسانية وحماية البيئة، تتنافى جملةً و تفصِيلا مع عمل quot;الادارة الاميركية quot; الدّاعمة للنزاعات والحروب في العالم والتي ألغت quot;الروح من قاموسهاquot; وتعاملت مع المادة بشكلٍ مفرط لدرجة أوقعتها في انهيارٍ اقتصادي مدمر!
وبرغم من مرور ما يزيد عن عشرين عامًا على إطلاق الدالاي لاما لخطة السلام التي عُرفَت بالخطة الخُماسية التي اطلقت في نوفمبر تشرين الثاني 1987 في ستراسبورغ في اوروبا واعقب ذلك اعمال عنف دامٍ في الاقليم، فإن الصين عادت اليوم كما بالامس، الى السلوك الرافض دومًا بالرغم من خفض سقف المطالب التيبتية حيث ألغت اجتماع قمة مع الاتحاد الاوروبي التي كانت مقررة مطلع الشهر للبحث في الازمة الاقتصادية العالمية بعد ان أغضبها خطط زيارة الدلاي لاما لاوروبا.
وبطبيعة الحال فإن للاتحاد الاوروبي مصالح اقتصادية مع الصين ndash;لاسيما الآن ndash; ولا يريد اغضابها، وهو إذ عبَّر عن أسفه إزاء قرار بكين غير انّه تعهد بمواصلة تشجيع الشراكة الاستراتيجية quot;في وقت يحتاج فيه الموقف الاقتصادي والمالي العالمي الى تعاون وثيق بين اوروبا والصين.quot;
وكانت الخارجية الصينية قد حذرت في وقت الشهر الفائت الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي من ان الاتحاد يغامر بخسارة مكاسب quot;حصل عليها بصعوبةquot; في العلاقات مع بكين اذا اجتمع مع الدلاي لاما.
ماذا بعد فشل العمل السلمي؟
لا شكّ في ان التيبتيين اليوم يواجهون خطرا متزايدا و كبيرا في غياب استراتيجية وهو ما اكده الدالاي لاما بعد ان فقد ثقته في السلطات الصينية بعد فشل سنوات من المفاوضات مع بكين.
فهل ستقرأ الصين هذه المرّة بجدية تصريحات رئيس البرلمان التيبتي في المنفى كارما شوفيل الاخيرة ًّ الذي أكد على ان quot;الاغلبية اعلنت تأييدها لمواصلة سياسة الطرق الوسط لتسوية مع بكين حول وضع المنطقة الصينية التي تتمتع بحكم ذاتي محدودquot;؟
وهل سيحافظ التيبيتيون على مسيرتهم السلمية التي دفعوا ثمنها باهظًا في مسيرة كفاحهم؟؟ وهل ستستطيع الصين جرّ التبيت الى quot;عسكرة ممانعتها quot; وتحولها الى العنف المقاومة المسلّحة؟ وهل سيثق التيبتيون مرّة أخرى بالمبادئ الاخلاقية quot;الصينية quot;؟
نعم او لا، لا ندري، ولكن ربما تنبه quot;الزعيم الروحيquot; الى ذلك حينما قال quot;اذا لم نكن متنبهين في تحركاتنا واستراتيجيتنا في السنوات العشرين المقبلة فستكون المجموعة التيبتية في خطر كبيرquot;.!
نأمل كأفراد نؤمن بكونية الانسان ومن دعاة اللاعنف التام مهما كانت اسبابه ودواعيه في أن ينجح quot;السلام quot; في التبيت وان ينجح اختبار الحقيقة الروحية في ارساء الوعي السياسي، وربما يكون لنا في ذلك أسوة حسنة في ايقاف العنف الدامي في منطقتنا، وما ذلك على الله بعزيز!
[email protected]
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com