مفردات السعادة في هذا الزمن الذي نعيش كثيرة، وتقترب في بعضها وتبتعد عن مخيلتنا وأفكارنا مع واقع الحياة الحالية والهيجان الذي يلفّها في كل اتجاه. ويظل للسعادة وجهها وتطلعاتها ومفرزاتها في مختلف الأماكن.. وبرأيي الشخصي، في حال حاولنا اﻻمتثال للواقع وحفرنا يمكن أن ننهل بعض ما نبحث عن أنواعها ومفرداتها المتعددة، وبحب جارف، حينها يمكن أن نعرف أين يمكن أن تَصبّ، وفي أي اتجاه. ويمكن أن نأخذ عليها هذه المحاور التي يمكن لها أن تُهيئ لها أبواباً وطرقاً مغلقة..
فإلى كل من يبحث عن السعادة بعناوينها، سيجدها بلا شك في مخدعه تحتضن فراشه لو أراد ذلك، وقد تكون في مفارق شتى. في التسوّق، في حمل طفل صغير، في مزاولة هواية التصوير، في رحلةٍ نهرية لاصطياد الأسماك، في قراءة قصّة أو مقالة أو رواية للأديب الراحل الطبيب عبد السلام العجيلي، التي وصلت إلى أربعة وأربعين إصداراً مختلفة الطيف، أو مراجعة ما كتبه الكاتب المصري المعروف جلال أمين، وما أدلى به من حوارات تلفزيونية تركت بصمة دامغة في الفكر والوجدان العربي، وكذلك ما كتبه الأديب المغفور له نجيب محفوظ، فضلاً عمّا تناوله الناقد المخضرم رجاء النقّاش، رحمه الله.. والحال بالنسبة إلى الكاتب الروائي علاء الأسواني، وما يمتعنا به الكاتب والصحافي اللبناني الكبير سمير عطا الله، والكاتب المصري الأشهر جميل مطر من مقالات رائعة في الفكر والسياسة والاجتماع، وما يتحفنا به الصحافي غسان شربل صباح كل يوم اثنين في عموده الأسبوعي في الشرق الأوسط.
وقد تجدُ سعادتك في تصفّح الإنترنت، وفي التعليق على ما سبق أن قمت به من نشر (بوستات) مقتضبة تُعالج قضية ما، أو في زيارة مطعم متواضع يقدم وجباتك المفضلة.
إقرأ أيضاً: هل من صحوة ضمير؟
وقد تجدها في ممارسة لعبة كرة القدم أو في غيرها من الألعاب الرياضية فردية كانت أم جماعية، أو في متابعة مباريات الدوريات الكبرى للكرة. وقد تكون السعادة متوافرة في التنزّه إلى إحدى الغابات، وفي حوار جانبي مع زوجة غمرتها الفرحة باصطحاب زوجها إلى مكان خلي بعيداً عن أعين الناس يعلوه الصفاء بالراحة، وقد تتجسد السعادة في تناول وجبة طعام بعينها، أو أنّها تكمن في تدخين النرجيلة أو في احتساء القهوة إلى جانب متابعة مسلسل تلفزيوني مثال: "الراية البيضاء"، للممثلين جميل راتب، وسناء جميل، أو متابعة المسلسل السوري الكوميدي "ضيعة ضايعة"، للمخرج الليث حجو ومن تأليف الدكتور ممدوح حمادة، وأبدع فيه كل من النجمين باسم ياخور والمرحوم الفنان نضال سيجري، أضف الى بقية أسرة المسلسل التي أمتعت بحق المشاهد العربي في كل مكان بالرغم من تكراره الذي لم يشكل أي عنوان للملل... والحال كذلك بالنسبة لمسلسل "الخربة"، وما تركه من فن حقيقي وابداع أمتع المشاهد العربي في كل مكان، أو مشاهدة فيلم مثير للمتابعة من أفلام الفنان المبدع عادل إمام أو محمود ياسين، أو الممثل الأنيق كمال الشناوي، وغيرهم من الفنان المبدعين.. وما تتحفنا به منصة Netflix في معرض أفلامها وبرامجها.
إقرأ أيضاً: الغزو الثقافي لعقول أطفالنا
وقد تكون السعادة مرسومة في جولة سياحية مع أسرتك في زيارة مدينة أو موقع أثري هرباً من انشغالاتك ويومياتك التي تكرر ذاتها مع مستجدات الحياة اليومية ومتطلباتها، وفي جلسة متواضعة في مطعم يفتقر لأبسط الخدمات، وفي تناول وجبة سريعة وأنت تسير في شارع في وسط زحام تسد رمقك، وفي ارتداء ملابس جديدة، أو في لقاء متجدد مع صديق نبيل، تعرفت عليه في زحمة انشغالاتك وهواجسك التي لا تتوقف عن الهذيان، مع فقدك الأصدقاء القدامى.
وقد تكون السعادة مرسومة مع فريق عمل جمعته بهجة الفرح مع عدد من المهجّرين الذين سبق أن وصلوا إلى دول "النعيم"، وألزموا في تعلّم مناهج اللغة المكثفة بهدف الاندماج والتكيّف مع العالم الجديد، وقد تكون السعادة في إطالة اللحى، موضة العصر، وغيرها كثير.
إقرأ أيضاً: لغة العيون
وتظل السعادة بالنسبة إلى آخرين في العودة إلى أرض الوطن، والتغنّي بأمجاده على الرغم من الحال الذي حلّ به، وتناهبته يد الغدر والمعتوهين الطغاة الذين حوّلوا سعادة أهلنا هناك إلى ألوان من الحزن والأسى.
فالسعادة ميزانها العدل، والصدق سيّدها. ومنكم نتعلّم الكثير من الدروس والعبر من ملفات الحياة وزخمها. مدرسة الحياة التي نحب.
التعليقات