بعد غربة 12 عامًا عاد المذيع، ناظم الفالح، إلى بغداد ليستذكر الأيَّام الخوالي، ويتحسر على الزمن السابق وما آلت إليه الأمور في الوقت الحالي.


بغداد: عاد إلى بغداد أخيرًا المخرج الإذاعي المعروف، ناظم فالح، بعد غربة لأكثر من 12 عامًا، وهو الذي اشتهر بالعديد من البرامج في اذاعة بغداد على مدى ربع قرن، واحتضنه زملاؤه الاذاعيون واصدقاؤه للاحتفاء به في ملتقى الاذاعيين والتلفزيونيين واستذكروا معًا تلك الايام الخوالي، فيما كانت الدموع تتسابق ازاء كل عناق يؤججه الحنين والمحبة القديمة الباقية في الاعماق.

وأكد ناظم فالح انه اشتهر مخرجًا اذاعيًا اكثر من كونه ممثلاًقدم العديد من المسرحيات وشارك في العديد من المسلسلات، مشيرًا الى أنه عشق الاذاعة كثيرًا وكان يمضي فيها وقتًا طويلاً، وقال انه تعلم من اساتذة كبار الكثير وهو فضل لا ينساه لهم.

منذ متى غادرت العراق ولماذا ؟
غادرت العراق في العام 2000، واسباب مغادرتي هي الظروف القاسية والقاهرة التي مررت بها، انا دخلت سجن الرضوانية لمدة شهر، فقررت ان لا ابقى هنا، وكان هذا قراري، خسرت الكثير، حياتي واهلي وعائلتي التي تأذت من بعدي.

كيف كانت بدايتك مع الاذاعة ؟
بدايتي كانت عام 1974، كان عمري حينها 14 عامًا، انتميت الى فرقة اذاعة بغداد في قسم برامج الاطفال، وقبلها كانت لي نشاطات وهوايات في المدارس وكانت مصادفة ان اعمل في فرقة مسرحية اسمها quot;الدربونةquot; للدكتور سعدي يونس بحري، وهي من نوع مسرح الشارع، وقدمناه في كل المحافظات، فجئنا مصادفة لنصوره للتلفزيون فألتقيت بأحد الممثلين اسمه مؤيد يوسف، فقلت له كيف اعمل معكم فقال ليختبرونك اليوم وسنرى، كان انذاك الاستاذ المخرج طالب السعد، وعمو زكي، ومجموعة من العمالقة مثل نجم عبد الله، وحسين قدوري، قد اختبروني ونجحت، كان اول دخول لي عام 1974 في برامج الاطفال، فواصلت مع العمل في الاذاعة التي احببتها على الرغم من ان تعلقي كان بالمسرح، وبدأت مع المسرح، ثم انتميت الى معهد الفنون الجميلة وقدمت اعمالاً كثيرة من خلال وجودي كطالب وكان عندي نشاطًا متميزًا في المعهد ولكن تواصلت مع الاذاعة وعملت مع كل المخرجين من دون استثناء، ابتداء من وليد الدرة، وليث عبد اللطيف، ومقداد عبد الرضا، وجنان عبد الحميد، وخولة رجب، ومنى البصري ، ولكنني كنت في برامج الاطفال واعمل من الصباح الى الليل وفي بعض الاحيان ابات في الاذاعة، فتعلقت بالاذاعة الى ان جاءت فرصة العمل مصادفة ايضًا، اذ غاب عن العمل في ذات يوم المخرج خطاب عمر، وكنت احينها احمل اشرطة مع المخرجين فقط، اساعدهم ولكن ليس لديهم فرصة عمل لي، حدث ظرف غياب خطاب فكلفني ليث عبد اللطيف ان اشتغل الفترة الصباحية، استغربت ذلك لان الفترة الصباحية لمدة ساعتين، وهذا ليس سهلاً، فتوفقت في هذه الخطوة فقالوا لي: quot;ابق لتشتغل الفترة الصباحيةquot;، والحمد لله تواصلت.

كيف تنظر الى الاذاعة التي اخذتك من التمثيل ؟
من وجهة نظري ان الاذاعة انسان فاقد للذاكرة، فالانسان الفاقد للذاكرة لا يتذكر شيئًا، ونحن في الاذاعة اشتغلنا كثيرًا ولا يمكن الآن ان أتذكر مقدمة البرامج التي عملتهااو البرنامج الذي قدمته، على عكس اعمال المسرح والتلفزيون والصحافة، الا ان الاذاعة لا تتوثق، شريط يمسح في لحظة، واحاديث تذهب مع الهواء، ولكن حبي للاذاعة جعلني اتواصل فصارت جزء من عائلتي، كنت اسكن فيها .

ما هو البرنامج الذي شعرت انه حقق لك الشهرة ؟
توفقت في برنامج اسمه quot;نادي الاذاعةquot; واعتقد انه حقق شهرة كبيرة، قدمناه بطريقة مختلفة، وتوالت البرامج، الناس كانت تسمع اذاعة وقناة 7 وقناة 9، ليس لدينا غير ذلك، ولكننا استطعنا ان نكسب المستمع بطرق جديدة نبتكرها، فكنا مثلاً نقدم الاغاني في البرامج وقد استحسنها الناس ونجحنا فيها.

ما اهم البرامج التي اخرجتها ؟
نادي الاذاعة، صباح الخير يا عراق، عراقنا الرياضي، دقيقة ونص مع عبد الحكيم زعلان، برنامج شعر شعبي يقدم كسهرة كانت تقدمه المرحومة لمى سعيد، وضرغام فاضل، وسعاد السامر، ايامكم سعيدة مع المخرج فائز جواد، ومساء الخير مساء الهنا مع المخرج فائز جواد، وعلاء محسن، ومحمد المسعودي، ورياض عبد الامير، اشتغلت مع الكل من السيدات والسادة ومع اغلب المذيعين والمذيعات، وفي مجال المسرح تواصلت وقدمت بعض الاعمال وأهمها quot;حممquot; مع المخرج المرحوم حنين مانع قبل ان اغادر العراق بستة اشهر، وفي التلفزيون اشتغلت عدة اعمال منها quot;مناوي باشاquot; مع فارس طعمة التميمي وquot;السيابquot; الذي لم يعرض الى حد الآن.

من هم الذين تعلمت منهم وما زلت تحمل جميلهم لك ؟
تعلمت من الاستاذ بهنام ميخائيل ليرحمه الله، تعلمنا الادب بالفن، ان نحترم، ان نأتي بالموعد، ان نعرف كيف نتكلم من دون ان يكون صوتنا عاليًا، كيف نعتذر من السبورة اذا ما كتبنا عليها بقوة ويجعلنا نعتذر لها، تعلمنا من الاستاذ الكبير قاسم محمد الالقاء والتمثيل والاخراج، وهذان الكبيران اعرج عليهما دائمًا مع اعتزازي بكل الاساتذة، خالد سعيد وعبدالله جواد، لكن بهنام وقاسم غرسا بي حبًا غريبًا انعكس على عائلتي وبيتي ودراستي وعلى كل شيء، ليث عبد اللطيف الرائع جدًا الذي منحنا فرصة العمل وقتها وكان رئيس قسم المنوعات ويشرف على كل المخرجين، وهناك خولة رجب المخرجة الكبيرة التي كانت تخرج برنامج quot;من الذاكرةquot; للاستاذ الراحل سعاد الهرمزي، وجنان عبد الحميد، ومقداد عبد الرضا، وخطاب عمر، ومظفر سلمان، وحلمي نوري، ومحمد صكر، واسماء كثيرة جدًا.

ما الذكرى الجميلة التي لا تفارقك ؟
في يوم من الايام، سمعت ان الاستاذ وليد الدرة لديه لقاء مع الشاعر العظيم الجواهري، فتوسلت به ان احمل الاشرطة، لكي اشاهد الجواهري فقط، فحملت جهاز يسمى quot;النكرةquot; وكنت اريد فقط ان ادخل وأرى الجواهري، واذهلني ما رأيت عليه، وجدته احد الالهة، فارتجفت لمرآه، انا اقول انه لولا حبي للفن لكان الامر بالنسبة لي عاديًا، وقد كان الجواهري يمثل شيئًا كبيرًا لشاب صغير مثلي.

هل تجد ثمة حد فاصل بين الجيل السابق والحالي ؟
ليس حدًا فاصلاً واحدًا بين ذلك الوقت وهذا الوقت، بل حدود فاصلة، هذا هو الواقع، الآن كل شيء اختلف ولا توجد معايير للاشياء، وانا في الغربة كنت اسمع احدى الاذاعات المهمة، كدت ابكي على ما كان عليه المذيع في السابق حيث كان المذيع يدخل اختبارات ويبقى لمدة طويلة الى ان يقدم ليس موجزًا الانباء بل اقل منه، الجيل السابق ليس مثل جيل اليوم، كانت هناك مواصفات للمخرج للمقدم وللمذيع، انا لا ابخس حق الآخرين، فالكل تعلم، ولكنني عندما اسمع الاذاعات الان احسها برنامجًا واحدًا، كل الاذاعات برنامج واحد، نسخة واحدة ومستنسخة عند كل الاذاعات، واذا ما اردنا ان نقدم شيئًا مغايرًا الآن علينا ان نوازن بين الاشياء وفق معايير لها علاقة بالاحترام والادب والسلوك الذي تعلمته من اساتذتي وتجربتي، وربما أرفض من قبل كل الاذاعات الحالية.

كيف ترى تجربتك الطويلة مع الاذاعة ؟
كانت تجربة حلوة على الرغم من كل معاناتها ومرارتها.