بقيت مساحة الحنان والإحساس فارغة عندما غاب فضل شاكر عن جمهوره وفنه في سنوات اعتزاله، فيما انقسمت الآراء اليوم بشدة&بين مؤيدٍ لعودته يبرر أخطائه، ورافضٍ لتوبته يهاجمه بعنصرية أكبر من عنصرية مواقف "شاكر" في سنوات الضياع.
بيروت: شاء القدر، لا بل شاء فضل شاكر أن يتلوث اسمه ببشاعة السياسة وتتلون سيرته الذاتية بأزقة المحاور وتطغى على رقة حضوره بالأمس البعيد الذكريات الدموية بالأمس القريب، وها هو اليوم يحاول جاهداً أن يمسحها من ذاكرة اللبنانيين الحاضرة الناقمة على أدائه المتهور لسنواتٍ خلت.
والبحث هنا يدور في فلك تساؤلاتٍ عدة: فضل شاكر ضحية أم لا، غُرِّر به أم لا، أُجبِرَ على ما قام به أم إختار ذاك الطريق الوعر بنفسه، وكل هذا يؤدي لإجابةٍ واحدة وهي أن فضل شاكر كان ضحية نفسه حين ضحى بفنه، ليصبح اليوم ضحية المزايدات بين مؤيدٍ ومعترض لعودته بعد اعتزاله.
"إيلاف"&تناولت هذه الجدلية&باستفتاءٍ طرحته على الرأي العام المتابع، بعنوان: هل يمكن ان تتقبل عودة فضل شاكر للساحة الفنية بعد كل ما حدث؟ فجاءت النتيجة حتى الساعة 45%نعم، في مقابل 55% لا. وهذه الحصيلة تدفعنا لنقول أن المتابع العربي واللبناني لموقع "إيلاف" قد انقسم برأيه بين مؤيدٍ ومعارض لعودته إلى الساحة الفنية بنسبة متقاربة إلى حدٍ ما. فعدد المعترضين والرافضين لعودته فاق نسبة المؤيدين بنسبة 10% فقط. وهذه النتيجة في التصويت تقودنا بطبيعة الحال لواقع انقسام الشارع العربي واللبناني في معسكراته السياسية وربما الطائفية والمذهبية إضافةً لحساباتٍ أخرى. ولا شك أن للحملات التلفزيونية المبرمجة والمناهضة لعودة شاكر تأثيرها في ظل ندرة الحملات والبرامج المؤيدة لعودته عدا المقابلة التوضيحية التي عُرِضَت لشاكر على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال.
وعليه، لا يختلف إثنان حول أخطاء "شاكر"&الجسيمة، والدفاع عن أن أخطائه بلا شك خطيئة، فما فعله&في فترة الجموح والجنوح غير مبرر ولا يجوز تبريره. نعم،&لقد ارتكب أخطاءً جسيمة بحق نفسه وفنه ووطنه وجيشه وبحق كل مواطن نبيل، لكن، إن تحدثنا في القانون "الطبيعي"، فالحق يقول أنه اعترف بأخطائه، وإن كان الله يقبل التائبين فبأي سلطة&سيرفض البشر توبته؟! لسنا هنا بصدد البحث بقيمته الفنية التي لا جدل حولها، ولا نريد مقاربة الموضوع عسكرياً أو سياسياً في غير مجال بحثنا، فبيت القصيد هو "التوبة" لفنان لم يرحل بفنه الذي بقي محبوه يستمعون إليه بحسرة، بل رحل هو عن فنه وقد اشتاق له.
من جهة الواقعية والمنطق السليم، لا شك أن القانون "الوضعي" يجب أن يأخذ مجراه، ولن يطالب أي عاقلٍ بتسوية لعودته دون حساب، لكن الإستهجان في حالة المعترضين على عودته يكمن في أنهم يكررون أخطائه بعنصرية ضده، وينصِّبون أنفسهم قضاةً على الرأي العام بحجة الدفاع عن الوطن والاستبسال في حماية جيشه! فبعضهم يهاجم فضل بأقبح من العبارات التي استخدمها في فترة تهوره، وبعضهم يهاجمه بعنصرية أكبر من عنصرية &فضل في فترة ضياعه، وبعضهم يختبئ خلف إصبعه بغيرة فنية قاتلة تدفعه لشن أبشع الهجمات ضد نجمٍ عربي بقيت مساحة الإحساس فارغة في فترة غيابه!
لسنا بصدد تحليلٍ سياسي، ولكن من حق الناس أن تسأل: من المسؤول عن انجراف فضل إلى أزقة تلك المواجهات؟ وهل كانت المواجهة في عبرا مع الجيش اللبناني وحده؟ ثم أين كان الغيارى على الجيش حين اغتيل الشهيد وسام حنا وغيره؟! لقد أخطأ فضل بألفاظه وبأدائه خاصةً بالعبارات المقززة التي استخدمها بوصف شهداء الجيش، لكن المقزز أكثر هو التغاضي عن أخطاء العصابات التي حملت ولا زالت تحمل السلاح علنا وتقتحم البيوت- إنما تحت "اللثام"! وعلى مايبدو فأن خطأ شاكر الأكبر هو المجاهرة بخياره وألفاظه وأفعاله في حين يمارس كثيرون القتل والتنكيل والخيانة الوطنية خلسةً دون حساب!
سؤال آخر يطرح نفسه: هل أخطأ فضل شاكر بحق الجيش والوطن أكثر مما أخطأ بعض رجال السياسة بحق الوطن وجيشه؟ وهل تجوز الحصانة على أشكالها لحكامٍ لا زالوا يتحكمون بمصير الوطن ويعبثون به ويحاربون اقتصاده وأبنائه بأدواتٍ يحركونها، بينما نحاسب فقط فضل شاكر؟! وهل أثّر فضل شاكر بأفعاله على مصير الوطن؟ أم هل أجّل بألفاظه الإنتخابات النيابية وهل عرقل الإنتخابات الرئاسية؟!
مهلاً، كفى مغالاة، فلنترك للقضاء حكمه. نعم للمحاسبة بموضوعية. نعم للعقاب، لكن، نعم للقصاص الذي يهدف للثواب والإصلاح لا لتغذية الأحقاد على فضل أو غيره لغاية في نفس يعقوب! نعم لمحاسبة فضل على كل أخطائه، لكن نعم أيضاً لمحاسبة كل من ارتكب مثل أخطائه سراً أم علناً بحق الجيش والوطن، فهل من إحصاء تملكونه بأسمائهم؟!
فضل شاكر أخطأ، لا بل ارتكب أخطاءً جسيمة، ولكنه اعترف، ويريد العودة عن أخطائه. فضل شاكر هرب، ولكنه عاد ليسلم نفسه للقضاء في حين أن هناك العديد من رجال السياسة هاربون من العدالة وثمة من لا يجروء على المطالبة بحبسهم وتنفيذ الأحكام بحقهم...!
إلى متى ستحاربون التائب وتتغاضون عن المجرم الهارب؟ ومتى ستتوقفون عن دق طبول العنصرية في برامجكم المبرمجة على موجاتكم السياسية بانحيازٍ فاضح في حين تتغاضون عن جرائم كبرى بحق الوطن بمشاركة زعمائكم؟!
فضل شاكر ربما انتحر ولكنه أراد العودة للحياة، أخطأ فلنحتكم للعدالة والقضاء، فمن المعيب أن نهاجم العنصرية بعنصرية ونخاصم بدافع الغيرة الفنية، ونستغبي الرأي العام سياسياً وفنياً واجتماعياً، واللائحة تطول بإسماءٍ تتلطى بشعاراتٍ وطنية كمن يدفن الرأس برماله! عذراً، ولكن، من حقنا أن ندافع فقط عن فضل شاكر "الفنان"، وعن حقه بمحاكمةٍ عادلة بعيداً عن الحملات المشبوهة من هنا وهناك، فعودة فضل شاكر إلى الفن مكسباً، لأن مساحة الحنان والإحساس&تبقى فارغة بغيابه!
&
التعليقات