يعاني حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميريكيل من تراجع شعبيته في مناطق هامة، أبرزها العاصمة الألمانية برلين

صرخات مدوية قطعت الهدوء الذي يتمتع به شمال شرق ألمانيا عقب بداية الحرب الدعائية بين الأحزاب المتنافسة على مقاعد البرلمان.

وانطلقت تلك الصرخات على لافتات دعائية عملاقة تنتشر في المنطقة، حاملة الشعارات التي تعبر عن فكر وبرنامج كل واحد من الأحزاب السياسية.

ورفع الحزب الديمقراطي الوطني الألماني اليميني المتطرف لافتة إعلانية جاذبة للأنظار ضخمة اشتملت على المصطلح الجديد، الذي ينطوي على إشارة مسيئة إلى اللاجئين الذين فروا من مناطق الصراع إلى أوروبا، (Rapefugees) والذي بدأ استخدامه بعد عدة حوادث اغتصاب ارتكبها لاجئون في ألمانيا.

وتتكون الكلمة من مقطعين؛ الأول هو Rape بمعنى "اغتصاب"، والثاني هو fugees الذي يشير إلى المقطع الثاني من كلمة Refugees التي تعني لاجئين.

ووضعت الكلمة مظللة باللون الأسود وإلى جانبها صورة لظلال إمرأة شبه عارية. كما حملت اللافتة عبارات مثل "ترحيل المسلمين" إلى خارج أوروبا.

وعلى بعد عدة أمتار، وُضعت لافتة إعلانية لحزب البديل من أجل ألمانيا باللونين الأسود والأزرق، والتي رغم عدم استخدام الكثير من المؤثرات المرئية في تصميمها، إلا أنها كانت جاذبة للاهتمام إلى حدٍ بعيد.

ووجهت اللافتة خطابها لهؤلاء "المهتمين بالأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين يتوافدون على البلاد، وانتشار الجريمة، ونظام المعاشات".

وتضمن الخطاب المكتوب على اللافتة نداء إلى المهتمين بتلك القضايا "صوتوا لحزب البديل من أجل ألمانيا حتى لا تنهار البلاد".

حزب ناشيء

حزب البديل من أجل ألمانيا هو حزب يتبنى منهجية شعبوية تتضمن فوبيا الأجانب، وهي مخاوف من كل ما هو أجنبي، في أوروبا.

ورغم تأسيسه منذ ثلاث سنوات فقط، أصبح هذا الحزب الناشيء أسرع حركة حزبية سياسية نموا في ألمانيا.

وكشف أحدث استطلاعات الرأي تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا للمرة الأولى على الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم الذي ترأسه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وذلك في مسقط رأسها بشمال شرق ألمانيا، تحديدا في ولاية ميكلينبرغ فيست بومرانيا.

ويخسر الحزب الحاكم في ألمانيا الدعم الشعبي في برلين أيضا، وذلك قبيل شهر من إجراء الانتخابات في العاصمة الألمانية.

بدأت حرب دعائية بين الحملات الانتخابية للأحزاب الألمانية المتنافسة في الانتخابتت متخذين من قضية اللاجئين مركزا للجدل

ويعتبر تراجع الدعم للحزب الديمقراطي المسيحي علامة فارقة في مشوار ميركل السياسي، إذ تسعى إلى البقاء في منصب المستشارة الألمانية للفترة الرابعة على التوالي، وهو ما قد يعيق تلك المسيرة.

ويتراجع أثر الشعارات المعادية للاجئين في بعض الولايات الألمانية، إذ يجعل التيار العام المنتشر في تلك الولايات، والخالي تماما من أي رفض لوجود اللاجئين، تلك الرسائل المتشددة لبعض الأحزاب السياسية جوفاء ولا أثر لها على الإطلاق.

ففي ولاية ميكلينبرغ الألمانية، هناك 26 ألف لاجيء حتى الآن، وهي نسبة صغيرة من المليون لاجيء الذين وصلوا إلى ألمانيا.

ووفقا لنظام توزيع اللاجئين على الولايات في ألمانيا، يُتوقع أن تستضيف هذه الولاية الألمانية 2.03 في المئة من إجمالي اللاجئين إلى البلاد القادمين من مناطق الصراع في الشرق الأوسط.

لكنها هذه الولاية تُعد من المناطق الفقيرة وقليلة الكثافة السكانية.

وتعتمد الحملة الانتخابية لحزب البديل من أجل ألمانيا على الخطاب المعادي للاجئين الذي تركز عليه بإصرار بالغ في جميع المؤتمرات الانتخابية الجماهيرية التي يعقدها الحزب في جميع أنحاء البلاد.

ويُرجح أن هذه النبرة العدائية للاجئين وطالبي اللجوء هي السر وراء النجاح الذي يحققه هذا الحزب الناشيء منذ تأسيسه نظرا لأهمية القضية التي يتناولها بالنسبة للناخب الألماني.

وتقول هانيلور شورتر، إحدى مؤيدات البديل من أجل ألمانيا: "إنهم (اللاجئون) لا يتناسبون مع طابع الحياة هنا."

وأضافت: "عندما أرى إمرأة تغطي جسمها بالكامل، أردد في نفسي أنها ينبغي ألا تكون بيننا هنا."

وأعلن البديل من أجل ألمانيا في الاجتماع العام للحزب أن "الإسلام ليس جزءا من ألمانيا"، مطالبا بحظر زي البوركيني، وتشييد المآذن، وإطلاق أذان الصلاة للمسلمين.

استقطاب

يُعد البعض مدينة روستوك الألمانية مرادفا للعداء للأجانب في ألمانيا، إذ شهدت ضاحية ليشتنهاغن بالمدينة أسوأ أحداث شغب بسبب معاداة الأجانب عام 1992 بعد أن حاول الكثيرون من سكان المدينة منع توطين اللاجئين الأجانب بالتظاهر والهتافات المعادية لهم وإلقاء القنابل الحارقة على شقق كان من المقرر أن يقطنها لاجئون.

لكن هناك اتجاه عام في ألمانيا يرفض تكرار ما وصفه البعض "بأسود أيام عاشتها المدينة"، في إشارة إلى الأحداث التي شهدتها منذ 24 سنة. ويرى أنصار هذا الاتجاه المضاد لعداء الأجانب أنه لا ينبغي أن يتكرر ذلك في ألمانيا.

قضى الكثير من طالبي اللجوء القادمون من مناطق الصراع وقتا طويلا في اليونان حتى أعلنت ميريكيل قرار استقبال حكومتها لمليون لاجيء على الأقل

مع ذلك، شهدت الأسابيع القليلة الماضية احتجاجات في غروسي كلاين أدت إلى طرد 15 من شباب اللاجئين من مركز للشباب في المدينة وإلغاء خطة لبناء مأوى جديد لهم.

ولم يتأكد ضلوع حزب البديل من أجل ألمانيا في تلك الاحتجاجات، إلا أن أستاذ العلوم السياسية بجامعة روستوك مارتن كوشكار يؤكد أن الحزب حقق الاستغلال الأمثل لها.

وقال كوشكار إن "حزب البديل من أجل ألمانيا يستفيد من خطاب الاستقطاب"، في إشارة إلى الاستقطاب الذي تمارسه القوى السياسية استغلالا لقضية اللاجئين.

وشهدا ألمانيا هجومين أرهابيين بالقرب من مراكز لرعاية اللاجئين في يوليو/ تموز الماضي، ما أثر حالة من الاستنفار الأمني في البلاد.

لكن كوشكار يرى أن حالة الاستياء المسيطرة على السياسيين تدعم نهضة هذا الحزب الناشيء.

وأضاف كوشكار أنهم "(حزب البديل من أجل ألمانيا) يخلطون بين قضية الهجرة وقضايا عامة أخرى تنطوي على انتقادات للأحزاب القديمة."

وتتزامن الانتخابات في ولاية ميكبوم الألمانية، المرر إجراؤها يوم الأحد المقبل مع مرور عام على إعلان أنغيلا ميركل قرارا بنقل آلاف اللاجئين بالقطارات إلى ألمانيا.

ومع انطلاق شعارها "نعم نستطيع أن نفعل ذلك"، شهد الدعم الشعبي للمستشارة الألمانية نقطة تحول هامة كانت نهضة حزب البديل من أجل ألمانيا أهم ملامحها ونتائجها.