إيلاف من لندن: كُشف النقاب في بغداد عن صفقة سياسية عقدها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مع قادة الكتل السياسية لاعتقال 22 مسؤولا حكوميا متورطين بسرقة وتهريب أموال تقدر بـ 150 مليار دولار الى ان يعيدوها الى خزينة الدولة.

وستكشف قريبا لجنة مكافحة الفساد الحكومية المكلفة بالتحقيقات في ملفات الفساد والجرائم الاستثنائية عن أسماء المتورطين بعمليات نهب وغسيل أموال من بينهم وزراء سابقون ووزير حالي ووكيل وزير ورئيس هيئة مستقلة.

واشترطت الصفقة السياسية ان تقوم الحكومة بإطلاق سراح المتهمين بعد إلقاء القبض عليهم مقابل تسديد الأموال التي نهبوها وإرجاعها إلى خزينة الدولة التي تعاني من ضائقة مالية حادة بعد تراجع أسعار النفط جراء تداعيات جائحة كورنا.

وزراء حاليون وسابقون
وكشف مصدر عراقي مطلع أن "لجنة مكافحة الفساد التي يقودها الفريق أحمد أبو رغيف استكملت التحقيقات مع عدد من المسؤولين الحكوميين وستصدر قريبا أوامر قبض بحق 22 مسؤولا بين وزير سابق وحالي ووكيل وزارة ومدير عام ورئيس هيئة مستقلة، كما نقل عنه موقع صحيفة "المدى" العراقية في تقرير تابعته "ايلاف"الجمعة . واضاف أن المتهمين المتورطين بملفات الفساد الكبيرة سيطاح بهم أمام القضاء في القريب العاجل.

وفي نهاية شهر أغسطس الماضي شكل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لجنة دائمة للتحقيق في قضايا وعمليات الفساد برئاسة الفريق أبو رغيف بعد أن كلف جهاز مكافحة الإرهاب بتنفيذ القرارات الصادرة عن اللجنة.

صفقة سياسية
كما كشف المصدر تفاصيل العديد من التحقيقات التي تجريها الحكومة مع كبار الفاسدين قائلاً إن "الكاظمي ورؤساء الكتل السياسية اتفقوا على تفعيل ملف الفساد من خلال اللجنة الحكومية المكلفة لهذا الغرض".. مشيرا الى أن "الحكومة باتت مستعدة أكثر من أي وقت لمواجهة الفاسدين وما يرافق مهمتها هذه من ردود فعل".

وتابع أن "الاتفاق اشترط إطلاق سراح المتهمين أو المتورطين بسرقة الأموال مقابل إرجاعها لخزينة الدولة".. موضحا أن الأحكام التي ستصدر قريبا بحق المتهمين ستكون "أحكاما مع إيقاف التنفيذ" حتى يتمكن المتورطون بالسرقة من إعادة الأموال إلى خزينة الدولة.

وبين المصدر إن "الصفقة استثنت المتورطين بتهريب الأموال الكبيرة إلى الخارج وقاموا باستثمارها وبالتالي من الصعوبة إرجاعها للحكومة مرة أخرى بسبب القوانين الجارية في تلك الدول التي تمنع إعادة الاموال أو إرجاعها بعد تغيير جنس الأموال المهربة".

وأكد ان الـ"22" شخصية لديهم ثقل مالي كبير بسبب عمليات الفساد التي قاموا بها على مدار السنوات الماضية .. متوقعا ان تعيد الصفقة قرابة 150 مليار دولار تقريبا إلى خزينة الدولة.

فساد سياسي
من جانبه، رأى سعيد ياسين موسى الناشط في مكافحة الفساد إن محاربة الفساد تتوقف على الآليات والظروف السياسية والأمنية التي يمر بها العراق .. متسائلا "هل الظروف الحالية مهيأة أمام الكاظمي لمحاسبة كل المتهمين بسرقة المال العراقي؟".

وشدد عى ان الفساد المستشري في العراقي هو "فساد سياسي".. منوها الى ان "المعطيات المتوفرة لدينا نحن كناشطين في مجال مكافحة الفساد تؤكد أن المناصب الحكومية في مختلف الوزارات تباع وتشترى".. معتبرا أن ذلك يشير الى أن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة سياسي.

والاسبوع الماضي توعد الكاظمي بملاحقة جميع الفاسدين من اجل تحقيق الإصلاحات المالية التي دعا لها .. مشددا على أن حكومته ستكشف في العام 2021 عن "حقائق كبرى" بشأن الفساد.

ابتزاز جنسي
ويعتقد ياسين أن "الدولة العراقية لا تمتلك سياسة وطنية ولا استراتيجية واضحة ومعتمدة لمكافحة الفساد، بعد إلغاء مكاتب المفتشين العموميين من قبل مجلس النواب".. كاشفا عن انتشار الرشى الجنسية في الكثير من مؤسسات الدولة.

ويلفت إلى أن "ظاهرة انتشار الفساد الجنسي اكتشفت منذ العام 2015 ومازالت موجودة بكثرة في مؤسسات الدولة في أماكن مخجلة وهيئات هشة".. موضحا أن "الرشوة في مؤسساتنا الحكومية تطورت وتنامت إلى أن وصلت إلى الرشى الجنسية".

ويشير إلى أن "الأجهزة والمؤسسات الحكومية المعنية بالتحقيق ومتابعة عمليات الفساد تتعمد في عدم الكشف عن المعلومات والتحقيقات التي تجريها مع كبار الفاسدين.

أحكام غيابية
ويشير ياسين إلى أن "غالبية الأحكام القضائية الصادرة ضد الفاسدين هي غيابية، أي أن المتهمين غير موجودين"، مضيفا أن "قيمة المبالغ المنهوبة والمهربة على مدار السنوات التي تلت العام 2006 وحتى هذه اللحظة تقدر بـ360 مليار دولار".

وكان الرئيس العراقي برهم صالح قد أكد الشهر الماضي على أهمية الحفاظ على أموال الدولة وغلق منافذ الفساد واسترداد الأموال المنهوبة وإيقاف الهدر العام ومكافحة غسيل والعمل على استرداد الأموال العراقية المهربة الى الخارج.

والاثنين الماضي، كشفت لجنة النزاهة النيابية العراقية عن حجم اموال البلاد المهربة الى الخارج منوهة الى انها قد بلغت حوالي 350 ترليون دينارعراقي (حوالي 300 مليار دولار) فيما قدرت حجم الاموال التي صرفت في الاعوام السابقة بتعاقدات وهمية.

ويعاني العراق من أزمة مالية غير مسبوقة ناجمة عن جائحة فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط الذي يعول العراق على مبيعاته لتمويل 90 بالمئة من موازنته العامة، ما ادى الى اضطراب مالي خطير زاد من معدل الفقر إلى نسبة 40 بالمائة من سكان البلاد البالغ عددهم 40 مليون نسمة.

وكان مؤشر الفساد العالمي لعام 2019 قد وضع العراق في ذيل التصنيف الدولي كأكثر الدول فسادا في العالم فقد احتل البلد التصنيف 162 بحصوله على 20 نقطة فقط كدولة مغمورة بالفساد من مجموع 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، وهو من أهم المؤشرات العالمية لحال البلدان حول العالم في ما يخص الشأن الاقتصادي حيث يقاس مستوى الفساد في هذه الدول على أساس مؤشر من 100 درجة أعلاها الأفضل وأصغرها الأسوأ.