واشنطن تطمئن الحكومة العراقية حول إستثمارتها في quot;الخضراءquot;
بغداد متخوفة من هيمنة أميركية طويلة على quot;قريتها العالميةquot;
أسامة مهدي من لندن :
أكد مصدرمطلع أن الحكومة العراقية متخوفة من التأثر الأميركي على خطة أعلنت عنها وزارة الدفاع الأميركية quot;البنتاغونquot; لإنشاء أكبر مركز تجاري في العراق داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد بكلفة 5 مليارات دولار، وصف بأنه سيكون quot;قرية عالميةquot; لكن السلطات الأميركية خففت في بيان أرسلت نسخة منه إلى quot;إيلافquot; من القلق العراقي، مؤكدة أن المشروع ما زال مجرد فكرة تحمل نظرة طموحة لتطوير مشاريع إقتصادية تعتمد أساسًا على الإستثمارات المالية الخاصة والتي تشكل مفتاحًا اساسيًا لخلق وتطوير فرص عمل واسعة في العراق.
مركز يشكل عصب الإقتصاد العراقي
وقالت القوات الأميركية في العراق إن مختصين وضعوا خطة سيجري تنفيذها قريبًا لتحويل المنطقة الخضراء التي تتمركز فيها حاليًا معظم المؤسسات الأميركية والعراقية في بغداد والمحاطة بأسوار تحت حماية جنود مدججين بالسلاح إلى مركز تجاري واستثماري سيمثل عصب الاقتصاد العراقي المستقبلي. وأوضحت أن مجموعات فندقية مثل quot;ماريوتquot; وشركات استثمارية مثل quot;ام بي آيquot; السعودية تخطط لمشاريع في المنطقة حاليًا. وتشتمل الخطة على انشاء محال راقية ومقاهٍ وأبراج بزجاج براق ملون ونوادٍ وفنادق فاخرة ومنتجع سياحي وشقق سكنية حول السفارة الأميركية الجديدة التي كلف تشييدها نحو مليار دولار تحيط بها الاشجار وتتخللها سواقٍ من مياه دجلة بدعم من سلسلة فنادق عالمية ومؤسسات تنمية.

وإثر ذلك أصدرت السفارة والقوات الاميركيتين في بغداد توضيحات اليوم، قالت فيها إن الخطة التي تناقلتها وسائل الإعلام وتحدثت عن تحويل المنطقة الخضراء إلى منطقة إستثمارية quot;ما هي إلا مجرد فكرة تحمل نظرة طموحة لتطوير مشاريع إقتصادية تعتمد أساسًا على الإسثمارات المالية الخاصة والتى تشكل مفتاحًا اساسيًا لخلق وتطوير فرص عمل واسعة، حيث إن إهتمام الشركات العالمية في بغداد ومن ضمنها المنطقة الخضراءيشكل مؤشرًا إيجابيًا تنظر إليه السفارة الأميركية في العراق، وكذلك القوات المتعددة الجنسيات بشكل إيجابيquot;.
مخاوف عراقية
لكن مصدرًا مطلعًا مقربًا من الحكومة العراقية أكد أنها تنظر بقلق إلى هذا المشروع وتتطلع نحو الحد من التأثير الأميركي عليه. وأشار في تصريح إلى quot;ايلافquot; اليوم أن هذه المخاوف تنبع من امكانية توقيع البنتاغون لعقود تجارية مع شركات عالمية من دون علم الحكومة العراقية أو التنسيق معها، وبشكل قد يخرق السيادة العراقية. وأوضح أن بعض هذه المخاوف عائدة الى امكانية توقيع الشركات المستثمرة في هذه القرية العالمية لعقود مع شركات حماية اجنبية لسنوات عدة في وقت تسعى حكومة بغداد لإخضاع الشركات الموجودة حاليًا على أراضيها لقوانينها الرسمية.

واضاف المصدر أن حكومة نوري المالكي مهتمة بالأفكار التي يطرحها الجانب الأميركي لتطوير المنطقة الخضراء، على الرغم منإبداء العديد من المسؤولين قلقهم وحذرهم من هذه الأفكار... موضحًا أن الحكومة تريد وضع حد للنفوذ الأميركي على المنطقة الخضراء. وأشار إلى أن هؤلاء المسؤولين عبروا عن استيائهم من استمرار الأميركيين في تولي الملف الأمني في المنطقة الخضراء.

ويبدو أن أكبر عقبة تواجه هذه الخطط هي معرفة لمن تؤول الملكية الحقيقية للأراضي والعقارات داخل المنطقة الخضراء التي كانت زمن النظام السابق تحت سيطرة الأجهزة الحكومية بشكل كامل. ومن جهته قال دبلوماسي اميركي إنه لا يعتقد أن سلطات بغداد تود رؤية واشنطن تقوم بتحويل قلب العاصمة إلى حي شبيه بأحد أحياء مدينة كنساس.

وتواجه مفاوضات عراقية أميركية لتوقيع اتفاقية استراتيجية طويلة الأمد بين البلدين خلافات حول وضع الوجود الاميركي في العراق مستقبلاً، ومدته وصلاحيات القوات الأميركية في التعامل مع العراقيين. وكانت هذه المفاوضات قد بدأت في شباط (فبراير) الماضي ويتوقع انتهاؤها في تموز (يوليو) المقبل في حال عدم ظهور صعوبات في انهاء هذه الخلافات خاصة مع مغارضة بعض الكتل السياسية العراقية للاتفاقية برمتها.
البنتاغون يطمئن العراقيين
غير أن البنتاغون رد على هذه المخاوف قائلاً: quot;إن المنطقة الخضراء الواقعة على ضفاف نهر دجلة والتي تبلغ مساحتها اكثر من 7 كيلومترات مربعة وتشغل البعثة الاميركية والشركات الامنية الخاصة اكثر من نصفها quot;هي ارض عراقية وسوف نعيدها للعراق بعد تطويرهاquot;.

وتقول مصادر أميركية إن المشروع الذي يحظى بدعم quot;البنتاغونquot; سيجلب إلى المنطقة أرقى المنتجعات وأفضل العلامات التجارية بما يبعد عن الأذهان صور الصواريخ التي تنهمر على المنطقة بصورة شبه يومية ويجعلها واحة لنهوض بغداد على غرار مدن انتعشت بعد الحروب مثل سراييفو وبيروت.

ويخطط البنتاغون لتحويل هذه المنطقة الخضراء التي تضم مقر الحكومة العراقية ومجلس النواب ومكتب رئيس الجمهورية ونوابه ومعظم الوزرات والسفارات الغربية الى منطقة جذب سياحية تشمل على مطاعم وفنادق ونوادي واسواق فاخرة وملعب غولف بكلفة 5 مليارات دولار بالإشتراك مع مجموعة استثمار دولية.

وأشار مسؤول عسكري أميركي إلى أن مجموعة quot;ماريوتquot; للفنادق الفاخرة قد وقعت على عقد لبناء فندق ضمن المنطقة الخضراء كما تجري الاتصالات مع شركة محمد بن عيسى الجابر السعودية التي تعمل في مجال الفنادق والمنتجعات لإقامة مشروع فيها بكلفة مليار دولار.

وعلى الرغم من تحمس البنتاغون للمشروع إلا أن عددًا من المسؤولين الأميركيين في بغداد كانوا اكثر حذرا حيث صرح احدهم quot; هذا الامر يعود للعراقيين فنحن لسنا اصحاب المنطقة الخضراء العراقيون هم الذين يقررون مستقبلهاquot;. ويقول مسؤول أميركي إنه قبل بضع سنوات فقط كان سعر تأجير القدم المربع لمدة 50 عامًا داخل المنطقة الخضراء يبلغ 60 دولارًا فيما وصل اليوم إلى ألف دولار.
رؤية مستقبلية لاعوام مقبلة
وقد أكدت شركة قابضة يقع مقرها في مدينة لوس أنجلوس أنها ستبدأ مشروعًا بكلفة نصف مليار دولار لإنشاء مدينة ألعاب في ضواحي المنطقة الخضراء وستتفتح المرحلة الأولى من المشروع هذا الصيف في ساحة مغلقة للتزحلق على الجليد. ويقول التقرير إن هذه الأحلام قد لا تتحقق بين ليلة وضحاها، ولكنها تنم عن رؤية مستقبلية للأعوام المقبلة والتي تراهن على عودة بغداد إلى وضعها الطبيعي مثلما عادت سراييفو وبيروت التي دمرتها الحرب الأهلية.
ويشير تقرير لوكالة انباء quot;الأسوشيتدبرسquot; الاميركية إلى أن الفوضى التي أعقبت سقوط النظام العراقي السابق زادت الطين بلة، ويقول حسين وهو مقاول لبناني أنشأ شركته في بغداد قبل نحو عام ويستأجر منزلاً صغيرًا داخل المنطقة الخضراء، إن ما يجري هنا يشبه ما كان يحدث في الغرب الأميركي قبل قرنين حيث كان الشخص يستولي على أي قطعة أرض بقوة السلاح ويعلنها ملكًا خالصًا له.

وقال مونت هارنر الكولونيل في سلاح الطيران إن القوات الأميركية تبذل جهودًا لاكتشاف عائدية وملكية الأراضي والعقارات داخل المنطقة الخضراء. واضاف أن الجيش يخطط لإزالة مستشفى عسكري أميركي يحتل الآن أحد المباني داخل المنطقة الخضراء ونقله إلى قاعدة عسكرية قريبة وإرجاعه إلى العراقيين ليستخدموه كما يشاؤون بالإضافة إلى العديد من المنازل التي يقيم فيها الآن عسكريون أميركيون.

ويبدو أن دوافع واشنطن لتشييد هذه القرية العالمية هو إنشاء منطقة تأثير تحيط بمجمع السفارة الأميركية الضخم الذي بلغت تكلفته 700 مليون دولار ومن المتوقع أن ترتفع التكلفة الإجمالية إلى مليار دولار بعد إعادة إسكان منتسبي السفارة . وكان من الفترض تدشين السفارة في ايلول (سبتمبر) الماضي الا ان لجنة اميركية تفتيشية اوصت بادخال تحسينات على المبنى يؤمن حماية اكثر للمنتسبين الامر الذي أخّر افتتاحها حتى الان .
وقال النقيب البحري توماس كارنويسكي، الذي يتولى قيادة الفريق الذي وضع الخطة التنموية الخاصة بالمنطقة الخضراء quot;عندما ننفق مليار دولار في هذا المكان الذي يسكن فيه 1000 موظف فلا بد لك ان تتعرف على طبيعة جيرانكquot; واضاف في تصريحات نقلتها الصحافة الاميركية أن quot;العقد قد ابرم مع مؤسسة ماريوت العالمية لإنشاء فندق في المنطقة الخضراء واحتمال الحصول على مليار دولار على سبيل الاستثمار من مؤسسة quot;أم بي آيquot; الدولية وهي مجموعة تركز أعمالها على مجال الفنادق والمنتجعات ويديرها السعودي الشيخ محمد بن عيسى الجابر ومقرها في لندنquot; .

وأضاف أن quot;الأسلاك الشائكة والعوازل الكونكريتية ونقاط التفتيش التي تشوه المنطقة حاليًا التي تبلغ مساحتها خمسة أميال مربعة ستحل محلها مراكز تسوق حديثة ومول وفنادق ومجمعات سكنية أنيقة وحدائق ومتنزهات ترفيهيةquot; واشار قائلاً: quot;انها في نهاية المطاف منطقة يملكها العراقيون وسنعيدها إليهم بقيمة مضافةquot;.
منطقة حصينة لكنها ليست أمينة
وتعتبر المنطقة الخضراء من أكثر المناطق في العراق تحصينًا كونها تحتوي على مقرات الحكم في البلاد المتمثل بمقر رئاسة الوزراء ومقر رئاسة الجمهورية أضف الى ذلك بعض الوزارات مثل الاعمار والاسكان، الهجرة والمهجرين، الدفاع، النقل والمحكمة الجنائية العليا ومنازل القادة السياسين والوزراء ونواب البرلمان. وإلى جانب هذا كله تضم المنطقة الخضراء السفارتين الاميركية والبريطانية وشركات أجنبية وهو ما يفسر سبب تحصينها.
وعن تسمية هذه المنطقة بالخضراء أشار متحدث في الجيش الاميركي الى إن التسمية quot;جاءت نظرًا الى كون هذه المنطقة من أكثر المناطق أمنًاquot;. وقال quot;اختير اللون الاخضر في التسمية كونه يرمز للامنquot;. لكنه اوضح quot;الا أن المنطقة لم يعد اسمها الخضراء بل صار مع الوقت يطلق عليها المنطقة الدولية كونها تحتوي على جنسيات مختلفة بداخلهاquot;.

وكانت هذه المنطقة تسمى في زمن النظام السابق quot;حي التشريعquot; وتحتوي انذاك على مقرات للحكومة والمجلس الوطني (البرلمان) والقصر الجمهوري ومقر مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية إضافة الى قصر المؤتمرات وقصور الرئيس العراقي السابق صدام حسين .

ويحيط بالمنطقة الخضراء حاليًا عوارض كونكريتية طول الواحدة منها أكثر من مترين ولها أربعة مداخل رئيسة. لكن هذه المنطقة لم تعد امنة فهي لم تسلم من السيارات المفخخة والانتحاريين وقاذفات الهاونات التي زاد انهمارها عليها خلال الاشهر الاخيرة، وأدى الى سقوط عدد من القتلى الاجانب بينهم متعاقدين مع القوات الاميركية. وفي رد فعل على الهجمات نصحت السفارة الأميركية العاملين فيها بإرتداء الستر الواقية والخوذ عند الخروج الى المناطق المحيطة بالسفارة.