لندن: ككل يوم منذ انفجار الأزمة المالية الحادة في الأسواق المالية الأميركية في وول ستريت ركزت الصحف البريطانية على تفاعلات هذه الأزمة وتداعياتها على الأسواق العالمية وبالأخص البريطانية. وإذا كان الحال هنا كذلك فما بالك بالولايات المتحدة؟ هذا ما يتعرض له روبرت فيسك المراسل المخضرم لصحيفة الإندبندنت لشؤون الشرق الأوسط والذي يكتب السبت عن الأسبوع الغريب الأخير الذي قضاه هناك ووزير المالية الأميركي يبذل الجهود الحثيثة لتفادي انهيار الأسواق المالية.

تحت عنوان رئيسي quot;بوش ينقذ وول ستريت ويدع جنوده ليموتوا في العراقquot;، وعنوان فرعي quot;حتى تنتهي الانتخابات أهل الشرق الأوسط أناس من الماضيquot; يقول فيسك إن الأنظار في الولايات المتحدة تتركز على خطة إنقاذ وول ستريت والتي تتكلف 700 مليار دولار فيما لا تعير اهتماما لما نشر عن حصيلة القتلى الأميركيين ( 4162 جنديا و11 مدنيا من العاملين في وزارة الدفاع الأميركية) في الحرب في العراق والتي ضاهت في تكلفتها تكلفة خطة الإنقاذ المالية. موضوع آخر ـ يقول فيسك ـ لم تلتفت إليه الصحف في هذا الأسبوع هو النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

يحكي فيسك عن منتدى للتكنولوجيا الأمنية عقد في واشنطن هذا الشهر وحضره مسؤولون أميركيون وإسرائيليون دونما تغطية إعلامية تستحقه، وتزامن مع قرار إدارة بوش التي تلفظ أنفاسها الأخيرة منح إسرائيل مبلغ 330 مليون دولار إضافي في 3 صفقات أسلحة. يتابع فيسك أن الصفقات هذه تتضمن 28 ألف من الأسلحة المضادة للمدرعات quot;إم 72إيه 7 66 مليمتراquot; وألف قنبلة صغيرة القطر quot;جي بي يو ـ 9quot; من بوينج، كما يتوقع إقرار منح إسرائيل أيضا 25 طائرة نفاثة طراز إف 35 من لوكهيد مارتن وذلك قبل الانتخابات.

يقول فيسك إن المحادثات الأميركية الإسرائيلية وصفت بأنها quot;أعلى محادثات تكنولوجية ثنائية جرت بين الحليفينquot;، ويتهكم quot;بالطبع هذا لا يستحق الكتابة عنهquot;. موضوع ثالث يرى فيسك أن الصحافة الأميركية عدا الواشنطن ريبورت أغفلته هو الفضيحة التي قد تثور في لوس انجلوس مع عودة عمدتها أنطونيو فيلاريجوزا مؤخرا مع ثلاثة من أعضاء مجلس المدينة وموظفين آخرين برفقة أسرهم بأطفالهم من رحلة على نفقة الدولة إلى إسرائيل تكلفت 225 ألف دولار .

يقول مراسل الإندبندنت إن الهدف من الرحلة هو عقد اتفاقيات جديدة للأمن في مطار لوس أنجلوس الدولي، وإن أعضاء مجلس المدينة انسحبوا من مقر اجتماع المجلس بعد ما وجه إليهم من اتهامات بالتفاوض مع دولة أجنبية قبل محاولة الحصول على عروض من مؤسسات أمنية أميركية.

ويشير فيسك إلى أن أحد المحتجين تساءل عن مدى حكمة تسليم أمن المطار لإسرائيليين على quot;ضوء قيام شركات إسرائيلية بمهام الأمن في مطاري لوجان بوسطن ولوجان يوم الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001 حين مرت عبرهما مجموعة شريرة من العرب في طريقها لارتكاب جرائم ضد الإنسانيةquot;.

يطلبون العلم..

وفي الشأن الفلسطيني أيضا يكتب روري ماكارثي مراسل صحيفة الجارديان في غزة عن الطلبة الجامعيين الذين تمنعهم ظروف محاصرة القطاع من الالتحاق بالجامعات التي قبلوا بها في الخارج، وتضيع عليهم منحا ثمينة يحلم شباب كثيرون بها فما بالك بأهل القطاع المحروم.

يحكي ماكارثي قصة الطالب المتفوق زهير أبو شعبان الطامح لأن يكون أستاذا جامعيا للهندسة الكهربائية في القطاع الذي لا يوجد فيه قسم للدراسات العليا في هذا التخصص. حصل أبو شعبان على منح من مؤسسة فولبرايت للدراسة في جامعة كونكتيكت الأميركية إلا أن إغلاق المعابر حال دون التحاقه وستة مثله بجامعاتهم وبالتالي ألغيت منحهم.

وبوساطة من وزيرة الخارجية الأميركية أعيدت المنح ونجح ثلاثة في الوصول إلى الولايات المتحدة لم يكن زهير من بينهم حيث ألغيت تأشيرة الدخول التي حصل عليها لأسباب لم تحدد.

رغم إحباطه ثابر أبو شعبان حتى حصل على مكان في جامعة إمبريال كوليدج بلندن، إلا أن عليه الالتحاق بالجامعة السبت المقبل، وهو لا يدري ماذا يفعل حيث ترفض إسرائيل السماح له بالخروج عن طريقها بينما الحدود مع مصر مغلقة.

تأميم

وحول الأزمة المالية تقول صحيفتا التايمز والديلي تلجراف إن بنك الإسكان quot;برادفورد أند بنجليquot; وهو ثامن أكبر بنك إسكان في بريطانيا هو المؤسسة المصرفية الأخيرة التي تقع ضحية لهذه الأزمة المستحكمة.

وتحت عنوان quot;التأميم يلوح لبرادفورد أند بنجليquot; تقول التايمز إن أليستر دارلنج وزير المالية على وشك إصدار قرار بتأميم quot;برادفورد أند بنجليquot; فيما يسود اليأس من إمكانية العثور على مشتر من القطاع الخاص لينقذ مؤسسة الأقراض المنكوبة هذه.

وتضيف التايمز أنه بعد سبعة اشهر من تأميم بنك quot;نورثرن روكquot; أصدر وزير المالية أوامر لمسؤوليه بالاستعداد بإدخال مؤسسة مالية أخرى ضمن إطار الملكية العامة، رغم أن المسؤولين في وزارة المالية يؤكدون أنه لم تتخذ قرارات بعد بهذا الشأن، وأن البحث عن مشتر جار على قدم وساق إلا quot;أنه من المتوقع منا أن نضع خططا بديلةquot;.

صحيفة الديلي تلجراف تقول إن سعر سهم بنك الإسكان quot;برادفورد أند بنجليquot; قد انخفض بنسبة 6% إلى أدنى مستوى له ليبلغ 20 بنسا، مع الإدراك بأنه لا بنك هناك على استعداد للتقدم بخطة إنقاذ، وتضيف أن سعر السهم قد انخفض منذ بداية العام بنسبة 90%.

رب ضارة

وهذه أنباء ليست طيبة بالنسبة لرئيس الوزراء البريطاني جوردون براون والذي رسخ حكم سلفه توني بلير بانتهاج سياسات اقتصادية حكيمة بينما كان يشغل منصب وزير ماليته. غير أن الصحف البريطانية تحمل لبراون بارقة فرح مع نشر نتائج استطلاعات للرأي أجريت بعد انتهاء المؤتمر السنوي لحزبه حزب العمال الحاكم. صحيفة الجارديان تقول إن حزب العمال قد قلص الفارق بينه وبين حزب المحافظين المعارض إلى أدنى مستوى له منذ شهر نيسان/إبريل الماضي.

وتعزو الصحيفة هذه النتائج إلى الأزمة المالية العالمية، وتقول بما معناه quot;رب ضارة نافعةquot;، إذ قد يكون الناخبون يعودون ثانية إلى حزب العمال وسط المخاوف من انهيار اقتصادي يجتاح العالم كله.

بداية الحكم ونهايته

وبالطبع غطت أنباء الأزمة المالية على المعضلة الأخرى التي تواجه الرئيس الرئيس الأميركي جورج بوش في أواخر حكمه كما واجهته في أوائل حكمه. هذه المعضلة هي طالبان وتنامي خطرها على القوات الأميركية في أفغانستان وعلى باكستان حليفة الولايات المتحدة.

الجارديان تقول إن زعماء القبائل المعتدلين في الإقليم الحدودي الشمالي الغربي يتحدون المتشددين من طالبان والذين يهددون باجتياح المنطقة، في حركة يمكن أن تتطور لتصبح حركة مقاومة شعبية. وتقول الصحيفة إن هذه المقاومة تذكر بصحوة السنة في العراق حين واجهت العشائر مسلحي القاعدة في محافظة الأنبار وغيرها.

وتضيف أن الحركة الباكستانية تعتمد على العادات القبلية وشيوع ملكية السلاح لتشكيل جيوش تقليدية خاصة تعرف بquot;لاشكارquot; ينضوي تحت لواء كل منها المئات أو الآلاف من المتطوعين. وتشير الصحيفة إلى أن هذه الجيوش لن تتمكن من منع أعمال إرهابية فردية كالانفجار المدمر لفندق ماريوت في إسلام أباد الأسبوع الماضي، إلا أنها تهدف لمنع إقامة دويلة متطرفة في الشمال الغربي.