القاهرة: فاجأ الرئيس الأميركي باراك أوباما الشرق الأوسط بالسرعة التي بدأ بها نشاطه الدبلوماسي لكن تصريحه الأول عن الصراع بين العرب والاسرائيليين كان مشابها للسياسات الأميركية القديمة. في الوقت نفسه يطرح الزعماء العرب مقترحاتهم املا في المساعدة في صياغة السياسة الأميركية قبل أن ترسخها الإدارة الجديدة. وتوقع معلقون عرب وحكومات عربية أن يأخذ أوباما وقته قبل أن يحول انتباهه الى الشرق الاوسط ليركز بدلا من ذلك على الاقتصاد الأميركي والمخاوف الداخلية.
لكن الرئيس الجديد الذي لم يمر على توليه منصبه سوى بضعة ايام عين يوم الخميس مبعوثا خاصا للمنطقة هو الوسيط المخضرم وعضو مجلس الشيوخ السابق جورج ميتشل وقال إن ميتشل سيذهب الى الشرق الأوسط في أقرب وقت ممكن. وأضاف أوباما أن ميتشل سيحاول ضمان أن يكون وقف إطلاق النار غير الرسمي بين اسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة قابلا للاستمرار.
وكان أوباما قبل ذلك بيوم أجرى اتصالات هاتفية مع حلفاء واشنطن منذ زمن طويل بالشرق الاوسط وهم رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت والرئيس المصري حسني مبارك والرئيس الفلسطيني محمود عباس والملك عبد الله عاهل الاردن. ورأت الحكومات العربية المحافظة في هذه الاتصالات تأكيدا لوضعها الذي يتسم بالامتياز وهي علامة أخرى على أن أوباما متمسك بالمناهج التقليدية.
وقال أسعد ابو خليل استاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا وهو لبناني المولد ومؤيد للفلسطينيين quot;استغرق الأمر يومين طويلين قبل أن يبدد أوباما اي افكار عن إجراء تغيير في السياسة الأميركية بالشرق الاوسط.quot; وأضاف quot;كلمة أوباما كانت مهمة. كانت مثل نثر حمض الكبريتيك على جروح الاطفال في غزة.quot; لكن نشاط أوباما الدبلوماسي والوعود بالانخراط في الصراعات بين العرب واسرائيل يعالجان على الأقل واحدة من شكاوى المحافظين الرئيسية من الرئيس السابق جورج بوش بأنه تجاهل الصراع لوقت طويل جدا ولم يضع كامل ثقله وراء اي خطة للسلام بالشرق الأوسط.
وقال الامير تركي الفيصل أحد أفراد الأسرة السعودية الحاكمة إن بوش خلف وراءه quot;تركة ثقيلةquot; في الشرق الاوسط وساهم من خلال العجرفة في ذبح اسرائيل للأبرياء في غزة على مدار الشهر المنصرم. وأضاف quot;اذا ارادت الولايات المتحدة الاستمرار في اداء دور قيادي في الشرق الأوسط والمحافظة على تحالفاتها الاستراتيجية ولا سيما علاقتها الاستراتيجية مع السعودية فانه سيتعين عليها ان تعدل تعديلا جذريا من سياساتها تجاه اسرائيل وفلسطين.quot;
وقال جمال خاشقجي رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية إن الحكومة السعودية ما زالت متفائلة بشأن أوباما الذي تنظر اليه على أنه صديق محتمل للعالم الاسلامي. وأضاف أن حتى المسؤولين السعوديين القلائل الذين كانوا يحبون بوش شعروا بخيبة امل منه في العامين الأخيرين. واستغل الزعيم الليبي معمر القذافي قدوم أوباما ليطرح مجددا اقتراحه الخاص بأن يعيش الاسرائيليون والفلسطينيون معا في دولة واحدة.
وقال الامير تركي ابن اخي الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل السعودية والسفير السعودي السابق لدى واشنطن إن على الولايات المتحدة أن تدعم مبادرة السلام العربية لعام 2002 التي تقدم لاسرائيل سلاما وعلاقات طبيعية مقابل الانسحاب الى حدود عام 7691 .وفي البيان الخاص بسياسته يوم الخميس قال أوباما ان مبادرة السلام العربية تحتوي على ما سماها عناصر بناءة.
لكنه بعد ذلك نادى الحكومات العربية بتنفيذ جانبها من الصفقة - quot;اتخاذ خطوات تجاه تطبيع العلاقات مع اسرائيلquot; - دون الاشارة الى أن على اسرائيل أن تلبي المطلب العربي الموازي بالانسحاب من الاراضي. وقدم أوباما دعمه الكامل للرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزرائه المدعوم من الغرب سلام فياض متجاهلا الثقل السياسي لحركة حماس والفصائل الاخرى المعارضة لعباس.
وقد كرر الشروط المثيرة للجدل التي وضعتها اللجنة الرباعية للسلام عام 2006 للتعامل مع حماس وهي الاعتراف باسرائيل ونبذ العنف وقبول اتفاقات السلام المؤقتة الموقعة بين الاسرائيليين والفلسطينيين. وتكهن بعض المحللين بأن أوباما قد يأتي بنهج جديد للتعامل مع حماس والقوى الاخرى بالشرق الاوسط التي تحتفظ بحقها في الكفاح المسلح ضد اسرائيل. بل ان أوباما ربط انهاء الحصار الاسرائيلي لغزة وهو أحد الاسباب الرئيسية للقتال الاخير باعادة سيطرة عباس على حدود غزة. وقد يديم هذا الحصار الحالي لاشهر وربما سنوات قادمة.
كما سيتم تحويل المساعدات الأميركية لاعادة اعمار غزة من خلال عباس وليس اي أحد غيره وهو الذي ليست له اي سيطرة على غزة. وكانت حماس سيطرت على قطاع غزة عام 2007 في أعقاب اقتتال داخلي مع قوات حركة فتح. واتبع الرئيس الجديد النهج الأميركي التقليدي بالاعتماد على مصر في الوساطة بين اسرائيل وحماس ومنع وصول الاسلحة لحماس في غزة من خلال التهريب. لكن مصر فشلت في الجمع بين حماس واسرائيل معا حول وقف لاطلاق النار متفق عليه وتقول اسرائيل ان جهود القاهرة لمكافحة التهريب على امتداد الحدود بين غزة ومصر غير كافية على الاطلاق. ورفضت حماس اول تصريح لأوباما عن سياسته في الشرق الاوسط بوصفه مماثلا لنفس الاستراتيجية الأميركية الفاشلة.
وقال اسامة حمدان ممثل حركة حماس في لبنان لقناة الجزيرة الفضائية التلفزيونية ان أوباما فيما يبدو يحاول تكرار نفس الاخطاء التي وقع فيها بوش دون أن يضع في اعتباره تجربة بوش التي أسفرت عن انفجار المنطقة. وذكرت جريدة السفير اللبنانية الموالية لسوريا أن الرئيس الأميركي الجديد استلهم مواقف بوش وأضافت أن أوباما يواصل الحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني. وتابعت ان أوباما خيب الكثير من الامال التي علقت على توازنه وارائه المعتدلة تجاه الصراع العربي الاسرائيلي اذ أن مواقفه تسمح لاسرائيل باكمال ما بدأته في حربها الاخيرة على غزة.
التعليقات