موسكو: تسمح العقيدة العسكرية الروسية الجديدة بتوجيه ضربات نووية استباقية. هذا هو أحد أهم الأخبار التي ترددت في الأيام القليلة الماضية. فما هي التعديلات التي تم إدخالها إلى أهم وثيقة عسكرية لروسيا؟ وما هو مدى خطورتها؟

الجدير بالذكر أن روسيا قد تخلت عن الالتزام السوفيتي quot;بعدم المبادرة باستخدام السلاح النوويquot; الذي كان يستبعد إطلاق الضربات الاستباقية، وذلك بعد النزاع اليوغوسلافي ومناورات القوات الروسية quot;الغرب-99quot;. كان الهدف من المناورات هو التدريب على كيفية التصرف في حالة الصراع مع حلف الناتو من نوع النزاع اليوغوسلافي.

بينت نتائج المناورات أن روسيا لن تتمكن من صد العدوان الغربي المحتمل إلا باستخدام السلاح النووي. أدى ذلك إلى عدد من التغييرات الملحوظة في نظرية استخدام هذه الأسلحة والأسلحة التكتيكية على وجه الخصوص، إذ تم خفض quot;العتبة النوويةquot;. وتخلت روسيا عن الالتزام السوفيتي بعدم المبادرة باستخدام السلاح النووي آنذاك.

يبدو أن هذه الخطوة كانت طبيعية في ظروف التفوق العددي والكيفي لقوات حلف الناتو. وبعد مرور عشرة أعوام ظل الوضع كما كان عليه، لينعكس ذلك بصورة رسمية في الوثيقة العسكرية الأساسية. ما هي العقيدة العسكرية؟ إنها منظومة الأحكام الخاصة بالإنتاج الحربي واستعداد البلاد للحرب وأخيرا كيفية إجراء الحرب.

ترجع هذه الأحكام إلى النظام السياسي ونظام الحكم والتنمية الاقتصادية والتكنولوجية وكذلك تصورات واضعي العقيدة للحرب المرتقبة. اتخذت العقيدة السوفيتية الأخيرة التي تم اعتمادها في عام 1987 طابعا دفاعيا صريحا، حيث تخلى الاتحاد السوفيتي عن مفهوم quot;العدو المحتملquot; وأكد الالتزامات التي قد أعلنها زعماؤه بعدم المبادرة بالأعمال الحربية واستخدام السلاح النووي.

انهار الاتحاد السوفيتي قريبا لتصبح روسيا الاتحادية وريثا شرعيا له وتجد نفسها مجددا أمام ضرورة تحديد مكانتها في العالم وإعداد العقيدة العسكرية.أعلنت روسيا في العقيدة لعام 1993 أنها ليس لديها أعداء محتملين والتزمت بعدم استخدام القوة العسكرية إلا بهدف الدفاع. وتحولت الأسلحة النووية من وسيلة القتال إلى أداة الوقاية السياسية.

تم اتخاذ مبدأ quot;الاكتفاء العقلانيquot; فيما يتعلق بالقدرات العسكرية: يجب الحفاظ على مستوى يتناسب مع التهديدات القائمة. التطورات التالية للأحداث أدت - كما سبق أن أشرنا - إلى تعديل مجموعة من بنود العقيدة. وقد تم إعلان على وجه التحديد أن الأسلحة النووية يجوز استخدامها لصد العدوان مع استخدام الأسلحة التقليدية.

تعتمد العقيدة العسكرية الجديدة لروسيا على تصنيف الحروب من حيث نطاقها الذي يضم الحروب الواسعة النطاق والإقليمية والمحلية، وكذلك تحديد الحروب غير المعلنة مثل النزاعات الدولية والمحلية. وأوضح أمين مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف جواز استخدام الأسلحة النووية لصد العدوان سواء كان نوويا أو غير نووي، وليس في الحروب الواسعة النطاق فحسب، بل أيضا إبان الحروب الإقليمية والمحلية.

ما هي المعايير التي تسترشد بها القيادة العليا للقوات المسلحة عند إصدار الأمر باستخدام السلاح النووي؟ يجب في الواقع توفر شرط واحد فقط، وهو نشوب نزاع يمثل تهديدا بالغ الخطورة للأمن القومي الروسي. وينطبق هذا الشرط سواء على حرب واسعة النطاق مع كتلة تضم عددا من الدول الأجنبية أو النزاع الحدودي بين عدة دول متطورة عسكريا.

ما أدى إلى خفض عتبة استخدام الأسلحة النووية إلى مستوى النزاعات المحلية؟

أولا: تراجع القدرات العسكرية لروسيا مقارنة بالحقبة السوفيتية، مما أدى إلى زيادة عدد الدول التي قد تشكل النزاعات معها تهديدا بالغ الخطورة للأمن القومي.

ثانيا: من الواضح أن الوضع في العالم غير مستقر، حيث يحصل عدد متزايد من الدول على أسلحة دمار شامل.

ثالثا: تم تطوير السلاح النووي بشكل عام، حيث تعد الذخائر الحديثة أصغر حجما وquot;أنظف بيئياquot; من سابقاتها. إنها تحولت من وسيلة التخويف إلى سلاح حقيقي. تسمح أسلحة الدقة العالية من الصواريخ والقنابل بتوجيه الذخائر نحو الأهداف الإستراتيجية الخاصة تحت حماية مشددة دون إحداث كارثة بيئية كبرى، وذلك على عكس الذخائر من الجيل السابق.

وبالنسبة للأسلحة التقليدية، فإن الدبابات من فئة quot;ت-72quot; وquot;ت-80quot; حلت محل quot;ت-55quot;، وقد اُستبدلت الطائرات من أطرزة quot;ميغ-17quot; وquot;إل-28quot; بـquot;ميغ-29quot; وquot;سو-27quot; وquot;سو-24quot; إلخ، مما زاد من قدرات الجيوش الحديثة. حدث ذلك أيضا في المجال النووي. ظلت الأسلحة النووية التي تم اختراعها منذ أكثر من ستين عاما وسيلة التخويف دون الاستخدام الذي كان يؤدي حتما إلى نهاية العالم. من الخطأ أن نعتبر أن الوضع يبقى كما هو على خلفية الظروف المتغيرة.