في تقرير لها تحت عنوان quot;صدع يشق صفوف المحافظين في ايرانquot;، تكشف اليوم مجلة فورين بوليسي الأميركية النقاب عن أن سلسلة من الانشقاقات السياسية وقعت أخيرا ً في تيار المحافظين الإيراني بالتزامن مع استطلاع حديث للرأي، تبين من خلالهما أن الرئيس أحمدي نجاد بدأ يفقد الدعم بين المحافظين الذين كانوا يشكلون سنده يوماً ما. وتمضي المجلة لتؤكد في هذا السياق على أن الدائرة المحيطة بنجاد بدأت تتصلب وتتقلص. بل والأكثر من ذلك ndash; طبقا ً للمجلة - هو أن حلفائه السابقين بدؤوا ينقلبون عليه.
تكشف المجلة النقاب عن أن النظام الإيراني يبدو عازما ً الآن على انتهاج سياسة دكتاتورية في الداخل وعزلة في الخارج، أيا ً كان الثمن. وتشير المجلة في ذات السياق إلى أن رفض ايران للمفاوضات الغربية الخاصة بالتفاوض على اتفاق حول برنامجها النووي والاهانة المضافة لخططها المعلن عنها أخيرا ً بخصوص توسيع نطاق برنامجها لتخصيب اليورانيوم بمقدار عشرة أضعاف، كلها كانت دلائل واضحة على أن القادة المحافظين الأكثر هدوءا ً في طهران وقم فقدوا حظوتهم لصالح متشددي أحمدي نجاد. فعلى سبيل المثال، بدأ يتنامى شعور على نحو متزايد لدى كثير من المتدينين الإيرانيين وبعض رجال الدين المحافظين بأن النظام الثيوقراطي أصبح غير إسلامي.
وتلفت المجلة هنا إلى أن المظاهرات التي نشبت في السابع من شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري في عدد من المدن الإيرانية لم تشتمل فقط على طلاب غربيين وإنما على إيرانيين محافظين أيضاً. وفي حين حاولت الجمهورية الإسلامية أن تحبط تلك التجمعات بفرضها قيود على الإنترنت وسعيها لتحجيم الوصول إليه، إلا أن ذلك لم يمنع الإيرانيين من التظاهر في الشوارع. وهو ما رأت المجلة أنه من بين الأدلة التي تبين أن الإيرانيين المحافظين أضحوا معارضين بصورة متزايدة للدولة، حتى وإن لم يكن عادة ً ما يأتي ردهم من خلال المشاركة في أعمال الفوضى الاجتماعية.
إلى هنا، تلفت المجلة إلى استطلاع الرأي الذي أجرى مؤخرا ً في إيران، وأظهر أن المحافظات التي سبق وأن أعلنت عن تأييدها الواسع لنجاد، قد بدأ يعبر سكانها الآن عن تمنياتهم لو أنهم لم يمنحوا أصواتهم له. وتنوه المجلة إلى أن هذا الاستطلاع أجرى على ما يزيد عن 11 ألف شخص من 11 قرية ريفية صغيرة في محافظتي فارس وأصفهان، خلال أربعة فترات بدءا ً من صيف عام 2008 ( قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في الثاني عشر من شهر يونيو/ حزيران الماضي ) وحتى خريف 2009.
وقد تبين من خلال اقتراعين أجريا قبل الانتخابات أن نجاد حظي بنسبة من التأييد قدرها 58 % بالمناطق الريفية، وبنسبة 44 % في المناطق الحضرية الصغيرة. لكن الأمور اختلفت تماما ً بعد الانتخابات، حيث أظهر اقتراعا ما بعد الانتخابات أن 39 % من الشباب و 23 % ممن تجاوزت أعمارهم الخامسة والأربعين، وسبق لهم أن صوتوا لأحمدي نجاد، باتوا يعربون الآن عن أسفهم لمنحه أصواتهم. وتبين أن من ضمن الأسباب التي دفعتهم لاتخاذ هذا الموقف المضاد، هو وقائع اغتصاب وقتل وتعذيب الشبان والشابات ممن شاركوا في سلسلة التظاهرات التي أعقبت انتخابات الرئاسة الأخيرة، وكذلك الاعتقاد بأن نجاد هو من يتحمل أزمة البلاد الاقتصادية.
وشددت المجلة في هذا الإطار كذلك على الاعتراف الذي أدلى به 57 % ممن قالوا أنهم لم يعودوا من أنصار نجاد، والذي يتحدثون فيه عن تلقيهم أموالا ً من برنامج الدعم الذي قام بإرسائه لضمان الحصول على الدعم من فئات الشعب الإيراني الأشد فقرا ً. وتمضي لتشير في محور آخر إلى أن نجاد يواجه كذلك معارضة شعبية متزايدة من جانب المحافظين التقليديين. وتقول إنه من الممكن أن يتم النظر إلى تصرفاتهم على أنها نوع من أنواع الاعتراض على أحمدي نجاد ومؤيده شديد البأس، المرشد الأعلى علي خامنئي. كما تكشف عن أن رجال دين من اليمين التقليدي بدؤوا ينضمون إلى اليساريين، مثل آية الله حسين علي منتظري وآية الله محمد موسوي، في خطوة من جانبهم للابتعاد عن الفيصل السياسي الخاص بالرئيس أحمدي نجاد.
كما تلفت المجلة إلى الاستقالة التي تقدم بها رجل الدين البارز آية الله عبد الله جوادي أمولي، الذي كان يعد واحدا ً من أبرز رجال الدين المحافظين في إيران. وتشير إلى تقدم ثلاثة آخرين من زعماء الدين في قم بالاستقالة من مناصبهم، على الرغم من هيبة ونفوذ المنبر، بعد انتقادهم الأحداث التي شهدتها إيران في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي جرى سرقتها. وتختم المجلة حديثها في النهاية بالقول إنه في الوقت الذي تتقلص فيه الدائرة الداخلية القوية للنظام، تتم الآن عملية لإبعاد الشخصيات البارزة سابقا ً في المجال السياسي أيضا ً. وتقول إن هؤلاء الساسة المحافظين والشخصيات العسكرية لم يعد أمامهم مكانا ً يذهبون إليه: فقد خاب أملهم مع أحمدي نجاد وعصبة خامنئي، وهم الآن على خلاف كذلك مع القادة الرمزيين لحركة المعارضة، بمن فيهم مير حسين موسوي، ومهدي كروبي، والرئيس السابق محمد خاتمي.
التعليقات