واشنطن: بدأت دول الجوار العراقي، لاسيما سوريا والمملكة العربية السعودية، في مراجعة سياساتها تجاه العراق وإعادة النظر في مواقفها إزاء قضاياها المشتركة معها، في وقت يتصاعد فيه الحديث عن سياسة جديدة للولايات المتحدة الأميركية تجاه العراق في عهد أوباما، قائمة على سحب القوات الأميركية من العراق ـ وهو ما أعلنه أوباما في خطابه الأسبوع المنصرم ـ وانتقال قيادة العمليات الأمنية للعراقيين تمهيدًا لسحب القوات الأميركية من العراق بحلول نهاية عام 2011.

ونظرًا لأهمية الدور السوري والسعودي في العراق، لاسيما الأخير الذي يدعو إليه كثيرون داخل الإدارة الأميركية بحيث يكون هناك دور سعودي سني موازٍ للدور الإيراني الشيعي المتزايد في العراق؛ اهتمت الأوساط الأكاديمية والسياسية ببحث وتحليل تغير سلوك كل من سوريا و السعودية تجاه العراق. وفي هذا الإطار تأتي الدراسة المتميزة التي نشرها quot;معهد السلام الأميركيquot; بالتعاون من quot;مركز هنري ستيمسونquot;. quot; تحت عنوان quot;العراق، دول الجوار، وإدارة أوباما: منظور سوري ndash; سعوديquot;، أعدها مجموعة من الخبراء التابعين للمعهد، كمحاولة لإلقاء الضوء على تلك القضايا المشتركة بين العراق و دول الجوار، فضلاً عن الوقوف على أسباب تعديل مواقفها من تلك القضايا.

تنطلق الدراسة من أن هناك كثيرًا من التحديات السياسية التي يواجهها العراق رغم التحسن الأمني الذي شهده خلال العامين الماضيين، حيث مازال يعاني العراق من انقسامات سياسية عميقة تؤدي إلى تصاعد أعمال العنف من حين إلى آخر، ناهيك عن التخوف من وصول حكومة شيعية تسلطية إلى سدة الحكم نتيجة عزوف السنة عن المشاركة السياسية، بالإضافة إلى التحدي القادم هذا العام المتمثل في الانتخابات البلدية والتشريعية، كما أن تصاعد الخلافات بين العرب والأكراد تسهم بشكل بالغ في إمكانية اندلاع أعمال عنف جديدة فيما بين الجانبين. وهو الأمر الذي يفرض أن تلعب دول الجوار دورًا هامًّا وخطيرًا من أجل تحقيق مصالحها في المنطقة في ظل هذا الزخم من التحديات السياسية والأمنية.


تغير في موقف دول الجوار بعد الغزو

تقوم الدراسة على فرضية رئيسة مفادها، أن موقف دول الجوار من القضية العراقية وموقف الولايات المتحدة من دول الجوار العراقي قد حدث فيهما تغيرًا كبيرًا بين الثلاث سنوات الأولى من الغزو الأميركي للعراق (مارس 2003) وبين الفترة اللاحقة أي منذ بداية عام 2007. ففي السنوات الثلاثة الأولى أظهرت دول الجوار معاداة شديدة للغزو الأميركي للعراق استنادًا إلى أنها أدت إلى اندلاع أعمال العنف وزعزعة الاستقرار، فضلاً عن دورها في وصول الشيعة إلى السلطة. ولتلك الأسباب لم تبادر تلك الدول بالقيام بدور إيجابي في الأزمة، وعلى الجانب الآخر لم ترحب الولايات المتحدة بدور دول الجوار أو حتى مواقفها حيال الأزمة.

لكن بحلول عام 2007، تغيرات توجهات دول الجوار بشكل واضح حيث بدأت في الانخراط في علاقات طبيعية سواء ـ أكانت ثنائية أو جماعية ـ مع العراق ولعل أبرز تجليات ذلك إقامة اجتماعات عديدة على المستويات الرسمية لاسيما المستوى الوزاري، وتكوين مجموعات عمل مؤلفة من مسئولين تابعين لتلك الدول لمناقشة المسائل ذات الطبيعة الأمنية، ومشاكل اللاجئين، والأمور المتعلقة بالطاقة والاقتصاد، ذلك فضلاً عن ازدياد عقود الاستثمار وإعادة الأعمار بين تلك البلدان، ذلك في ظل تشجيع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن لدول الجوار من أجل تدشين سلام إقليمي شامل.


العراق في الاستراتيجية السورية

تشير الدراسة إلى أن العراق في حد ذاتها لا تمثل الشاغل الرئيس لسوريا في إطار علاقتها معها، وإنما تنظر سوريا للعراق على اعتبار أنها تمثل أحد العناصر المكونة للمنطقة التي تعج بالأزمات الأخرى لاسيما النزاعين الإسرائيلي ـ الفلسطيني والإسرائيلي ـ اللبناني، كما أنها تعتبر عامل حاسم في إطار علاقتها مع القوى الدولية الأخرى خاصة الولايات المتحدة الأميركية. بحيث يرى كثيرٌ من السوريين وفقًا للدارسة أن الولايات المتحدة هي اللاعب الرئيس والمهيمن على مقدرات اللعبة السياسية العراقية، وأنه لابد من مناقشة المسألة العراقية في إطار العلاقات الأميركية ـ السورية.

وفى هذا الإطار أشارت إلى أن السوريين لازالوا غير قادرين على استيعاب الآثار التي قد تنتج عن الانسحاب الأميركي من العراق وما يصاحبه من تمكين حكومة عراقية جديدة، فضلاً عن تأكيدهم على أنه على الرغم تحسين أوضاع قوات الأمنية العراقية منذ عام 2006 إلا أن هذا لم يغير كثيرًا في المعادلة الأمنية العراقية، وأن الولايات المتحدة لا تزال صاحبة اليد العليا فيما يتعلق بالمعضلة الأمنية في العراق، وذلك على عكس ما ينادى به كثيرٌ من الأميركيين والعراقيين.

وفى سياق ليس ببعيد، أكدت الدراسة على أن أحد الشواغل الرئيسة لسوريا هي الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية، وذلك يتم عن طريق تشكيل حكومة مركزية قوية تسعى للحافظ على هوية وطنية موحدة ومشتركة، وليست هوية ذات طابع طائفي أو إثنى.


القضايا الرئيسة في العلاقات السورية ـ العراقية

وفى معرض تحليلها أكدت الدراسة على أن العلاقات السورية ـ العراقية يتحكم في مسارها عدة قضايا على قدر كبير من الأهمية والتشابك لعل أبرزها ما أطلقت عليها الدراسة مسألة الطائفية ورد فعلها السلبي، قضية تصدير المحاربين، مشكلة اللاجئين العراقيين، استضافة المعارضة، وأخيرًا الموضوعات التجارية والاقتصادية.

وترى الدراسة أن مسألة الانقسامات العرقية والطائفية في العراق، فضلاً عن صعود الحركات الإسلامية المتطرفة تمثل خطرًا بالغًا على سوريا على أساس إمكانية انتقالها إليها عن طريق ما يسمى بالتدفق الانتشاري، وذلك باعتبار أن سوريا هي الأخرى تتسم بالتعددية الطائفية. وفى هذا السياق تؤكد على أن تلك التخوفات السورية لها ما يبررها على أساس أن سوريا تعاني من عدم تجانس طائفي ينعكس على النخبة الحاكمة السورية التي تنتمي إلى العلويين الذين يمثلون أقلية في المجتمع السوري.

أما فيما يتعلق بقضية تصدير المحاربين الأجانب، تشير الدراسة في هذا السياق إلى أن محاربين حركة الجهاد الذين كانت سوريا تقوم بتسهيل دخلوهم إلى العراق عبر الحدود السورية ـ العراقية قد قل عددهم بشكل ملحوظ عما كان عليه بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث كانت تستهدف من ذلك تقويض قوة الولايات المتحدة الأميركية ورفع تكلفة الحرب، ولكن مع ازدياد حالة عدم الاستقرار وبزوغ نجم الحركات الإسلامية والطائفية، خشيت سوريا من تأثيرات ذلك عليها فبدأت في تقويض دخولهم للعراق عن طريق ضبط حدودها، هذا بالإضافة إلى محاولة تجنب عداء الولايات المتحدة التي كانت تنوي تغيير النظام السوري أسوة بالنظام العراقي المخلوع.

تمثل مشكلة ازدياد تدفق اللاجئين العراقيين إلى الأراضي السورية أزمة حقيقة، حيث يفتقد كثيرٌ منهم مقومات الحياة الأساسية ويعيشون في أماكن مزدحمة وأحوال نفسية وبدنية غير صحية، كما أن ازديادهم يؤثر بشكل بالغ على البنية التحية لاسيما الأبنية التعليمية والصحية، ذلك فضلاً عن إمكانية تحولهم على المدى الطويل إلى مصدر للتطرف وعدم الاستقرار.

بالنسبة لاستضافة المعارضة تؤكد الدراسة على أن سوريا على مدار العقود السابقة لم تغير من سياساتها، حيث داومت دائمًا على استضافة الأحزاب والأفراد المعارضين للنظام الحاكم في العراق. وهذا ما تفعله سوريا الآن في ظل التواجد الأميركي في العراق.

وعلى مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية، تشير الدراسة إلى أنه عندما تتوفر حالة من الاستقرار في العراق سوف تكون سوريا أولى المستفيدين من الناحية الاقتصادية والتجارية، وذلك حيث تعتبر العراق البوابة الرئيسة للصادرات والسلع السورية بخاصة الزراعية منها والأغذية المحفوظة إلى أوروبا، هذا بالإضافة إلى الفائدة التي ستعود على سوريا من جراء إعادة إصلاح وإعادة تشغيل خطوط أنابيب النفط.


الأزمة العراقية من المنظور السعودي

فيما يتعلق بالموقف السعودي من الغزو الأميركي للعراق، أكدت الدراسة على أن السعودية قد صدمت وأصيبت باستياء شديد من الموقف الأميركي المتمثل في تجاهل نصائحها أو بالأحرى فشلت في التشاور معها بشان الأمور الحرجة المتعلقة بالعراق وذلك من منطلق الشراكة الوطيدة التي تجمع بينهما، بحيث أشارت الدراسة إلى أن إدارة بوش لم تكن على استعداد أن يملي عليها أي طرف مهما كان ما يجب أن تفعله في العراق، كما أنها لم تكن راغبة في عقد أي شراكة نزيهة فيما يتعلق بالأمور الحيوية في العراق. وفى هذا الإطار وصفت مختلف الأوساط السعودية الإدارة الأميركية بأنها تتعامل مع المسألة العراقية بصورة منفردة بعيدة عن مصالح دول الجوار، ذلك على الرغم من التداخل الشديد بينها و بين الأزمات الأخرى التي تعانى منها المنطقة.

ومن هذا المنطلق، وصفت الدراسة ما قامت به الولايات المتحدة من منع المملكة العربية السعودية من المشاركة في عراق ما بعد صدام حسين حتى على المستويات الاقتصادية والتجارية بأنه تهور كبير، الأمر الذي أعطى الفرصة لزيادة النفوذ الإيراني في العراق كنتيجة للفراغ السياسي الذي خلفته حالة الحرب، وذلك فضلاً عن المنع الأميركي للقوى الإقليمية الأخرى من الانخراط في العراق.


القضايا الرئيسة في العلاقات السعودية ـ العراقية

وفى إطار استعراضها لأهم القضايا التي تحكم العلاقات السعودية ـ العراقية، أشارت الدراسة إلى عدد من القضايا لعل أبرزها الدعم السياسي للحكومة العراقية، مسألة تأمين الحدود، تحرير العراق من العزلة، وأخيرًا الموضوعات التجارية والاقتصادية لاسيما مسألة تخفيف الديون.

تعتلي قضية تقديم الدعم السياسي للحكومة العراقية قائمة الأولويات السعودية في العراق، حيث أكدت الدراسة على أن مختلف الأوساط السعودية ليس لديها أي مشكلة في التعامل مع النخبة السياسية ما بعد صدام حسين بقطع النظر عن الطائفة التي تنتمي إليها، طالما أن الحكومة العراقية تضم كافة العناصر الرئيسة في المجتمع العراقي. وتأسيسًا على ذلك أكدت الدراسة على أن السعودية ليس لديها أي اعتراض على تقديم الدعم للحكومة حتى إذا كانت ذات توجهات شيعية طالما أنها تراعي مصالح كافة العراقيين دون تمييز. وفى سياق متصل أكدت السعودية على السبب الرئيس حول عدم تواجد تمثيل دبلوماسي لها في العراق هو للأسباب الأمنية وليس لأي اعتبارات سياسية أخرى.

أما فيما يخص مسألة الحدود، تفسر الدراسة السلوك السعودي المتمثل في إقامة مشروعات أمنية ضخمة على حدودها مع العراق إلى تخوفها الشديد من انتقال أعمال العنف إلى أراضيها من خلال ما أسمته الدراسة التدفق الانتشاري، حيث أدى أن انتشار الأعمال الإرهابية في العراق التي أعلن تنظيم القاعدة مسئوليته عنها إلى زعزعة الاستقرار في المملكة العربية السعودية عن طريق انتقال تلك الأعمال الإرهابية إلى أراضيها.

كما أرجعت الدراسة جهل كثيرٍ من السعوديين بآخر التطورات السياسية على الساحة العراقية حتى في الأمور التي تتعلق بالطائفة السنية إلى العزلة العراقية، التي عانت منها العراق إبان فترة الرئيس السابق صدام وما بعدها نتيجة العنف والفوضى التي أحدثها الاحتلال الأميركي للعراق.

أما فيما يتعلق بالبعد الاقتصادي للعلاقات، أكد الخبراء في هذه الدراسة على أنه رغم إبداء السعودية استعدادها من فتح قنوات اقتصادية وتجارية جديدة مع العراق، فضلاً عن إعفائها من ديون النظام السابق، إلا أن ذلك لا يزال بعيدًا مادامت الخلافات السياسية قائمة بين حكومة المالكي والرياض.


ماذا تنتظر دول الجوار من أوباما؟

مع قدوم الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما انتشرت حالة من التفاؤل الشديد على كافة الأوساط السياسية في مختلف بلدان العالم، ولعل أبرزها دول الجوار العراقي لاسيما سوريا والسعودية نظرًا لما عانته تلك الدول من تداعيات السياسة الأميركية للإدارة السابقة في العراق.

فعلى المسار السوري، أشارت الدراسة إلى أن سوريا تنتظر كثيرًا من الرئيس الجديد أوباما وإدارته ولعل أبرز ما تنتظره هو تحسين العلاقات السورية ـ الأميركية التي كانت قد تدهورت بشكل ملحوظ إبان فترتي إدارة بوش، وذلك انطلاقًا من المصالح الأميركية ـ السورية المشتركة في العراق لعل أهمها القضاء على انتشار الحركات الإسلامية المسلحة والعنف الطائفي والعرقي، فضلاً عن الوصول بالعراق إلى حالة من الاستقرار والوحدة. وتأسيسًا على ذلك تأمل سوريا في فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة. وفى هذا السياق تؤكد الدراسة على أنه على الرغم من تلك الرغبة إلا أن دمشق لا تزال تنتظر قيام واشنطن بالخطوة الأولى على هذا الطريق.

أما بالنسبة للسعودية، تؤكد الدراسة على أنه رغم التفاؤل السعودي تجاه انتخاب أوباما وإدارته الجديدة إلا أنها لا تنتظر تغيرًا كبيرًا في السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة، كما أكدت الأوساط السعودية وفقًا للدراسة على أن الرئيس الجديدة وإدارته لابد أن يتعاملوا ـ على قدم وساق ـ مع أزمة فقدان الشرعية والمصداقية التي خلفتها إدارة بوش السابقة.