واشنطن: يصل الرئيس الأميركي باراك أوباما هذا الأسبوع إلى جامعة القاهرة لإلقاء خطابه المنتظر أمام العالم الإسلامي، وهناك سلسلة مفارقات في اختياره، أولها أنه سبق له أن ألقى الخطاب الأول في اسطنبول في آذار/مارس الماضي، عندما وعد بإشراك الإسلام على أسس quot;الإحترام المتبادلquot;.
أما المفارقة الثانية، فهي أن أوباما لم يختر المكان الفعلي للإسلام الحديث، وهو الدولة التي ترعرع فيها أي إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث عدد السكان، فبالاضافة الى باكستان وبنغلادش،وإلى المسلمين في الهند الذين يبلغ عددهم 150 مليوناً ،هناك أكثر من ضعف المسلمين في آسيا بالمقارنة مع العالم العربي.
وبالفعل، فإن عدد المسلمين في جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى يفوق عدد المسلمين العرب، وفي حال استمرار الاتجاهات الديموغرافية الحالية،فقد تضم منطقة جنوب الصحراء غالبية المسيحيين والمسلمين في العالم بحلول عام 2050،وأوباما مطلع على تقاليد الإسلام في إفريقيا،فوالده مسلم كيني، كان جزءاً منها.
والمفارقة الأخرى أن مصر لم تعد قلب العالم العربي بلا منازع، كما كانت في عهد الرئيس عبد الناصر في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وفي عهد أنور السادات في السبعينات. فقد أدت الثروة النفطية والديناميكية الاقتصادية لدول الخليج، وهبوط الدور الدبلوماسي الرسمي لمصر منذ توقيعها اتفاق سلام مع اسرائيل،.. إلى تقويض النفوذ المصري. وبهذا المعنى، فإن زيارة أوباما ستشكل هدية سياسية للحكومة المصرية.
وقال جمال عبد الجواد رئيس وحدة العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة إن هذه الزيارة ستعزز quot;موقف مصر في سياسات الشرق الأوسط، إذ يتم الإعتراف بها كدولة عظمى في العالم الإسلامي. وهذا بالتأكيد هدية لمصر ولحكومتها quot;.
وأخيراً، تشكل مصر منبراً مثيراً للمشاكل لخطاب كهذا، لأنها تدعو لمقارنته بخطاب مهم جداً ألقته في القاهرة قبل أربع سنوات وزيرة الخارجية الأميركية في حينه كوندوليزا رايس، أشارت فيه الى أن quot;الولايات المتحدة سعت على مدى 60 سنة لتحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية في الشرق الأوسط، فلم نحقق أيا منهماquot;.
وشكلت مصر نقطة محورية للسياسات الطموحة لإدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في سعيه لدمقرطة وتعزيز حقوق الإنسان في العالمين العربي والإسلامي .هذه السياسة التي باءت بالفشل رغم ما تنطوي عليه من نوايا حسنة،فيما الرئيس المصري حسني مبارك، وهو جنرال سابق في القوات الجوية، قبض على المعارضة وسجن زعيمها أيمن نور لثلاث سنوات بتهم ملفقة لكي يحافظ على حكمه الإستبدادي.
وعليه، يواجه اوباما تحدياً سياسياً في القاهرة،.. وليست زيارته مجرد فرصة ثقافية ودينية. فإذا قلل من أهمية حقوق الإنسان في مصر، سيخيب ظن الكثير من حلفاء أميركا الطبيعيين ومؤيديها في المنطقة. وإذا اكتفى بالحديث عن حقوق الإنسان من دون متابعة الأمر فستكون الخيبة بالغة. أما إذا تابع وحوّل كلامه الى سياسات جدية وصعبة، فسيقوض ذلك النظامين في مصر والمملكة العربية السعودية، واللذين يحتاج إليهما لتحقيق تقدم دبلوماسي في الشرق الأوسط .
وسبق ان سمعنا الكلام، الذي أعلنه أوباما خلال تنصيبه في كانون الثاني/يناير الماضي، عندما قال quot;ليعلم من يتمسكون بالسلطة من خلال الفساد والخداع وإسكات المعارضة، أنهم يقفون في الجانب الخطأ من التاريخ، ولكننا سنمد لهم اليد إذا كانوا على استعداد لإرخاء قبضاتهمquot;.
وزارت جموعة من الشباب الناشطين في مجال حقوق الإنسان المصرية،الأسبوع الماضي هيلاري كلينتون في وزارة الخارجية،التي قالت لهم quot;اعتقد ان ثمة وعيا من جانب الحكومة المصرية أنه بفضل شباب كهؤلاء وبتعزيز التواصل فالمصلحة تقضي التحرك باتجاه مزيد من الديموقراطية واحترام حقوق الإنسانquot;.
ولكن بعيداً عن كل هذه القضايا، فإن الأصعب في المنطقة فك لغز السياسة الاسرائيلية- الفلسطينية. ويرى الكاتب في الأهرام جمال عبد الجواد، الذي يعكس طريقة تفكير القاهرة quot;ان الأمر يتعلق بحرص الولايات المتحدة على تطوير موقف مستقل إزاء الصراع العربي- الإسرائيلي. وما تسعى إليه الدول العربية هو مزيد من الاستقلالية للولايات المتحدة ومحاولتها الوقوف بشكل أو بآخر على مسافة واحدة من الطرفين في المنطقةquot;.
لكن المعارضة الإسلامية لمبارك أكثر قسوة. ويقول محمد حبيب نائب زعيم جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة إن زيارة اوباما ستكون quot;بلا جدوى ما لم يسبقها تغيير حقيقي في سياسة الإدارة الأميركية تجاه العالم العربي والاسلاميquot;، وذلك في تعليق على الموقع الإلكتروني للجماعة.
وأضاف ان quot;الادارة الاميركية تسعى لتوظيف الدول العربية لتنفيذ جدول أعمالها الذي يدعم دائما الكيان الصهيونيquot;. ويتعين علينا بعد أن نرى مدى استعداد أوباما للذهاب بعيداً في تشجيعه حل الدولتين، وكم سيعزز موقف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومدى قساوته على اسرائيل في مسألة المستوطنات والمساعدات المالية الاميركية. ويعني ذلك حقا كم هو مستعد للإنفاق من رأس المال السياسي للدخول في مواجهة مع اللوبي المؤيد لإسرائيل في الكونغرس. ليس هناك شك في ان أوباما سيلقي خطابا قويا وجيداً في القاهرة.. ولكن يجب التوفيق بين التوقعات التي تثيرها أصوله وخلفياته وبين واقع المصالح الأميركية والاسرائيلية والفلسطينية والفصائل الجهادية.. فالخطاب شيء، والسياسة شيء آخر.
التعليقات