موسكو: أعادت زيارة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز إلى روسيا إلى الأضواء مسألة تزويد طهران بخمس بطاريات من منظومات الدفاع الجوي الصاروخية الروسية quot;إس-300 بي إم-1quot; البعيدة المدى بقيمة 800 مليون دولار.فالرئيس الإسرائيلي يصر على أن الكرملين وافق على إعادة النظر في تزويد الجمهورية الإسلامية بهذه الصواريخ الفعالة، التي يصل مداها إلى 200 كلم. يجب القول إن المفاوضات حول هذه الصواريخ بدأت عام 2006، ولم تهدأ محاولات تعطيلها منذ ذلك الحين. إحداها تمثلت بفرض عقوبات اقتصادية أميركية منفردة في 23 أكتوبر 2006 على المؤسسة الحكومية لتصدير الأسلحة الروسية quot;روس أوبورون إكسبيرتquot; لمدة عامين.
واتخذت المساومة بشأن المنظومة منحى غريبا أحيانا، حين لمحت تل أبيب في نهاية العام الماضي إلى إمكان تزويد موسكو بخمسين طائرة من دون طيار بعدما أظهر العدوان الجورجي الأخير على أوسيتيا الجنوبية تقادم الطائرات الروسية المماثلة وعدم فعاليتها وفعالية الطائرات الإسرائيلية، التي زُودت بها تبليسي. ولتصوير الأمر وكأن إسرائيل تقوم بتضحية كبرى، بدأ الجدل هناك حول الصفقة المحتملة، فبينما أعربت وزارة الخارجية عن أملها بأن تحسن الصفقة العلاقات مع روسيا، رفضتها وزارة الدفاع quot;لتخوفهاquot; من تسرب التكنولوجيا الإسرائيلية إلى دول غير صديقة وتذرعت بممانعة أميركية، في حين لمحت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى إمكان تذليل العقبات كافة ولكن مقابل امتناع موسكو عن تزويد طهران بالصواريخ.
وأبدت تل أبيب استعدادها أيضا لمساعدة موسكو quot;في نيل وضع الدولة الكبرى النافذة في الشرق الأوسطquot;، وكذلك في المفاوضات مع الولايات المتحدة حول مشكلة نشر عناصر منظومة الردع الصاروخية في أوروبا الشرقية. وإضافة إلى ذلك، تعهدت الدولة العبرية بمراعاة المصالح الروسية مستقبلا في القوقاز وبخاصة في جورجيا. وليست هذه هي المرة الأولى، التي يؤكد فيها المسؤولون الإسرائيليون أن مفاتيح مستودعات الأسلحة الروسية قد أصبحت في جيوبهم، وأن الكرملين لن يصدر رصاصة واحدة من دون علمهم إلى الشرق الأوسط.
فقبيل زيارة الرئيس الروسي آنذاك فلاديمير بوتين في أبريل 2005 إلى إسرائيل، صرح مسؤول إسرائيلي طالبا عدم ذكر اسمه لوكالة فرانس بريس بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون سيسعى quot;لدفعquot; بوتين لإلغاء صفقة صواريخ روسية مضادة للطائرات إلى سوريا. غير أن بوتين شدد في حديثه للتلفزيون الإسرائيلي عشية زيارته على أن الصفقة ستتم... وأوضح متخليا عن كل التحفظات الدبلوماسية، أن هذه الصفقة ستضع حدا لتحليق الطائرات الإسرائيلية فوق القصر الجمهوري السوري. وتدخل في هذا الإطار زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولميرت إلى موسكو مطلع أكتوبر 2008.
آنذاك لم يبخل أولميرت بمديح روسيا quot;الدولة الكبرى العالمية والجبارة والمهمة من الناحية العسكرية وكذلك الاقتصاديةquot;. لكنه على ما يبدو لم يمس شَغاف قلب نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي quot;تهرب من اللقاء معه، ولم يمد يده لمصافحتهquot;، كما أكدت إذاعة القناة السابعة الإسرائيلية، وفضل الاحتفال بعيد ميلاده في مدينة سان بطرسبورغ. وفشلت الزيارة على الرغم من تصريح الناطق باسم الخارجية أندريه نيستيرينكو آنذاك بأن موسكو لن تورد أسلحة متطورة إلى المناطق quot;المضطربةquot; ولن تخل بتوازن القوى في الشرق الأوسط. فالدبلوماسي الروسي رفض تحديد هذه الدول، أو تأكيد رفض موسكو تزويد طهران بمنظومات الدفاع الجوي.
وتشبه تصريحات الرئيس الإسرائيلي الحالية تبجح ذلك الغر الطامح للزواج من إحدى حسناوات قريته، قائلا إنه موافق على الزواج منها ووالديه بل وأقاربه أيضا ولم يبق إلا القليل - الحصول على موافقتها. ورغم إشادة بيريز في موسكو بدور الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية. فالعروس الروسية لم تخرج عن صمتها، ما دفع صحيفة quot;فريميا نوفوستييquot; إلى القول إن الشيء الوحيد، الذي وافق عليه الطرفان بشكل كامل هو رفض التقليل من دور الاتحاد السوفييتي في هذه الحرب أو إنكار quot;الهولوكوستquot;.
وفي الوقت نفسه، ذكرت مصادر إعلامية روسية أن عمليات شحن الصواريخ قد بدأت في نهاية العام الماضي ولكن ليس إلى إيران بل إلى بيلاروس، التي ستحصل على طرازات جديدة من الصواريخ الروسية في حين ستقوم مينسك بتوريد منظومتين مماثلتين لا تقلان فعالية وإن كانتا أقل حداثة إلى طهران. وبالنظر إلى أن مجمع الصناعة العسكرية الروسية لا يستطيع إنتاج أكثر من منظومتين في ثلاثة أعوام فلن تتعدى الصفقة هذا العدد، ولكن ذلك ينتظر القرار السياسي من الكرملين، الذي لا يزال ينتظر أجوبة حاسمة من طهران بالذات وليس تعليمات من تل أبيب أو واشنطن لإلغاء أو بدء توريدها.
فعلى الرغم من الدعم الإيراني لحليفة روسيا، أرمينيا، المحاصرة من جانب آذربيجان، والدور الإيراني الإيجابي في شمال القوقاز، في موازاة توسع النفوذ التركي هناك، فإن طهران تبقى مفاوضاً صعباً مع موسكو، إذ لم يتمّ التوصل حتى الآن إلى اتفاق على وضع بحر قزوين معها، ولم تخفض طهران ولو مؤقتاً تخصيب اليورانيوم كما تصر موسكو. أضف إلى ذلك هزيمة الإصلاحيين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، الذين كان الكرملين في حقيقة الأمر يعول على فوزهم للتخفيف من حجم الخسائر السياسية، التي يتكبدها على الصعيد الدولي، بفعل مواقف القيادة الإيرانية الحالية المتشددة.
التعليقات