إعداد عبدالاله مجيد: نشرت صحيفة quot;واشنطن بوستquot; مقالاً تحليليًّا للمعلّق دايفيد إغناتيوس يتناول تردّي الوضع الأمني في العراق وأسبابه بالارتباط مع استقالة رئيس الاستخبارات العراقية والنفوذ الإيراني في البلد. وجاء في المقال: quot;مع تردّي الوضع الأمني في بغداد، ثمّة سبب جديد للقلق. فإنّ رئيس جهاز الإستخبارات الوطنيّة العراقيّة الذي تولّت الولايات المتّحدة تدريبه استقال بعد خلاف مديد مع رئيس الوزراء وبذلك حرمان هذا البلد من قائد مهمّ في المعركة ضد الإرهاب الطائفيquot;.

إستقال الفريق محمد الشهواني الذي تولّى رئاسة الاستخبارات العراقيّة منذ عام 2004 في آب/أغسطس بسبب ما اعتبره محاولات يقوم بها المالكي لإضعاف جهازه وتمكين الجواسيس الإيرانيين من العمل بحريّة. ويبدو أنّ استقالته فاجأت وكالة المخابرات المركزية (CIA) التي عملت بصورة وثيقة مع الشهواني منذ أن انتقل إلى حياة المنفى في التسعينات من القرن الماضي،وأنفقت مئات ملايين الدولارات في تدريب الاستخبارات الوطنيّة العراقيّة.

تتبدّى ظروف الفوضى في العراق التي دفعت الشهواني إلى الاستقالة في عدّة أحداث وقعتأخيرًا، ويشير كلّ حدث منها إلى أنّ السلطات العراقيّة، من دون دعم الولايات المتّحدة، مكشوفة الآن على نحو خطر للضغوط، لا سيّما من الجارة إيران. عمليّة السطو الجريئة على مصرف الرافدين الحكومي في وسط بغداد التي يبدو أنّ منفّذيها من عناصر جهاز أمني، كانت إنذار مبكرًا. فإنّ مسلّحين اقتحموا المصرف وسرقوا نحو 5.6 مليارات دينار عراقي أو زهاء الـ5ملايين دولار، وبعد اشتباك خلَّف ثمانية قتلى، هرب اللصوص إلى مكاتب جريدة يديرها نائب رئيس الجمهوريّة عادل عبد المهدي.

إعترف عبد المهدي، الذي كان في السابق من أصحاب الحظوة لدى الولايات المتّحدة، بأنّ أحد اللصوص ينتمي إلى القوّة المسؤولة عن حمايته لكنّه نفى ضلوعه شخصيًّا في العملية بحسب تقارير صحفية عراقية. أُعيد بعض المال المسروق ولكن يُعتقد بأنّ البقية في إيران مع بعض أفراد العصابة التي نفّذت عملية السطو. السبب الثاني لقلق الشهواني هو التهديدات التي استهدفت أفراد جهازه البالغ عددهم نحو 6000. فقد أصدرت حكومة المالكي مذكّرات إلقاء قبض بحقّ 180 ضابطًا من عناصر الاستخبارات العراقيّة لارتكابهم جرائم مزعومة يقول أنصار الشهواني إنّها في الحقيقة انتقام سياسي لأدائهم واجبهم. ومنذ تشكيل الاستخبارات الوطنية العراقية عام 2004 قتل 290 من ضباط الجهاز، الكثير منهم استهدفهم عملاء في المخابرات الإيرانية.

باستقالة الشهواني، إنتقلت إدارة جهاز الاستخبارات إلى الفريق زهير فاضل وهو طيار سابق في سلاح الجو العراق في عهد صدام حسين. ولكن تردّد أنّ بعضًا من ضباط الفريق فاضل الأساسيين أخذوا يفرّون طالبين الأمان في الأردن ومصر وسوريا خشية أن يكونوا أهدافًا لفرق اغتيالات إيرانية إذا بقيوا في العراق. وجد انهيار الأمن والنظام في العراق تعبيره الأشدّ دراماتيكية في عمليات التفجير التي استهدفت وزارة الخارجية ومؤسسات أخرى بشاحنات مفخّخة في 19 آب/أغسطس وأوقعت أكثر من 100 قتيل و500 جريح. وهنا أيضًا ثمّة دلائل على أنّ أجهزة أمنيّة عراقيّة ربما ساعدت الإرهابيين.

قال وزير الخارجية هوشيار زيباري بعد التفجيرات: quot;لا أستبعد أن يكون هناك تعاون من جانب الأجهزة الأمنيّة. علينا أن نواجه الحقيقة. فقد شهد الوضع الأمني تردّيًا واضحًا خلال الشهرين الماضيينquot;. مَنْ المسؤول عن هذا الدمار؟ في عراق اليوم المنفتح على نظريات المؤامرة ذات الأبعاد الطائفية بثّت حكومة المالكي التي يقودها شيعة اعترافات مزعومة قدّمها بعثي سنّي اسمه وسام علي كاظم ابراهيم قائلاً إنّ مؤامرة الشاحنات المفخّخة حيكت في سوريا وإنّه دفعلحرّاس الأمن10 آلاف دولار ليتمكّن من المرور عبر حواجز التفتيش.

لكنّ الأدلّة العدليّة تشير إلى دور إيراني محتمل، بحسب مصدر إسخباراتي عراقي قريب من الشهواني. وقال المصدر إن الآثار التي خلفتها مادّة سي ـ 4 المتفجرة في مواقع التفجير مماثلة لمتفجرات إيرانيّة الصّنع ضُبطت في الكوت والناصرية والبصرة ومدن عراقية أخرى منذ عام 2006. قال هذا المصدر الإستخباراتي العراقي إنّ ارتباطات المالكي بإيران من القوّة بمكان حيث أنّ رئيس الوزراء يستخدم طائرة إيرانية ذات طاقم إيراني في رحلاته الرسميّة. ويقال إنّ الإيرانيين نقلوا إلى المالكي عرضًا لمساعدة حزب الدعوة الذي يتزعمه على الفوز بتسعة وأربعين مقعدًا في الانتخابات البرلمانية في كانون الثاني/يناير المقبل إذا أجرى المالكي تعديلات وزارية تريدها إيران في حكومته.

فيما ينهار الوضع الأمني في العراق، تقف القوّات الأميركيّة هناك موقف المتفرّج تقريبًا. وحتّى في المناطق التي ما زال عناصر تنظيم quot;القاعدةquot; أقوياء فيها مثل الموصل، لا يمارس الأميركيّون سيطرة تُذكر. فالإرهابيون السنّة الذين يُلقى القبض عليهم سرعان ما يطلق العراقيّون سراحهم مقابل رشاوى تصل إلى الـ100 ألف دولار بحسب مصدر عراقي. هل ينبغي أن يحاول الأميركيّون إعادة النّظام؟ أجاب المصدر الإستخباراتي العراقي الكبير بأسى أنّه قد يكون من الحكمة quot;الابتعاد عن الأمر وتوخّي الأمانquot;. ولدى الإلحاح عليه بالسؤال عمّا سيكون عليه بلده بعد خمس سنوات من دون مساعدة أميركيّة أجاب المصدر بصراحة: quot;إنّ العراق سيكون مستعمرة إيرانيةquot;.