عاش علي فيصل اللامي نائب مدير هيئة اجتثاث البعث العراقية قصة quot;غير عاديةquot; على حد قوله خلال بقائه 351 يومًا في السجون التابعة للقوات المتعددة الجنسية، وخلال حديثه مع quot;ايلافquot; روى اللامي تفاصيل حياته التي وصفها بغير العادية خلال وجوده في السجن، وشرح كيف تعرض للتعذيب، كاشفًا عن حديث دار بينه وبين قائد القوات المتعددة الجنسية من خلال دائرة تلفزيونية مغلقة، من أجل دفعه إلى التعاون مع المحققين. كما كشف عن أسرار تتعلق بالأميركيين وتكلم أيضًا عن كره بعض الاطراف الحكومية والبرلمانية له خصوصًا في الائتلاف الحاكم.

بغداد: بعد أن أمضى 351 يومًا في السجون التابعة للقوات المتعددة الجنسية ، اطلق سراح علي فيصل اللامي نائب مدير (هيئة اجتثاث البعث)عاش خلالها أيامًا يقول انه تعرض فيها لشتى ضغوط الاستجواب وبشتى اساليب الترهيب والتخويف من اجل الحصول على كلمات قليلة منه تشيرالى اعتراف بان احمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي له quot;ارتباط بالحرس الثوري الايراني وفيلق القدسquot;، لكن اللامي لم يجد بدًا من الرفض ليعيش قصةبتفاصيلغير عادية . يكشف علي فيصل اللامي في لقاء مع quot;ايلافquot; التفاصيل الكاملة ليومياته التي عاشها في سجون قوات متعددة الجنسية ، متحدثا عن انواع مختلفة من التعذيب تعرض لها، كاشفًا عن حديث دار بينه وبين قائد القوات المتعددة الجنسية من خلال دائرة تلفزيونية مغلقة من اجل دفعهللتعاون مع المحققين. كما اشار الى ان الاميركيين حاولوا اقناعه بعدم التحدث عما جرى له في سجن (بلد) الذي امضى فيه (38) يومًا صعبًا، من اجل اطلاق سراحه لكنه كان يرفض وهو ما ادى الى ان يظل في سجن المطار (313) يوما .

لنبدأ من النقطة الابعد.. هل لديك علاقة سابقة مع الاميركيين؟
ابدأ.. لا توجد لدي اي علاقة مع الاميركين ومن اي شكل، ولكنني كنت اعاني من مشكلة كره بعض الاطراف الحكومية والبرلمانية لي خصوصًا في الائتلاف بسبب مواقفي تجاه المشمولين باجراءات اجتثاث البعث من كبار قادة الجيش والاجهزة الامنية التي كنت دائما اسعى الى عزلهم من الوظيفة لاشتراكهم في جرائم سابقا واستمرارهم في ارتكاب جرائم في الوقت الحاضر.

لماذا يفعلون ذلك ما دمت تقول انهم يرتكبون جرائم؟
بسبب شبكة العلاقات التي يبنيها الضباط مع المسؤولين من اجل تسهيل قضايا حركة المسؤولين وارتالهم، فكانوا يقولون (هذا خوش ادمي) ولا يريدون ان يناله الاجتثاث، وهذا سبب الكراهية ، وكان من واجبي ان اضع حدًا لهؤلاء اخذا في الاعتبار المحسوبية والواسطة، وانا منذ عملت لا اعمل بالمحسوبية ولا بالواسطة، مع العلم ان موضع الخلاف مع شخصيات الائتلاف هم كبار الضباط الشيعة العاملين في خطة فرض القانون ووزارتي الدفاع والداخلية.

الم تشعر ان هناك بوادر خلاف مع الاميركين وان لم تكن لك علاقة بهم؟
كان هناك تحسس من قبل السفارة الاميركية تجاه عملي في الاجتثاث فقد كانت لدي القدرة على ايقاف مشاريع القوانين التي حاول زلماي خليل زادة عن طريق الحكومة تمريرها الى البرلمان لاقرار قانون المساءلة والعدالة ، فكنت اقف بالضد من هذا ومنعت كل المحاولات واستطعنا تمرير قانون المساءلة والعدالة بالشكل الذي لا يسمح ببقاء العناصر البعثية الخطرة في مؤسسات الدولة الامنية.

هل يعني هذا انك ترتبط بعلاقات جيدة مع الاخرين؟
فيما عدا هذين الخلافين لا يوجد اي خلاف مع اي جهة سواء كانت سنية او شيعية ، ارتبط بعلاقات جيدة مع مجلس انقاذ الانبار والصحوات في الموصل وصلاح الدين ، وارتبط بعلاقات جيدة مع عشائر هذه المحافظات وغيرها اضافة الى علاقاتي الجيدة مع عشائر الجنوب والفرات الاوسط.

اذًا.. ما الذي اثارهم ضدك هكذا فجأة؟
بصراحة انا لا اعلم ما الذي اثارهم ، وانا فوجئت بوجود شخصين اميركيين مدنيين داخل مطار بغداد الدولي ترافقهما مجموعة من حرس المطار تابعين لشركة (كلوبل) البريطانية والتي لديها عقد عمل للحفاظ على امن المطار، فوجئت بهما يطلبان مني الذهاب معهما لعشر دقائق فقط لاجل التحقق والاستفسار حول جواز سفر، لم يثر عندي الامر اي شك، لانني لم ار اي ضابط اميركي او عراقي، ولم تكن هنالك مذكرة اعتقال صادرة عن القضاء ، كان هناك مجرد هذين الشخصين وكانا غير مسلحين.

وماذا حدث بعد؟
استقلينا سيارة نوع (نيسان باترول) وعلى مسافة سبع دقائق بالسيارة طلب مني ان اعصب عيني لاننا سندخل منطقة امنية محظورة، ربطتهما ومن ثم دخلنا وبعد نزلنا واخذوني الى المحجر، وانزعوني رباط العنق وكل حاجياتي الشخصية والتي كانت عبارة عن مبلغ (225) الف دينار عراقي و (7500) ليرة لبنانية، ادخلوني المحجر الذي كانت ابعاده (متر times; مترين) وارتفاعه (متران) كان من خشب وسقفه من البلاستك ومصدر الضوء فوق سقف البلاستك حيث يتدلى من السقف الكونكريتي.

وانت في السيارة الم تسألهم، الم تتحدث معهم؟
كنت صامتًا اغلب الوقت، وجرى حديث عادي بيني وبينهما ، سألتهما: من انتما وماذا تريدان فقالا: نريد استفسارًا فقط، وسمحوا لي بالتدخين داخل السيارة، ولكن حين طلبوا ربط عيني رفضت ، وكان معهما مترجم عراقي قال لي: الجماعة يقولون ان لم تربط عينيك بنفسك سيستخدمان القوة لان هذا مكان امني!!.

ما الهاجس الذي راودك حينذاك عن هذين الشخصين؟
انهما من الاستخبارات الاميركية، وان العملية هي عملية اختطاف، ولكن الذي كان يطمئنني ان هناك شهودا عديدين في المطار ومنهم اعرفهم، كموظفين يعملون في مجلس الوزراء ومستشارية الامن القومي، وبإمكانهم تبليغ الحكومة عن اختطافي فلا يقدر الاميركيون على اختطافي وهذا كان مصدر اطمئناني.

اي تساؤلات برزت لديك؟
كنت اتساءل: ماذا يريدون مني ، لعدم وجود شيء معهم ولا مع غيرهم، وانا ارفض التعامل مع المخابرات الدولية التي تعمل في العراق فضلا عن انني ارفض التعامل مع المخابرات العراقية التي لا عمل لها مع المواطن وهي مسؤولة عن امن الدولة وجمع المعلومات وليس التحقيق ، دارت في رأسي التساؤلات وكان عندي شك ان هؤلاء من وكالة الاستخبارات الاميركية ، وبعد ايام ثبت لي انني مختطف من وكالة الاستخبارات الاميركية بالتعاون مع شركة (كلوبل) البريطانية العاملة في العراق.

وماذا حدث لك في المحجر؟
في الليلة نفسها من يوم 27/ 8/ 2008 نقلوني الى سجن سري تابع لوكالة الاستخبارات المركزية يقع شمال بغداد في منطقة (بلد) في قاعدة بلد الجوية ، كان السجن يتألف من مجموعة من الزنزانات الانفرادية وهو قاعة مغلقة ، بحيث ان الداخل يكون منعزلاً عن العالم الخارجي تمامًا ولا يحس بالتغييرات الجوية ولا يعرف الليل من النهار ولا الحر ولا البرد ، لن يكون له اي احساس بالجو الخارجي ، لأن الزنزانة عبارة عن جدران حديدية وسقف حديد وارضية حديدية، وفيها فتحات تبريد (835) فتحة صغيرة بقدر حبة العدس، و (230) فتحة لسحب الهواء، والزنزانة قياساتها : (220 سم) طولا و (120 سم) عرضًا و (متران) الارتفاع ، وعلى احد الجدران المقابل لفتحة التهوية موجودة قطعة من (حديد البليت) قياسها (60 سم times; 180 سم) ملحومة مع الجدار على شكل طاولة تستخدم كسرير للنوم، وهي مرتفعة عن الارض نحو (60 سم) ، وليس هناك اي فراش او بطانية او اي غطاء ولا وسادة ودرجة حرارة الغرفة ما بين (2 - 4) درجة مئوية وبشكل دائم.

اضافة الى ان مصباح الضوء في الزنزانة لا ينطفئ طوال 24 ساعة، لذلك انت هنا.. لا تعلم الليل من النهار، ولا الحرارة من البرد ولا المطر والشمس ولا يسمح لك باستخدام الماء داخل الغرفة الا للشرب فقط، يعطونك قنينة واحدة قابلة للتجديد وثلاث وجبات طعام كالتي يعطونها لجنودهم في الصحراء (ارزاق جافة)، وكل ما يقدمونه كان منتهي الصلاحية وحين احاججهم كانوا يقولون ما معناه (بكيفك.. تأكله او لا تأكله)!!، كما لا يسمح باستخدام المرافق الصحية الا ثلاث مرات في اليوم وكل مرة لمدة نصف دقيقة، يأخذونك الى المرحاض وانت مقيد والقناع على وجهك، ولكن حين تدخل يفتحون القيد من يديك ويرفعون القناع قليلاً، كما انهم ما كانوا يعلمونني اوقات الصلاة ولا اتجاه القبلة ولا موعد الصيام وكنت قد اعتقلت قبل خمسة ايام من رمضان ولا يقبلون ان استخدم الماء للوضوء لأن ما في المرحاض هو الورق الصحي، كما لم يسمحوا لي باستخدام فرشاة الاسنان.

هل اجريت معك تحقيقات؟
نعم.. وكان يتناوب على التحقيق ثلاثة محققين، رجل وامرأة معًا، ورجل لوحده، وكان بعد يومين من وجودي هناك، اخذوني مقيدا وبقناع الى غرفة التحقيق، وبدأوا يحققون معي، لديهم معلومات انني موظف في الدولة، قالوا لي: انت معتقل بموافقة مجلس الامن الدولي والحكومة العراقية، وان عليك تهمًا كثيرة وجرائم عديدة، قلت لهم: طيب.. شكرًا جزيلاً، وطلبت منهم ان اعرف ماهي هذه التهم والجرائم، فقالوا: انت لا تسأل، انت تجيب فقط، قلت لهم: هل هذا تحقيق ؟ قالوا: نعم، قلت: يستوجب وجود مذكرة القاء قبض رسمية صادرة من القضاء العراقي ويستوجب وجود قاضي تحقيق او ضابط تحقيق لتوجيه التهم والبدء بالتحقيق الابتدائي، قالوا: اترك المسائل القانونية على جنب وخلي في بالك ان هذا الكلام لن يفيدك، وان شيئا واحدا هو الذي ممكن ، فقام وكتب على السبورة بالانكليزية هذه المعادلة (علي فيصل + تعاون = اطلاق سراح) وقال لي: انك اختصاص رياضيات وبالتالي تعرف حل المعادلات استفد من حل المعادلة وستتمكن من الذهاب الى عائلتك.

هل سألتهم عن اي نوع من التعاون يريدون؟
سألتهم بالطبع فقالوا اي شيء وكل شيء ، قلت لهم مثل ماذا؟، قالوا: تتعاون معنا للكشف عن علاقة وارتباط احمد الجلبي وانتمائه الى الحرس الثوري الايراني وفيلق القدس، قلت لهم/ هذا كلام عار من الصحة وغير صحيح وثانيا لا يمكن ان اقوم بمثل هذا العمل، الشيء الاخر اذا كنتم تدعون انكم قوات متعددة الجنسية ، فلكم الحق باحتجاز العراقيين وفق قرار مجلس الامن (1546) ولكن ليس لكم الحق في التحقيق مع العراقيين المحتجزين، لأن هذا شأن الجهات القضائية في العراق ، فإن كان ما تقومون به تحقيقًا فأنا ارفض الاجابة ان لم توجه الاسئلة من قبل كادر تحقيق عراقي.

وهل استجابوا لهذا الكلام؟
نعم.. لكنهم بدأوا بممارسة كل انواع الضغط النفسي طيلة (38) يومًا للوصول الى حل المعادلة كما يريدون هم، وبالنتيجة لم اصل المعادلة، مارسوا شتى اساليب التعذيب النفسي التي من ضمنها انهم عرضوا عليّ تقارير صحافية محلية وعالمية وتسجيلات فيديو لقنوات مختلفة تناولت اعتقالي وتصريحات الناطق الرسمي باسم قوات المتعددة الجنسية من انني احد اخطر قادة المجاميع المسلحة وانني كذا وكذا، ثم بدأوا يساومونني على وضعي العائلي بقولهم انه انتهى وعلى وضعي السياسي والوظيفي وقالوا لي انك في نظر العراقيين والعالم مجرم دولي ولا مكان لك في العالم ولن يرتضيك احد حتى ان هربت من العراق ولا احد سيستقبلك ، وان عائلتي الان مشردة من بيت الى بيت لان العراقيين سيقتصون منها، ثم يقولون.. بالامكان حل المشكلة اذا ما قمت بحل المعادلة..، فرفضت!!.

وماذا بعد الرفض؟
استمروا في ممارسة الضغوط ، ابلغوني بعد ايام ان سيارة مفخخة انفجرت في موكب الدكتور الجلبي واودت بحياة السائق وستة من مرافقي الجلبي وان الجلبي في حالة (موت سريري) خطرة، وهو قريب من الموت ، وهذه التقارير جاءوني بها من الانترنت ومن قوات تلفزيونية ، حتى جعلوني اصدق الاخبار، ثم اظهروا تعاطفا معي الى حد انني بقيت لمدة ثلاثة ايام ابكي، وراحوا يأتونني في فترات متقطعة في محاولة منهم كما يقولون للحصول على اخر اخبار الحالة الصحية للجلبي (الميت سريريا) ، وجعلوني انهار تماما، وبعد ايام قالوا لي : (ماذا يهمك بعد.. الجلبي مات، وماذا يهم اذا اعترفت عليه وقلت انه ينتمي الى الحرس الثوري الايراني) لكنني رفضت، بعدها حاولوا اقحام موظفة كبيرة تعمل في السفارة البريطانية قدمت نفسها لي بأسم (كيت) ولكن بعد حين عرفت ان اسمها (تينا برزانو) بريطانية من اصل ايطالي تعمل داخل السفارة البريطانية لحساب المخابرات البريطانية ومسؤولة عن ملف الرهائن البريطانيين الخمسة، قالت انها لا علاقة لها بالتحقيق وانها تمتلك علاقات جيدة مع التيار الصدري وقياداته وانها مسؤولة عن ملف المخطوفين البريطانيين.. وسألتني كيف اساعدها؟ قلت : هذا المكان غير مناسب ، ثم هل من المعقول انني اختطفت لغرض حل مشكلة اختطاف اخرين؟ اجابت انها على يقين انني لا علاقة لي بموضوع المخطوفين البريطانيين ولا علاقة لي بجهة الاختطاف ولكنها تعلم (حسب معلوماتها الخاطئة) ان لي علاقة بقيادات هذه الجهة وبالامكان مساعدتها في هذا الموضوع، انا رفضت هذا الشيء اضافة الى انني ابلغتها عدم علمي بأي شيء غير الذي اسمعه من الاعلام، حاولت تهديدي بالقاء القبض على عائلتي ولكن دون جدوى ، وفي اللقاء الرابع تجاوزت بالكلام بعد اصراري على عدم التعاون معها ، قالت: (انت وقح وكذاب) فأجبتها: انني لست اوقح منك ، ومادام الكلام وصل الى هذا الحد انا ارفض التكلم معك وعليك احضار تخويل خطي من السفارة البريطانية مصادق عليه ومختوم من قبل وزارة الخارجية العراقية واستحصال موافقة رئاسة الوزراء، كوني موظفًا كبيرًا في الدولة العراقية ولا يمكن لامثالك الحديث معي دون تخويل رسمي، كان هذا اخر كلام لي معها.

لكن امام ذلك لم يطلقوا سراحك؟
بل انهم مارسوا ضغطًا اخر بزيادة درجات البرودة داخل الزنزانة مما ادى الى اصابتي باسهال لمدة خمسة ايام دون علاج ، ووصلت الحالة بي الى حد فقدان السيطرة على نفسي دون السماح لي بالذهاب الى المرحاض الا في الاوقات المحددة، وكانت هناك كاميرا تنقل بالصورة والصوت بشكل مستمر مايحدث لي داخل الزنزانة، بعدها اخبروني انني سأتحدث مع قائد القوات متعددة الجنسيات الجنرال (ديفيد باتريوس) من خلال دائرة تلفزيونية مغلقة وسيتم نقلي الى مكان اخر لهذا الغرض.

وهل تم هذا فعلا؟
نعم.. وتم نقلي بالطائرة الى مكان لا اعرف موقعه ولكنني اتوقعه، نفس المكان الذي انا فيه، وان الطيران كان مجرد خدعة، ادخلوني في غرفة قذرة جدا والشيء المقرف انها مليئة بالبعوض بحيث انني خلال ثلاثة ايام بدأ كل جسدي يقطر دما، وفي اليوم رقم (18) للسجن تم اخذي لمقابلة باتريوس.

كم بقيت بانتظار لقاء باتريوس؟
في هذا السجن بقيت سبعة ايام، ثلاثة قبل مقابلته وثلاثة بعد مقابلته، وكان خلالها المحققون يمهدون لها، وبعدها كانوا يحاولون استثمار المقابلة في حل المعادلة.

ما الذي جرى بينك وبين باتريوس؟
في البدء قال لي باللغة العربية (علي فيصل حمد اللامي - السلام عليكم) بعدها تحدث بالانكليزي، كان بجانبي مترجم لبناني، قال لي باتريوس : انت معتقل من قبل قوات المتعددة الجنسية، وانت متهم بجرائم خطيرة، وبدأ يعددها كما عددها من قبل الناطق الرسمي باسم هذه القوات على وسائل الاعلام ، ثم قال لي ( هذا الملف صعب ووضعيتك صعبة ولا يمكن حلها الا من خلال التعاون مع المحققين فيما يطلب منك)،وطبعا الواضح في اشارة بارتريوس انه يطلب مني مثلما كانوا يطلبون اعترافا خطيا عن ارتباط الجلبي بالحرس الثوري الايراني، وحين انتهى اللقاء قال لي بالعربي (مع السلامة)، باتريوس يعرفني سابقا وسبق له ان التقى بي ذات مرة في بيت احمد الجلبي.

وماذا جرى بعد ذلك؟
حاول المحققون استثمار المقابلة بالقول ان باتريوس هو القائد الاول وهو يقول لي تعاون مع المحققين ، وبعد سبعة ايام اعادوني الى الزنزانة السابقة، وفي اليوم (32) لي في السجن عرضوا عليّ ان يتم عرضي على جهاز فحص الكذب واذا نجحت في الاختبار سيطلقون سراحي وان فشلت سأبقى في الزنزانة الى ما لانهاية ، وافقت وعرضوني على الجهاز واعيد الاختبار لعشر مرات ونجحت فيه، بعد يوم واحد جاءني شاب وبارك لي نجاحي في الاختبار وان هذا طريق لاطلاق سراحي خلال ايام قليلة .

ولكن لم يطلق سراحك.. لماذا؟
بعد 38 يوما على الاعتقال اودعوني في سجن (كرومر) في مطار بغداد في مخيم يطلقون عليه (مخيم الذكرى الثانية) وهنا خضعت للفحص الطبي وكانت اللثة السفلى لفمي منفصلة تمامًا عن الاسنان بسبب اصابتي بالتهاب داخل الزنزانة، وضعوني في سجن انفرادي لمدة (22) يوما ليتم بعدها وضعي في (كمب) فيه سجناء ، ومن خلال هذا المكان عرفت ان المكان السابق كان سجن (بلد) وان المحققين من المخابرات الاميركية والاسرائيلية لان هناك محققين يهود من ذوي الضفائر الطويلة، وهذا ما تحدث به سجناء اخرون حول سجن بلد.

لو حسبنا المدة التي بقيتها في سجن كرومر لكانت (313) يوما لماذا هذه المدة الطويلة؟
كانوا مرة في الاسبوع يرسلون في طلبي ويتحدثون معي بكل ادب وترحيب (سوالف عادية) الغاية منها نقل لي ما يتم من تطورات حول اطلاق سراحي، بالمقابل كانوا يساومونني باشارات حول (نسيان الماضي) يقولون لي: انت ما عندك شيء ولم تتهم بأي قضية، وقد ثبتت لنا نزاهتك وانك من الناس الذين يخدمون العراق، ونريدك ان تنسى ما جرى معك خلال الـ (38) يوما وان لا تجعلها تترك اي اثر سلبي في حياتك المستقبلية وان تضع المستقبل امامك ، كانوا يعرضون عليّ مساعدات مالية ومعنوية مثل تحسين صورتي امام الاعلام وامام الدولة، مقابل ان اصمت ولا اتحدث ، لكنني كنت ابلغهم انني ومنذ اول يوم سأبدأ بفضحهم في الاعلام الغربي قبل المحلي وسأقيم دعاوى قضائية بسبب ما جرى عليّ خلال 38 يوما، ويبدو ان هذا الاصرار هو الذي اخر في اطلاق سراحي.

هل كانوا يخافون من شيء ما؟
لا يخافون من اي شيء ، لكن هناك فضيحة ، ان باتريوس يتدخل في التحقيق مع اشخاص ويوجه تهما وهمية مقابل التعاون مع المحققين، فهذه الفضيحة التي ارادوا ان اسكت عنها، وان اتحدى باتريوس والمتعددة الجنسية ووكالة الاستخبارات المركزية والسفارة الاميركية والحكومة الاميركية والسفارة البريطانية ، اتحداهم بانكار اي كلمة مما ذكرت من الاجراءات التي تمت معي او يكذبونها.

لماذا اختاروك انت؟
لانني مساعد اول للجلبي ومقرب جدا .. جدا منه ومسؤول عن العلاقات بين الصدريين والمؤتمر الوطني العراقي وكانوا يتوقعون انني سأكون سهلاً وسوف ارضخ سريعًا لما يطلب مني، وسوف اؤدي الى ايجاد ادلة لغرض القاء القبض على الدكتور الجلبي، وهذا نتيجة صراع مرير على مدى سنوات تمتد من عام 1991 الى يومنا هذا بين وكالة الاستخبارات المركزية واحمد الجلبي، لكن النتيجة الحتمية انهم يرحلون ونبقى.

لماذا لم يذهبوا مباشرة الى الجلبي ويواجهونه بما لديهم؟
اثناء طلبهم مني بالاعتراف ، طلبت منهم ان يذهبوا الى الجلبي وابلغتهم انه يسكن في بغداد، في منطقة المنصور وبالامكان الذهاب اليه وسؤاله ، فأبلغوني انهم سيجلبون الجلبي الى الزنزانة المجاورة بعدها ابلغوني انه في حالة موت سريري وانا اعتقد جازما ان وكالة الاستخبارات المركزية بكل طاقمها وكوادرها تخافه، بل ترتعب من اسم احمد الجلبي واعتقد ان الجلبي بشخصه كمواطن عراقي وطني شريف ونزيه قادر على مواجهة هذا الجهاز ، والشيء المهم في الموضوع ومن خلال تجربتي المريرة اتضح لي: ان اسطورة القوة التي لا تقهر ، واسطورة حكومة المعلومات الفائقة واسطورة القدرة والامكانات ، هي اسطورة كاذبة وان القوة الاميركية عبارة عن كارتون ، وحقيقة كلما اشاهد (توم وجيري) اتخيل ان القوة الاميركية هي (توم) ، وهذا ما قلته للمحققين فضحكوا!!.

ما الذي تطالب به الان؟
انا الوحيد في العالم الذي يتدخل قائد قوات متعددة الجنسية لدفعي الى التعاون مع المحققين ، وكان هذا هو الامر المخزي والمخجل ان يقوم باتريوس بهذه التمثيلية السخيفة، وانا اطالبه رسميًا بتفسير ما جرى!