تقلَّصت برامج الأطفال بحجة أنَّ كلفة إنتاجها مرتفعة ما أثار حفيظة بعض النُّقاد الذين عزوا تراجعها بسبب الدراما.

القاهرة: منذ عرف المصريون التليفزيون، وبمجرد انطلاق مدفع الإفطار، ورفع آذان المغرب، في شهر رمضان، كان الأطفال على موعد مع باقة من أفضل البرامج والمسلسلات مثل quot;بوجي وطمطمquot;، quot;بكارquot;، quot;جدو عبدهquot;، quot;عمو فؤادquot;، ولكن منذ سنوات قليلة، بدأت هذه البرامج تتقلَّص رويدًا رويدًا، إلى أنّْ تلاشت، ولم يبق منها سوى برنامج واحد، والحجة الجاهزة لدى المسؤولين هي ارتفاع تكلفة انتاج تلك البرامج، فيما يرى النُّقاد أنَّ انشغال التليفزيون بالدراما هو السبب الحقيقي في اصابة برامج ومسلسلات الأطفال بالسكتة الدماغيَّة.

بدأت برامج الأطفال في مصر بعد انطلاق بث التليفزيون المصري في 21 يوليو 1960، مباشرةً وكان برنامج quot;عصافير الجنَّةquot; من أوائل البرامج الَّتي عرضت على شاشته، وكانت تقدمه سلوى حجازي الَّتي لقبها الأطفال بـquot;ماما سلوىquot;، وحازت بسببه على العديد من الجوائز والتَّكريمات، وكان أطفال الستينيات وأوائل السبعينيات يلتفون حول الشاشة لمتابعته، وتوقف البرنامج مؤقتًا بوفاة مقدِّمته عندما فجَّرت اسرائيل طائرة كانت تستقلها في العام 1973.

وفي أوائل العام 1975 عاد البرنامج مع المذيعة نجوى ابراهيم، وطرأ عليه الكثير من التعديلات، وساهم في اكتشاف الكثير من مواهب الأطفال، الذين صاروا نجومًا فيما بعد، ومنهم ليلي علوي، وبوسي، ونورا، وصفاء أبو السعود، ثمَّ انشغلت نجوى بالسينما لعدَّة سنوات، وعادت مرَّة أخرى لبرامج الأطفال في نهاية الثمانينيات، من خلال quot;ماما نجوى وبقلظquot;، وحاز هذا البرنامج على حب وإعجاب الأطفال، وخصوصًا شخصيَّة quot;بقلظquot; الدمية، الَّتي كان يؤديها الفنان سيد عزمي، واستمر البرنامج لنحو 17 عاماً، ثم توقف فجأة.

من البرامج الَّتي مازالت محفورة في الأذهان، برنامج quot;عروستيquot;، وكانت تقدِّمه المذيعة سامية شرابي، وكان يعتمد على طرح أسئلة وألغاز بسيطة على الأطفال، ومن لا يستطيع الإجابة يقول quot;عروستيquot;، وصارت الكلمة مضربًا للمثل في الشارع المصري، عندما يتحدَّث شخص إلى شخص آخر بطريقة غير مفهومة، فيرد الأخير quot;عروستيquot;، بدلاً من القول إن الكلام غير واضح، وكان برنامج quot;حوار مع الكبارquot; واحداً من البرامج المهمَّة الَّتي حاولت فيه سامية شرابي تقريب وجهات النظر بين الأجيال، وتوفيَّت quot;ماما ساميةquot; في السابع من أبريل الماضي.

ويعتبر ماجد عبد الرازق أوَّل مذيع يكسر احتكار المذيعات لبرامج الأطفال على شاشة التليفزيون، وقدَّم العديد من البرامج، ولعل أهمها quot;يحكى أنَّquot;، وquot;ما يطلبه الأصدقاءquot;، وquot;فنون صغيرةquot;، وعلى الرغم من إحالته إلى التقاعد منذ سنوات طويلة، إلاَّ أنَّ الجميع مازالوا يعرفونه بـquot;بابا ماجدquot;.

وفي التسعينيات تعلَّق الأطفال ببرنامج quot;البرلمان الصغيرquot;، الذي حاول تدريب الأطفال على مبادىء الممارسة الديمقراطيَّة النيابيَّة، وتألَّق الفنان أحمد حلمي في برنامج quot;لعب عيالquot;، على شاشة الفضائيَّة المصريَّة، قبل أنّْ يتحوَّل إلى التَّمثيل، ويقدم إجازة بدون مرتب من التليفزيون.

ومنذ العام العام 1983 بدأ المخرج الراحل رحمي في تقديم quot;بوجي وطمطمquot;، وهو من اختار الشخصيتين وصمَّمهما فبوجي هو اسم الدلع لشقيقه الأصغر، وطمطم دلع فاطمة، وارتبط بشهر رمضان المبارك، وكان الفنان الراحل يونس شلبي يجسِّد شخصيَّة بوجي، في حين تجسد الفنانة هالة فاخر شخصيَّة طمطم، وتمَّ تقديم 18 موسمًا، منها quot;بوجي وطمطم في رمضانquot;، وquot;الفيل الجميلquot;، وquot;محطة فلافيلوquot;، وquot;حكايات مع بوجي وطمطمquot;، وquot;الفانوس السحريquot;، وquot;بوجي وطمطم وأسرار جحاquot;، وquot;حبيبتي اسمها مصرquot;، وquot;أولاد القمرquot;، وquot;رشيدquot;، ونال رحمي عنه الجائزة الذهبيَّة من مهرجان القاهرة للأطفال في العام 1993، وبوفاة رحمي، لم يجد quot;بوجي وطمطمquot; من يتبناه، وكانت هناك محاولة لإعادته إلى الحياة العام الماضي باسم quot;بوجي وطمطم والكنز المفقودquot;، بطولة محمد شاهين وإيمي سمير غانم، إلاَّ أنَّها لم تتكرَّر في العام الحالي.

وحاولت المخرجة منى أبو النصر بعد quot;بوجي وطمطمquot; البحث عن شخصيَّة جديدة للأطفال تكون معبِّرة عن الشَّخصيَّة المصريَّة والعربيَّة، وتوصَّلت إلى شخصيَّة quot;بكارquot; وكان ذلك في العام 1998، واستمرت في تقديم المسلسل خلال شهر رمضان المبارك حتَّى وافتها المنية في 15 سبتمبر 2003 متأثرة بإصابتها بمرض السرطان، وعلى الرغم من أنَّ وصيتها الأخيرة كانت الإهتمام بـquot;بكارquot;، إلاَّ أنَّ أحدًا لم يستطع إنقاذه، وبذل ابنها المخرج شريف جمال محاولات في هذا الشأن، لكنها لم تسمح للمسلسل بالعيش طويلاً.

وعام بعد عام، بدأت برامج ومسلسلات الأطفال في التلاشي، ولم يبق منها في رمضان الجاري سوى quot;عالم سمسمquot;، والسبب يعود إلى دخول التليفزيون السباق الدائر حول انتاج وشراء الدراما بدلاً من انتاج برامج الأطفال، حسبما يقول الناقد رفيق الصبان، مشيرًا إلى أنَّ التليفزيون صار يبحث عن المادة وتخلى عن دوره في تربية الأطفال على القيم والمبادئ ونسي دوره التنويري أيضًا، وأضاف الصبان أنَّ الكبار والصغار كانوا ينتظرون برامج ومسلسلات الأطفال الَّتي كانت تذاع في شهر رمضان بفارغ الصبر، وكانت تحظى بنسبة مشاهدة عالية جدًّا، ولو أحسن التليفزيون استغلالها لحقَّق منها مكاسب ماديَّة ضخمة، إلى جانب المكسب القومي وهو تربية الأطفال على القيم والمبادئ المصريَّة والعربيَّة الأصيلة، مؤكِّدًا أنَّ إنتاج برامج الأطفال مهمَّة دول، وليس شركات الإنتاج الخاصَّة الَّتي تتعامل مع كل شيء بمنطق المكسب والخسارة، وبالطبع برامج الأطفال خاسرة من وجهة نظرها.

أمَّا الإعلامي ماجد عبد الرازق فيرى أنَّ برامج الأطفال تمر بأزمة حقيقيَّة، فالشَّخصيات الَّتي يحبُّها الأطفال أجنبيَّة مثل هاري بوتر، وباربي، وهانا مونتانا، وسبيدرمان، وليس هناك شخصيَّة عربيَّة أو أكثر يلتف حولها أطفالنا، وتنقل إليهم القيم والمبادئ العربيَّة الأصيلة، مشيرًا إلى أنَّ البرامج والأفلام الكارتونيَّة تعلِّم الأطفال العنف، وتغرس فيهم قيمًا غربيَّة، وتخاطبهم بلغة الشباب البالغ، وتنقل إليهم مصطلحات مبتذلة، وينتقد عبد الرازق طريقة تقديم المذيعات أو المذيعين للبرامج، قائلاً إنَّ المذيعة تظهر في البرنامج لتتحدث إلى الأطفال عن القيم والمبادئ في حين أنَّها ترتدي ملابس مثيرة، وتتحدث بلغة quot;ثلاثة أرباعها إنكليزي على فرنسي والربع الباقي عربيquot;، وبالتالي لا يفهمها الأطفال، والمذيع يتحدَّث إلى الأطفال بلغةٍ ركيكة يستخدمها الشباب في الشَّوارع.

ويرفض عبد الرازق القول بأنَّ برامج الأطفال مكلفة جدًّا، ويدلِّل على كلامه بأنَّ البرامج الخالدة في أذهان المصريين والعرب أنتجها التليفزيون بأموال قليلة جدًّا، ودون أنّْ تكون هناك التكنولوجيا الهائلة التي يتمتع بها حاليًا، ولو وجدت النِّية لدي المسؤولين سيتم انتاج برامج ومسلسلات رائعة، خصوصًا مع وجود الكوادر البشريَّة الهائلة.

وكان العام 2005 أكثر الأعوام شؤمًا على برامج الأطفال، حيث انتقد وزير الإعلام أنس الفقي المستوى المتدني لها، وقرر وقفها لحين تطويرها، وتقديم أفكار جديدة، ولكن لم يحدث أي جديد، وحاول المجلس القومي للأمومة والطفولة إعادة الروح إليها منذ عام ونصف، عبر توقيع بروتوكول تعاون مع اتحاد الإذاعة والتليفزيون، لرعاية مجموعة من البرامج، ولكن دون جدوى، وترجع رواية بياض رئيس قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون حول غياب برامج الأطفال في رمضان إلى إرتفاع التَّكلفة وعدم اقبال المعلنين عليها، ونفت ما يقال حول توقف إنتاج برامج الأطفال، مؤكِّدةً أنَّ التليفزيون ينتج برنامجًا سنويًّا.

وفي المقابل، يقول الناقد الفني محمد عبد الواحد، إنَّ برامج الأطفال تعاني من التَّجاهل طوال العام وليس في شهر رمضان فقط، مشيرًا إلى أنَّ التَّحجج بارتفاع تكلفة الإنتاج لا أساس له من الصِّحة، لأنَّ التليفزيون قدم quot;بوجي وطمطمquot;، وquot;بقلظquot;، وquot;بكارquot; بملاليم نسبةً لمقاييس العصر الحالي، وأوضح أنَّ القائمين على الإنتاج سواء في القطاع الخاص أو الحكومي لا يضعون برامج الأطفال أو أفلامهم أو مسلسلاتهم ضمن أولوياتهم، ويسعون إلى تحقيق مكاسب سريعة من وراء الدراما دون النظر إلى أنَّ الإستثمار في برامج الأطفال استثمار في العقول، وذلك هو الإستثمار الأفضل والأبقى للشعوب.