يبدو أنّ تكهنات عدد كبير من المحللين في أوروبا والمنطقة العربيّة بخصوص مصير مشروع الرئيس الفرنسيّ ساركوزي المُسمى الاتحاد من أجل المتوسط لم تجانب الحقيقة، فالمشروع الذي وُلد قيصريّا انهالت عليه الخلافات وعلى رأسها أمّ القضايا وأعقدها ...فلسطين.


تونس: في خطوة بدت غير متوقعة ومتمايزة عما يعرفه المراقبون عن الدبلوماسية التونسية الهادئة التي تهوى النشاط في الخفاء وتتجنّب قدر الإمكان (الضوضاء) الإعلامية والتصريحات المسموعة والمثيرة للجدل، أعلنت رئاسة الجمهوريّة في ردّ مباشر على مدريد التي أرسلت منذ أيام موفدا إلى تونس أن انعقاد قمة الاتحاد من اجل المتوسط يتطلب توفر شروط منها quot;تحسن الوضع في الشرق الأوسطquot; لا سيما من خلال استئناف مفاوضات السلام المتعثرة.

وأعلن الناطق باسم الرئاسة التونسية أن quot;لقاء القمة يتطلب توفر عدة شروط من أهمها تحسن الوضع القائم في الشرق الأوسطquot;.

وذكر بيان الرئاسة الذي اطلعت (إيلاف) على نسخة منه أن تحسن الوضع يجب أن يسير quot;في اتجاه استئناف مفاوضات السلام المعطلة حاليا جراء إصرار إسرائيل على مواصلة سياسة الاستيطانquot;.

وquot;ذكرquot; الناطق باسم الرئيس بن علي المبعوث الخاص الاسباني ميغل انخيل موراتينوس بما تداوله مع الرئيس التونسيّ عندما سلمه رسالة الأربعاء الماضي.

وأضاف البيان أن موراتينوس أعلن حينها أن الرئيس بن علي quot;يدعم تماما سياسة الاتحاد الأوروبي في المتوسط ويلتزم بتوفير الشروط الملائمة لانعقاد قمة الاتحادquot;.

إلا أن الموفد الخاص الاسباني المكلف تنظيم القمة الثانية للاتحاد من اجل المتوسط لم يتحدث عن شرط تحقيق تقدم في الشرق الأوسط قبل انعقاد قمة الاتحاد.

وتأتي هذه التصريحات والتصريحات المضادة بعد إعلان إرجاء عقد قمة الاتحاد من اجل المتوسط، فبعد أن كانت القمة مقررة في السابع من حزيران/يونيو في برشلونة، أرجئت إلى تشرين الثاني/نوفمبر quot;على أمل تحقيق تقدم في مفاوضات السلام الإسرائيلية-الفلسطينيةquot;.

ويبدو أن إرجاء جديدا يرتسم في الأفق إذ إن وزيرة الخارجية الاسبانية ترينيداد خيمينيث أعلنت الجمعة أن الحكومة الاسبانية ستقوم quot;بآخر محاولةquot; لعقد قمة الاتحاد من اجل المتوسط المقررة في 21 تشرين الثاني/نوفمبر.

وفي تعليق له على بلاغ الرئاسة رجّح مصدر مقرّب من الحكومة التونسية أن تكون تصريحات موراتينوس الأخيرة مستفزة فعلا للجانب التونسيّ.

الرئيس التونسي بن علي لدى لقائه وزير خارجيّة اسبانيا ميغيل موراتينوس في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري

وبحسب المصدر ذاته الذي رفض الكشف عن اسمه لـ(إيلاف)، فإنّ اجتزاء الشرط الذي أعلنه الرئيس بن علي لعقد قمة الاتحاد من اجل المتوسط يبدو منافيا للأعراف الدبلوماسية وقفزا عن واقع الاختلاف في وجهات النظر الموجودةquot; ويضيف: quot;كما كان متوقعا لا يمكن للرئاسة أن تصمت عن تجاهل نقاط أساسية في تصريحات الرئيس بن علي، وأعتقد أنّ بلاغ الرئاسة قد ورد لوضع النقاط على الحروف وتصحيح ما ورد في بعض وسائل الإعلام وليس للردّ على الجانب الاسبانيّquot;.

وبعيدا عن بلاغ الرئاسة التونسية وسجالها مع مدريد، خيّم الصراع العربيّ الإسرائيلي بظلاله على مشروع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الهادف إلى خلق حراك سياسيّ يمهد لسلام من نوع ما في الشرق الأوسط بما يفتح مجالات أرحب للتعاون بين الدول المنضوية تحت لوائه سياسيا واقتصاديا وثقافيّا.

إلا أنّ تعطل quot;قطارquot; المفاوضات الفلسطينية ndash; الإسرائيلية تسبب في جمود مماثل ضرب مشروع ساركوزي ما أدى إلى تأجيل القمة المرتقبة في 21 تشرين الثاني/نوفمبر في برشلونة وهذا يعني لكثيرين إحالة المشروع برمته على quot;العناية المركزةquot; إن لم تنجح جهود اللحظة الأخيرة في رأب الصدع لتجاوز الخلافات القائمة.

وفي الوقت الذي يطمح فيه ساركوزي إلى إصلاح إدارة الحكم العالمي عند توليه رئاسة مجموعة العشرين، تبدو الآفاق قاتمة بالنسبة إلى هذا المشروع الذي يحرص عليه الرئيس الفرنسي والذي أطلق وسط ضجة إعلامية في 2008 كون المشروع جاء وفق كثيرين للالتفاف على quot;مسار برشلونةquot; الذي أطلق في العام 2005.
ويبدو تأجيل قمة برشلونة التي سبق وأرجئت في حزيران/يونيو، أمرا مرجحا بقوة بحسب مصادر دبلوماسية أوروبية عدة، والتأجيل هو الحلّ الوحيد أمام زعماء quot;المتوسّطquot; إلى حين توضّح طبيعة المشاكل الفعليّة التي تبدو في جانب منها quot;صراع نفوذquot; ومناصب وتساؤلات مطروحة عن هوية من سينال نصيب الأسد في قيادة الاتحاد بُعيد القمة المرتقبة.

وقد يتأكد التأجيل عقب لقاء الخميس الماضي في باريس بين وزيري الخارجية الفرنسي برنار كوشنير والمصري احمد أبو الغيط اللذين يتولى بلداهما رئاسة الاتحاد من اجل المتوسط، ووزير الخارجية الاسباني السابق ميغيل انخيل موراتينوس الذي ما زال مكلفا بالإعداد لهذه القمة.

ونقلت وكالة quot;فرانس برسquot; عن وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية بيار لولوش تأكيده أمام لجنة الشؤون الأوروبية في الجمعية الوطنية عمل الفرنسيينquot; بشكل فاعل جدا على استمرار هذه القمة والحفاظ عليها، إلا أن المواقف الإسرائيلية لا تساعدنا. كما لا تشجع العرب على المجيء إلى طاولة الاتحاد من اجل المتوسطquot;. على حدّ تعبيره.

وكان وزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط اعتبر الشهر الماضي أن انعقاد قمة الاتحاد من اجل المتوسط quot;مرهون بتحقيق انفراج في المفاوضات المباشرةquot; بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

فبعد سنتين ونصف السنة من إطلاق الاتحاد من اجل المتوسط الذي يضم 43 دولة (دول الاتحاد الاوروبي الـ27، إضافة إلى تركيا وإسرائيل والدول العربية المطلة على البحر المتوسط)، ما زالت هذه المبادرة تواجه المصاعب والمتاعب التي انطلقت منذ تأسيسه وازدادت حدة مع الهجوم الإسرائيلي على غزة في 2008 وتواصل الاستيطان ثم أزمة أسطول الحرية بين تركيا وإسرائيل.

وفي نيسان/ابريل، كانت مجرد إشارة إلى quot;الأراضي المحتلةquot; رفضتها إسرائيل كافية لفشل مشروع إستراتيجية للمياه في حوض المتوسط.

كما أنّ التوتر في الصحراء الغربية الذي ما زال يسمم العلاقات بين المغرب والجزائر لا يمكن إلا أن يزيد من العقبات أمام الاتحاد من اجل المتوسط.

في أواخر أيلول/سبتمبر، طالب نيكولا ساركوزي بأن تشارك أوروبا المانح الأول للفلسطينيين والاتحاد من اجل المتوسط في المحادثات المباشرة التي أطلقتها إدارة الرئيس باراك اوباما مطلع أيلول/سبتمبر بين إسرائيل والفلسطينيين.

وعبرت الدبلوماسية الفرنسية حينها عن أسفها لان الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون لم تكن حاضرة في واشنطن لدى استئناف المحادثات التي يبدو أنها آلت إلى فشل ذريع.

ويرى متابعون أنّ دول شمال أوروبا التي تنظر إلى الشرق وروسيا ما زالت غير متحمسة كثيرا للاتحاد من اجل المتوسط.

أما على الضفة الجنوبية للمتوسط، فيبدو المغرب وتونس والأردن أكثر اهتماما بالشراكة التي تقترحها أوروبا، فيما تشك تركيا بان يكون الاتحاد من اجل المتوسط quot;بديلاquot; تضعه فرنسا لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.