يسعى الكثير من الشبان في قطاع غزة إلى الخروج من الواقع الذي يعيشون فيه، وذلك من خلال الهجرة إلى دول أوروبا بحثا فرص عمل هناك، أو حتى طلب اللجوء.


غامر مئات الشباب الفلسطينيين ولا زالوا الهجرة أو اللجوء إلى أوروبا ، بل وأتيح لعدد منهم الفرص ووصلوا إلى هناك إما بطرق رسمية مليئة بالشروط والقيود أو بطرق غير رسمية أكثرها مخاطرة بأرواحهم، وكل ذلك من أجل أن يبتعد الشباب عن تشوهات الواقع الفلسطيني، وأن يحصلوا على فرص عمل أفضل، وحياة كريمة، ودولة تحميهم وتحافظ عليهم.
هكذا أصبح الحلم والمستقبل هو أوروبا في وقت يشعر الشباب أنهم مستهلكين في بلادهم، ويطمحون إلى التنمية وتطوير الذات في quot;بلاد التطورquot; التي كانت أبوابها مفتوحة للطلاب والسياح في الماضي، وأغلقتها الآن أمام الأعداد الكبيرة التي تطلب السفر بحجة الدراسة، وما أن يصلوا إلى هناك حتى يكون اللجوء مبتغاهم.

بمجرد وصولي أوروبا فكرت باللجوء
الصحفي زهير النجار أحد الذين سافروا إلى أوروبا وتحديدا الدنمارك بعدما حصل على تأشيرة لحضور أحد البرامج التعليمية القصيرة يقول أنه بمجرد وصوله هناك اصطدم بالحضارة الأوروبية وأدرك الفروق الكبير بين أوروبا وقطاع غزة، ويضيف: quot;نهض الحلم القديم ألا وهو الهجرة واستحوذ على كامل البرنامج المقرر، وانتابني حينها شعور بأني لا أريد العودة الى غزة، وأود التمتع بالحرية المطلقة التي طالما حلمت بها, خاصة بمجال عملي كصحفي مستقل دون قيود أو عقود ملزمة للاحتكار أو تقييد لحرية الرأي أو المهنةquot;.

ويتحدث النجار بصراحة فيبين: quot;تقدمت بطلب للجوء في السويد مع يقيني التام أني لن أحصل على الموافقة لأن إقامتي الممنوحة لي من الدنمرك كانت لتمنع ذلك لأنه لا يحق لك طلب اللجوء في دولة ما، إذا كنت قد دخلت الإتحاد الأوروبي بطريقة قانونية من دولة أخرىquot;.

ويتحدث أكثر عن تجربة اللجوء هناك فيقول: quot;تعرفت على أشخاص من ثقافات, أعراف, جنسيات وطوائف مختلفة، برغم أني لم أكن أسكن في معسكر اللجوء الذي هو غير ملزم لطالب اللجوء في السويد, إلا أني كنت أقصد مكتب الهجرة لإجراء مقابلات وتحقيقات عن أسباب طلبي للجوء، ويتابع: quot;هناك صادفت أشخصا كثر من ألوان وأطياف ما رأيت مثلها قط, وكونت علاقات من مختلف الدول التي لم ترد بخاطرتي يوما، مثل الصومال وإيران وأكراد سوريا والعراق وكردستان, وغيرها من الدولquot;.

الفلسطيني يعرف بـ quot;من دون وطنquot; في أوروبا
ويشير النجار إلى أنه لا يوجد فرق في أوروبا بين فلسطيني أو عراقي أو أي جنسية شرق أوسطية أخرى سوى بالأوراق أو المعاملات القانونية أو في مكاتب دائرة الهجرة، ويضيف: quot;الفرق الوحيد بينهم أن الكل له مسمى quot;كعراقي الأصل, إيراني, سوري, مصري، أما الفلسطيني بالأوراق الرسمية فيعرف بـ quot;من دون وطنquot; فلا جنسية له بالرغم من حمله للجواز الفلسطيني، وحينها يحس المرء أنه فعلا خرج من وطنه ليجد نفسه رسميا من غير وطنquot;.

ويتابع متحدثا عن سبب رجوعه إلى غزة، قائلا: quot;خلال فترة مكوثي هناك لم أستطع ممارسة أي عمل، ولذلك بدأت فكرة الرجوع لقطاع غزة لمزاولة مهنتي، وكذلك كانت هناك فوارق أخرى عايشتها بشكل شخصي أدت إلى عودتي للحياة البسيطة البعيدة عن رتابة الحياة البيروقراطية والمساواة الزائفة للجنسينquot;.

ويشير النجار: quot;المفاجئة كانت عند دخولي للقطاع ومقابلة أصدقائي وزملاء كنت قد افتقدتهم كثيرا، ولكني كلما قابلت أحدهم قال لي quot;شو اللي رجعك على بلد الفقر، وشو اللي رماك علينا تاني، وبعضهم وصفني بالفاشلquot;.
وعندما تساءلت quot;إيلافquot; إذا ما كان النجار سيعود إلى أوروبا مجددا أم لا، قال: quot;فكرة رجوعي إلى أوروبا ليست مستبعدة البتة بحكم عملي, وربما ستكون للاستقرار، لا أحد منا يعلم ما يخبأه القدرquot;.
ولكنه يؤكد قائلا: quot;أفضل العمل في مجال مهنه أحببتها بين أحبتي في وطن شطبه الأوروبيون من حواسيبهم ونسبوا لنا صفة quot;دون وطنquot; على أن أعيش في مستنقع يغرق ساكنيه في قاذورات أسماها الغرب الحريات المطلقةquot;.

سأذهب إلى أوروبا كشاب منتج وليس عبئ عليها
محمد صيام 25 عاما يعمل في مجال التصميم الجرافيكي والتصوير الفوتوغرافي يقول في حديثه quot;لإيلافquot;: quot;فكرت كثيرا في الهجرة إلى أوروبا وقد حصلت على الفرصة في أكثر من بلد، من بينها إيطاليا وأستراليا، ولكني رفضت ذلك لأني لا أؤمن بالهجرة لأنها ضياعquot;.

ويبين محمد أنه كان يخطط للذهاب إلى أسبانيا وقد سنحت له الفرصة ولكنه توقف لأنه لم يكن يعرف لماذا سيذهب إلى هناك، ويوضح: quot;أفضل عندما أهاجر أن أذهب إلى بلد أصنع فيها شيئ جديد، او أعمل بها أو حتى للدراسة، وليس هجرة بلا هدف كما يفعل البعض لذلك أجلت هذا الموضوع لوقت مناسبquot;.

ويقول محمد أنه غير نادم على الفرصة التي أضاعها لأنه لو ذهب إلى هناك فلن يجد شيئا يفعله، ويؤكد: quot;ليس هجرة البلد بعيدة عني، ففي غضون سنة ونصف سأكون قد كونت مبلغ من المال لأن بعض الدول تطلب ضمان مالي كبير كي تتمكن من دخولها، وحتى لو دفعت مبلغ من المال فيمكن أن استفيد منه في الدراسة أو حتى العمل، ولن أذهب إلى أوروبا من أجل مد يدي للناس، ولكني سأذهب إليها كشاب منتج وفعالquot;.

ويضيف: quot;الآن أصبح لدي خطة واضحة وهي أنني أريد الذهاب إلى أوروبا للدراسة لمدة سنتين في مجال التصميم الجرافيكي والديكور بما أنني أدرس وأعمل بهذا المجال، فهناك كليات موجودة في إيطاليا وأسبانيا،
وسيبقى محمد يفكر بالهجرة طالما بقى دون عمل يليق به، ويضيف: quot;لو حصلت على عمل في غزة براتب ممتاز فلن أذهب إلى أوروبا، ولكن المشكلة أن لدي مؤهلات كبيرة وخبرات لن أقبل عليها راتب أقل من ألف دولار شهرياquot;.

ولا ينصح الشباب بالهجرة للخارج إلا إذا كانت للدراسة أو الإبداع والعمل، ويتابع: quot;أما أن تكون من غير سبب ولأنهم كرهوا البلد فذلك ليس مبرر.
ويرى أنه لكل شاب الحق في الهجرة إذا ما كانت ستضيف إليه شيئا جديدا وترفع من شانهم المجتمعي وعملهم أو مؤهلاتهم العلمية.

أوقفت طلبات السفر إلى أوروبا
المهندس سالم العجلة صاحب شركة المنتزه للسياحة والسفر وعضو الإتحاد الدولي للسياحة والسفر في جنيف يقول في حديثه quot;لإيلافquot;: quot;في السابق كان غالبية الطلبة يسافروا من أجل الدراسة والحصول على الشهادة ومن ثم العودة إلى غزة أو في بعض الأحيان للسياحة والرجوع إلى البلد، ولكن الأمور اختلفت اليوم حيث أن عدد كبير من الشباب اليوم يذهبوا لأغراض الهجرة، وللحصول على إقاماتquot;.

ويبين العجلة: quot;في الماضي كان هناك سهولة في السفر وكانت أعداد الطلبة أكثر، أما اليوم فاختلفت الأمور وتغير الوضع الإقتصادي على الطلاب بسبب الوضع في قطاع غزة، وأيضا تكاليف السفر والدراسة في الدول الخارجية إزدادت عن السابقquot;.

ويشير إلى أن أبواب الهجرة مقفلة بالنسبة للشباب الفلسطينيين والتأشيرات أصبحت صعبة حتى على الطلاب، وذلك سبب مشكلة كبيرة لدى الكثير من الطلاب.
ويتخصص مكتب السياحة الذي يديره العجلة بشؤون السفر إلى تركيا فقط للسياحة والدراسة لكونه يحمل الجنسية التركية وقد عاش فيها 25 سنة، ويوضح: quot;كنا نرسل طلبات إلى دول أوروبا والدول الشيوعية، ولكن حاليا يقتصر الأمر على تركيا وذلك لعدة أسباب منها كثرة المشاكل التي يحدثها الطلبة وكذلك لصعوبة التأشيرات إليها، ولأن كثير من الشباب يفتعلوا مشاكل في البلدان التي يذهبوا إليهاquot;.

ويضيف: quot;تخصصت في مساعدة الطلبة والسائحين للذهاب إلى تركيا لأني قادر على تخليص معاملاتها بأسرع وقت وأعرف ما أفعله بالضبط، ولأن أي مشكلة يمكن أن تواجه أي شخص يمكنني حلها بأسرع وقت ممكن، أما لو كانت المشكلة في بعض الدول كروسيا مثلا فلن أكون قادرا على حلهاquot;.

ويبين العجلة: quot;لأن الطلبة يحملونا المسؤولية في حال فشلهم أو عند أي مشكلة قد تواجههم لذلك أغلقنا باب تقديم التأشيرات أو طلب السفر إلى أوروبا والدول الشيوعيةquot;.