Soccer fans, from left, Dan Milota, Jeff Inman ...

تحولت كرة القدم خلال المونديال إلى ساحة للتراشق السياسي بين المحافظين والليبراليين الأميركيين. وفي خضم هجمة المحافظين على اللعبة والتي في أساسها هي هجمة على التغيير الذي وعد به أوباما لايرى الليبراليون ضيراً في استيراد كرة القدم ولا يخفون سعادتهم من شعبيتها المتزايدة وخصوصاً بين الصغار.

quot;هل تكره أميركا كرة القدم؟quot; السؤال الذي طرحه هندريك هرتزبيرغ الصحافي السياسي الأميركي الشهير ، كاتب خطابات الرئيس الأسبق جيمي كارتر، في مقاله الأسبوعي في مجلة النيويوركر عدد الأسبوع الماضي بعد انتهاء المونديال وخروج المنتخب الأميركي باكراً من الدوري الأول عند خسارته أمام غانا وأجاب عليه بلا صرامة مقرونة بالحجج لا يطرح ويبرر فقط ببراءة تنامي شعبية كرة القدم في أميركا مؤخراً وخصوصاً بين الجيل الأصغر بل يوضح بشكل جلي للمتابع مرحلة مخاض الهوية الوطنية التي تخوضها أميركا منذ انتخاب الرئيس الاميركي باراك أوباما وحملة الأمل الشهيرة التي قادها ولايزال وهو المثقل من جهة بتركة بوش الابن ومن جهة أخرى بالهجمة الشرسة من اليمين الأميركي المتطرف وإعلامه الذي لايزال حتى اليوم يثير اللغط حول مكان ميلاده. فكرة القدم أو كما يصر الأميركيون على تسميتها بالسوكر تحولت خلال المونديال إلى ساحة للتراشق السياسي بين المحافظين والليبراليين الأميركيين.

اليمين الأميركي شن حملة شعواء على الرياضة الأكثر شعبية عالمياً واصفاً إياها بالرياضة الدخيلة ذات الطابع اليساري الاشتراكي الأوروبي والتي لا تسمو لدرجة الرياضات الأخرى التي برزت من أميركا ككرة القدم الأميركية والسلة والبايسبول وبذلك تنتفي عن كرة القدم صفتا الأصلانية والتفرد الأميركي اللتان يعتقد اليمين بأنهما صفتان أميركيتان خالصتان تمثلان الوطنية الحقة النقية.

بدوره، انتقد نجم قناة فوكس نيوز اليمينية جلين بليك سياسات باراك أوباما وصافاً إياها بأنها quot; سياسات كأس عالميةquot; أي بنظره أجنبية و غير أميركية حقيقة وأضاف متباهياً بكرهه الشديد لها quot; نحن لانحب كأس العالم. نحن لانحب السوكر. لا نرغب بهذه الرياضة....أكرهها وبشدة ربما لأن بقية العالم يحبهاquot;.

كما أبدى جي غوردون ليدي ، المحلل السياسي صاحب برنامج إذاعي وضيف قناة فوكس الدائم والذي كان في الوحدة الخاصة التي أنشأها نيكسون لإخفاء فضيحة وواتر غيت عن أعين الصحافة واستحق بسبب ذلك السجن عشرين سنة قضى منها أربع سنوات ونصف وأطلق سراحه بعد عفو الرئيس الأميركي جيمي كارتر، تساءل في برنامجه الإذاعي في معرض الحديث عن المونديال quot;ماذا حصل للتفرد والتفوق الأميركي؟quot; ثم استمر في تثقيف مستمعيه إلى تاريخ وأصل كرة القدم والتي يدعي أنها quot; بدأت مع هنود أميركا اللاتينية الذين كانوا يستخدمون رأس عدوهم المحارب عوضاً من الكرةquot;.

ولخصت افتتاحية الواشنطن تايمز بأن أكثر ما يزعج quot;النقاد اليساريين السخيفين محبي كرة القدمquot; هو أن quot;أكثر الرياضات شعبية في أميركا ككرة القدم الأميركية والسلة والبيسبول نشأت هنا في أرض الحريةquot;. وفي موقع quot;أميركان انتربرايزquot; مركز الدراسات والتحليل المحافظ استنتج مارك ثايسين، كاتب الرأي في الواشنطن بوست وكاتب خطابات الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش، أن كرة القدم هي رياضة اشتراكية جمعية وبأنه ربما في عصر الرئيس أوباما تتزايد شعبيتها مضيفاً باعتقاده أن تحويل ذائقة أميركا الرياضية إلى رياضة اشتراكية سيكون مهمة أصعب من نظام التأمين الصحي الذي يؤمن ثايسين بأنه اشتراكي الطابع.

في خضم هجمة المحافظين على كرة القدم والتي في أساسها هي هجمة على التغيير الذي وعد به أوباما ناخبيه لايرى الليبراليون ضيراً في استيراد كرة القدم ولايخفون سعادتهم من شعبيتها المتزايدة وخصوصاً بين الصغار. quot; نعم كرة القدم قد تكون مستوردة ولكن هذا هو الحال مع كافة سكان أميركا القادمين من شتى بقاع الأرض. هذه الرياضة في طريقها لأن تكون أميركية كالبيتزا والتاكوس والفرينش فرايز،quot; كتب صحافي النيويوركر هرتزبرج الذي احتل المرتبة السابعة عشرة من بين خمسة وعشرين صحافيا ليبرالياً الأكثر نفوذاً في أميركا ضمن قائمة مجلة فوربز العام الماضي.

كاتب الرأي غاري يونغ من مجلة ذا نايشين معقل اليسار الأميركي أشار في مقاله في عدد النايشين الأخير إلى أنها quot; ليست المرة الأولىquot; التي يكون فيها اليمين الأميركي quot; على الجانب الخاطئ من التاريخquot;.

ويستشهد يونغ بإحصائيات اتحاد الفيفا لكرة القدم التي أوضحت أن أكثر تذاكر المونديال التي بيعت خارج جنوب أفريقيا كانت في الولايات المتحدة الأميركية. يعتقد يونغ أن التبرير الأوروبي لعدم شعبية كرة القدم في أميركا بأن ثقافة وطابع أميركا التجاري المهيمن عليها والذي يعول على المعلن الأميركي الذي لا يجد وقتاً كافياً للإعلان في لعبة تستمر لخمس وأربعين دقيقة وفاصل واحد فقط هو السبب في تأخر انضمام أميركا إلى بقية العالم في حب كرة القدم هو تبرير وإن كان لا يخلو من الصحة في مجمله فهو في باطنه يتسم بالفوقية. فيونغ يجد أنه على عكس الفريق الإنكليزي مثلاً الذي خيم عليه هوية وطنية مشتتة تميز الفريق الأميركي بحسن أدائه متبوئاً المركز الأول في فريقه قبل أن تزيحه غانا في الوقت الإضافي.

بعيداً عن آراء الفريقين تشير الإحصائيات الى أن عشرين مليون مشاهد تابعوا جميع مباريات المنتخب الأميركي وهذه ليست فقط أعلى نسبة تشاهد مباريات كرة قدم في تاريخ أميركا بل أعلى من مشاهدي سباق كنتاكي دربي للخيول و الشوط الأخير من دوري الغولف وسباق السيارات الأشهر دايتونا 500.

بين الكبار يمارس كرة القدم بشكل دوري مليون أميركي بينما تزداد شعبيتها بين الصغار يوماً بعد يوم لتكون بذلك الرياضة الأكثر شعبية بينهم سواء بشكل عشوائي أو ضمن أندية.

من الجدير بالملاحظة أن من بين واحد من أربعة من بين العشرين مليون الذين تابعوا مباراة أميركا وغانا شاهدوها عبر شبكة يونيفيجين الأميركية التي تذيع كافة قنواتها باللغة الإسبانية متوجهة بالطبع إلى جمهور عريض من مهاجري أميركا اللاتينية.

هل تصبح كرة القدم أو السوكر في العرف الأميركي رياضة أميركا الأولى ؟ الترحيب الرسمي من إدارة أوباما وإرساله رسالة شخصية للمنتخب الاميركي لتهنئته على حصوله على المركز الأول وتواجد بيل كلينتون في الملعب مع المشاهدين يوحي بانفراج وحماس أميركي للانفتاح على العالم ومشاركته لعبته المفضلة بعد سنوات ثمان من العزلة.

فهل تفاجئنا أميركا في المونديال القادم في البرازيل بعد أربع سنوات وتحصل على كأس العالم ؟ وإن حصل ذلك هل يصح قراءة هذا التحول ضمن سياق أوسع ينبئ بتحول اجتماعي سياسي أميركي ربما يقوم به الصغار الذين يتدربون على كرة القدم في حدائق وملاعب أميركا اليوم؟ داعب الكوميدي الأميركي الأشهر جو ستيوارت في برنامجه الكوميدي السياسي اليومي مشاهديه بعد فوز أميركا على سلوفينيا قائلاً quot; إن ربحت أميركا كأس العالم يتعين على بقية العالم أن يقول سوكر عوضاً عن الفوتبولquot;. يبدو أن الأميركيين رغم فرحتهم بجو المشاركة العالمية هذا لايزالون يصرون على التفرد وإجبار العالم على اتباع نسختهم الأميركية - البريطانية الأصل في الحقيقة، بتحويل الفوتبول لسوكر وهو أمر غير متوقع حدوثه.