جمعة الشوان

أبدى المصري quot;قاهر الموسادquot; جمعة الشوان انزعاجاً بالغاً من ضعف ولاء وانتماء بعض الشباب العربي، كاشفاً في الحلقة الاولى من حديثه الخاص لـ quot;إيلافquot; عن تفاصيل مثيرة حول رحلته في عالم الجاسوسية لمدة 11 عاماً، تمكن خلالها من الحصول على معلومات خطيرة تتعلق باسرائيل.


القاهرة: الوطن اغلى من كل عزيز، بهذه العبارة الموجزة استهل المصري جمعة الشوان حواره الخاص لـ quot;إيلافquot;، مؤكداً انتمائه الى جيل ورث عن اجداده حب الوطن، وعدم التفريط في ذرة من ترابه، مُعلقاً بذلك على الكشف عن شبكتي تجسس اسرائيليتين، ضمتا عدداً من الشباب المصري والسوري، الذين كانوا يتعاونون مع الموساد، لامداده بمعلومات من خلال التنصت على الاتصالات الهاتفية لشخصيات قيادية في مصر وفي دول عربية اخرى.

رغم تقدمه في السن وعدم قدرته على الافراط في الحديث، الا انه لم يستنكف تجاهل الاهتمام بحالته الصحية، ليتحول الى شاب في مقتبل العمر، ويروي باسترسال وعبارات لا تعوزها الرشاقة بطولاته في خداع أكبر أجهزة الاستخبارات العالمية، ويزداد قوة وعنفواناً حين يُعبّر عن حسرته على تلك الفئة من الشباب العربي، الذي باع نفسه قبل وطنه ليرتمي في أحضان الموساد.

السطور القادمة تعبر عن قليل من كثير اختزنه الشوان في ذاكرته، لينفجر به في هذا التوقيت.

بادئ ذي بدء، ما تقييمك لولاء وانتماء الشباب العربي حالياً؟ وهل ثمة مقارنة بين جيلك وشباب اليوم من حيث حب الوطن؟

في الحقيقة لم يتغير شباب اليوم عن البارحة، ولكن ما تغيّر في واقع الحال هى القيم والتقاليد، وانا ارى ان جيلي وما سبقه من اجيال كان يحرص على الحب، حبنا لبعضنا وحبنا لوطننا وديننا وقوميتنا، كما اننا كنا نقدّر تماماً معنى كلمة quot;العيبquot;، ونتحاشى الوقوع فيه، ليس خوفاً من اللوم او التقريع او حتى العقاب من الكبير، ولكن ترفُعاً عن السقوط فيه، لكن ما يحدث اليوم يحمل قدراً كبيراً من عدم الاكتراث بقيم الحب والاحترام، سواء للذات او للوطن او للغير.

برأيك ما السبب في ذلك؟

إذا كنا بصدد الحديث عن انتماء وولاء الشباب العربي لأوطانهم، فأتصور وانا على يقين من تقديري ان الشباب العربي ما زال حريصاً على انتمائه لأوطانه، وأن ما يجري الحديث عنه من سقوط فئة ضالة من الشباب العربي في شراك اغراءات الموساد والتخابر لصالحه على حساب اوطانهم، لا يتجاوز فئة ضئيلة جداً من الشباب الذي لا يحترم ذاته ويقدرها قبل احترامه وتقديره لوطنه.

البعض يرى ان الشباب العربي يمر بظروف اقتصادية قد تقوده احياناً الى بيع نفسه وربما وطنه، وانا لا أختلف مع وجهة النظر هذه بشكل نسبي. نعم هناك حالة من الغلاء الفاحش، هناك تطلعات للخروج من عنق زجاجة الفقر، في وقت اصبح المال فيه مصدراً لتقييم كل شيئ، ولكن ذلك لا يُعطي مبرراً للخيانة لبيع الذات والوطن، فأى مال يمكن ان يشترى للانسان وطناً بعد ان يبيع وطنه؟ أى مال يعيد للإنسان كرامته إذا فرّط فيها؟ الغريب ان المبالغ المادية التي تقاضاها الشباب المُغرر به مقابل التخابر لصالح الموساد كانت زهيدة جداً، مما يعني اننا امام اشكالية فقدان القيم وليس الافتقار الى المال.

ما بدايتك مع العمل الوطني؟ وما ملابسات اختيارك من قبل الموساد لتكون عميلاً له في مصر؟

سؤالك يعيدني بالذاكرة الى زمن البطولات، لقد خرجت انا واسرتي من بلدي مدينة السويس، وكنت ضمن من اجبرتهم ظروف القصف الاسرائيلي للمدينة على الهجرة، اقمنا في مخيمات بالمدارس وفي مختلف المؤسسات الحكومية، ذقت انا واسرتي طعم مرارة التهجير والفقر، ولكنني لم أيأس ولم تحركني ظروفي الصعبة للاستسلام لأية اغراءات، كما حدث مع بعض الشباب ضعاف النفوس والوطنية، الذين تورطوا في التخابر ضد مصر لحساب الموساد.

أملاً في الخلاص من تلك الظروف العصيبة، قررت السفر الى اوروبا، سيما انني اجيد سبع لغات، وبعد سفري الى القارة البيضاء، التقيت هناك بعناصر الموساد، الذين قدموا انفسهم لي على انهم ممثلين لاحدى شركات الحديد الاوروبية التي ترغب في افتتاح فرع لها في القاهرة، لكنني اشتممت رائحة غير طبيعية في حديثهم، وأوحت لي اسمائهم بانهم عناصر اسرائيلية ربما تنتمي الى الموساد، وزادت شكوكي عندما اعطوني مبلغ 185 الف دولار نظير رسوم افتتاح فرع لمؤسستهم في مصر، وابلغتهم انني سأسافر الى العاصمة المصرية من اجل اعداد الاجراءات اللازمة لافتتاح الفرع.

هل كنت تعتزم فعلاً اقامة فرع لمؤسستهم في القاهرة؟

ريبتي في هويتهم ونشاطهم الحقيقي جعلتني أفكر أكثر من مرة قبل الاقدام على اية خطوة، وهداني تفكيري فور وصولي الى القاهرة للقاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر شخصياً، وبالفعل توجهت الى مقر اقامته بمنشية البكري وطلبت من حراسته مقابلته، وبسؤالهم عن سبب اصراري على لقاء الرئيس، ابلغتهم ان السبب خاص وسري للغاية لا يمكن الحديث فيه سوى مع عبد الناصر شخصياً، فأبلغوه بهويتي وطلبي فاستجاب للقاء على الفور.

ما الحوار الذي دار بينك وبين الزعيم الراحل عبد الناصر بالتفصيل؟

كانت لعبد الناصر شخصية كاريزماتية تُضفي عليه مهابة غير عادية، غير ان شعوري بأهمية الموضوع الذي طلبت لقائه من اجله، جعلني ابدو اكثر تركيزاً، خاصة انه طلب مني الحديث في أدق تفاصيل الموضوع، فشرحت له بإسهاب دقيق ما حدث، وما ينتابني من شعور مؤكد بخطورة الأمر، وكيف انه يتضح من اسماء تلك العناصر، انهم ينتمون الى جهاز الاستخبارات الاسرائيلي الموساد.

بعد شرح توجساتك وإرهاصاتك لعبد الناصر ماذا كان رده عليك؟

بدت على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر علامات الشك والريبة، ولم يُعلق بكلمة واحدة، ولكنه أمر بتحويلي الى المخابرات المصرية العامة، وهناك التقيت قيادات بارزة في الجهاز، وشرحت بتفصيل دقيق ما حدث معي في اوروبا، وطبيعة العرض الذي تلقيته من العناصر التي يدور الحديث عنها، فعرضوا علىّ بعض الصور الفوتوغرافية، علني اتعرف على بعضها، او قد يكون من التقيت بهم من بينها، وبالفعل تعرفت على صورتين احداهما للمدعو جاك والاخرى لأبراهام، فأصبحت انا ومن معي من جهاز المخابرات المصرية على قناعة بأن هناك محاولة اسرائيلية للايقاع بي في شراك الموساد.

ما التعليمات التي تلقيتها من المخابرات المصرية للتعامل مع عناصر الموساد؟

تلقيت تدريبات عنيفة وشاقة للغاية زهاء فترة طويلة، وطلبت مني قيادات المخابرات المصرية العامة التظاهر بكراهيتي لمصر وعبد الناصر، وكيف انه كان سبباً في تشريدي وطردي من بلدي السويس انا واسرتي، وتدربت للرد على كافة الاسئلة المحتملة، التي من الممكن ان يوجهها لي عناصر الموساد بعد عودتي الى اوروبا، حتى اصبحت مؤهلاً جيداً للتعاطي مع اية ظروف، وفي حقيقة الامر كان توفيق الله يرافقني في كل خطوة اقوم بها.

وماذا بعد العودة الى اوروبا ولقاء عناصر الموساد مجدداً؟

بفضل تدريبات وتعليمات المخابرات المصرية العامة، كنت حريصاً على الثبات في كل خطوة أخطوها، وكانت ردود افعالي رصينة ومتزنة، حتى بات عناصر الموساد على يقين بحصولهم على مادة خام جيدة يمكن تجنيدها لتصبح جاسوساً لاسرائيل ضد مصر، ولعل هذا اليقين هو ما جعل تلك العناصر تكشف عن هويتها الحقيقية فور لقائي باثنين من ابرز قادتهم quot;جاكquot;، وquot;ابراهامquot;، إذ التقيت بهما في مدينة ميلانو بايطاليا فور عودتي من القاهرة.

كان جاك وابراهام سعداء جداً عندما صببت جام غضبي امامهم على عبد الناصر ومصر، وحين تظاهرت وفقاً لتعليمات المخابرات المصرية بأن عبد الناصر كان سبباً مباشراً في تشريدي انا واسرتي من مدينة السويس، عندئذ اصطحباني الى مدينة ليون بفرنسا، وقاما بتدريبي على استخدام الحبر السري في كتابة الرسائل، وعلى كيفية جمع المعلومات العسكرية واستطلاع رأي الشارع المصري حول مختلف القضايا، كما قاموا بتدريبي على حل الشفرة وتلقي رسالة يومية من تل ابيب في تمام الساعة الرابعة عصراً عبر الراديو، على ان اقوم بالرد عليها بنفس الطريقة بعد الاطلاع على الاسئلة المطلوب مني الرد عليها.