تحصينات أمنيَّة وانتظار للأسوأ قبل إعلان القرار الإتهامي
التشاؤم يسود الموقف في لبنان والسعودية laquo;سحبت يدهاraquo;

سقط التفاهم السعودي- السوري على الوضع اللبناني سقوطًا مدويًّا، ولم تعد تنفع معه الدعوات السّاذجة التي تُطلق بكثرة في بيروت للعودة إلى ما سمي quot;بنود السين- سينquot;.


كان واضحًا أن إعلان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل رفع يد المملكة عن الشأن اللبناني ووقف وساطتها كان استكمالًا لمواجهة كلامية ساخنة بينه وبين نائب وزير الخارجية فيصل المقداد خلال التحضير للقمة العربية الإقتصادية الثانية التي تنعقد اليوم في شرم الشيخ.

فقد حمّل الفيصل القيادة السورية وquot;حزب اللهquot; تبعات التملص من التفاهم على توفير الحد الأدنى من الإستقرار السياسي والأمني في لبنان وتحوير مضمون الإتفاق السعودي- السوري في هذا الشأن من خلال إشاعة أجواء وتسريبات مغلوطة وعمليات تضليل إعلامية وصحافية واسعة جندت لها الكثير من الشاشات والأقلام مصدرها دمشق وضاحية بيروت، ومختصرها أن السعودية موافقة على السعي إلى إنهاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وتؤيد تاليًا المطالب المرفوعة من سورية وquot;حزب اللهquot; في هذا الشأن وأبرزها ثلاثة : وقف بروتوكول التعاون بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة في شأن المحكمة الدولية، وقف سداد لبنان حصته من تمويل هذه المحكمة، وسحب القضاة اللبنانيين منها.

أسباب كثيرة للإستياء والقلق

علم السعودية أمام صورة لرئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في بيروت

ويقول مواكبون للتحرك السعودي السابق من أجل لبنان إنه في حقيقته اقتصر على تفاهم مع دمشق استمرت مفاعيله أشهرًا عديدة في بيروت من خلال إرساء جو من الهدوء السياسي والأمني واستعدادات ظلت غالب الأحيان من طرف واحد لحوار من أجل إيجاد صيغة حوار موسع بين اللبنانيين، ليس في دمشق بالطبع كما روجت مصادرها، توصلًا لاستيعاب تداعيات القرار الإتهامي الذي كان واضحًا للمملكة أن لا سبيل لوقفه والحؤول دون صدوره على قاعدة أن المحكمة الخاصة بلبنان شأن دولي أكبر من السعودية وسورية والدول العربية مجتمعة، وليس في مقدور رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بالطبع فعل أي شأن في هذا المجال.

علمًا أنه أبدى أقصى المرونة بناء على تمنيات سعودية في إبداء الإنفتاح الكامل على دمشق وحلفائها في لبنان ولا سيما quot;حزب اللهquot; وصولًا إلى إيران، لكن خطواته الإيجابية كانت تقابل كل مرة بسلبية مطلقة، فبعد زيارته لدمشق طولب الحريري بما يشبه اعلان الإستسلام الكامل والتنكر لقومه وأهله، وبعد حديثه لصحيفة quot;الشرق الأوسطquot; عن قضية quot;الشهود الزورquot; صدرت مذكرات توقيف عن السلطات القضائية السورية في حق 33 من مساعديه السياسيين والأمنيين والقريبين منه بدل ملاقته في منتصف الطريق، وطوال الوقت لم تتوقف محاربته والحملات عليه من داخل حكومته من خلال وزراء التحالف المؤيد لطهران ودمشق خلافًا لما كانت قد اتفقت عليه المملكة مع القيادة سورية، حتى كانت النقطة التي طفح بها الكيل باستقالة وزراء المعارضة العشرة والضغط على quot;الوزير الوديعةquot; في حصة رئيس الجمهورية عدنان السيد حسين حتى استقال فسقطت الحكومة لحظة اجتماع الرئيس الحريري مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في واشنطن من دون أن تكون لدى quot;حزب اللهquot; ودمشق وحلفائهما خطة واضحة لمرحلة ما بعد هذه الإستقالة سوى إرجاء الإستحقاقات، بدءًا من الإستشارات النيابية لتكليف رئيس للحكومة والتي حددت موعدها رئاسة الجمهورية الإثنين والثلاثاء المقبلين وقد لا تحصل على الإطلاق في رأي العديد من السياسيين الذين التقتهم quot;إيلافquot; وسألتهم رأيهم في تطور الأوضاع، إذ يرى هؤلاء سباقًا بين موعد تلك الإستشارات وعمليات إحراق دواليب وإغلاق طرق يرجحون أن تبدأ على طريق مطار بيروت الدولي وقد تشمل quot;بيت الأمم المتحدةquot; ( الأسكوا) في وسط بيروت، ولن تكون أي منطقة في منأى عنها، بما في ذلك المناطق ذات الغالبية المسيحية في كسروان وجبيل، أو ذات الغالبية الدرزية حيث الحساسية العالية بعد موقف رئيس quot;اللقاء الديمقراطيquot; النائب وليد جنبلاط.

فقد كان الزعيم الدرزي وعد quot;حزب اللهquot; وتاليًا دمشق بأن يكون رأس حربة في الحؤول دون عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، ثم انتقل إلى خانة الإكتفاء بتأييد مواقف الحزب ودمشق بما تيسر له من نواب quot;اللقاءquot; الـ 11 الذين يترأسهم، حتى انتهى به المطاف إلى الإصطفاف مجدّدًا في الإستشارات التي أرجئت مع قوى 14 آذار/ مارس الملتفة حول مرشحها الوحيد سعد الحريري، الأمر الذي يعرض جنبلاط لأخطار كبيرة حتى لو صرح بأن الرئيس السوري بشار الأسد ترك له حرية الخيار. وطبيعي أن يتخذ الرئيس السوري هذا الموقف مع الرجل الذي انقلب عليه سابقًا ثم انقلب معه وقد يتسبب له في ورطة عربية ودولية إذا ضغط عليه مجددًا للحؤول دون عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة وهو المتمتع بدعم دولي وعربي لم يعرف مسؤول لبناني في السابق مثيلاً له.

تشبيه خليجي

الأمير سعود الفيصل

جدير بالذكر هنا، بعيد التأكد من غياب quot;تفاهم السين - سينquot; الذي كان وهمًا عاش اللبنانيون عليه طويلاً، يقول دبلوماسي خليجي لـ quot;إيلافquot; إن الأخبار المضللة عن موافقة السعودية على السعي إلى إسقاط المحكمة الدولية بدءأ من محاولة إسقاط القرار الإتهامي هي من سابع المستحيلات وليست من الواقعية في شيء، وكذلك المطالبة بإبعاد صناع القرار الدولي عن المحكمة، فهذه تشبه أكثر ما تشبه مطالبة الرئيس بشار الأسد على سبيل المثال بتسليم شقيقه إذا لزم الأمر إلى المحكمة الدولية.

أما قول الأمير سعود الفيصل إن المملكة تؤيد الجهود القطرية - التركية الساعية إلى التهدئة في لبنان فهي تعني quot;باللغة السعوديةquot; بحسب الدبلوماسي نفسه quot;مبروك عليكم لبنانquot;. لكنه أضاف بجدية تامة ملاحظة جديرة بالتأمل، وهي أنّ الموقف الذي أعلنه الأمير سعود الفيصل من الشأن اللبناني يشكل انتصارًا للدعوات الداخلية في المملكة إلى التوقف عن صرف الجهد في لبنان وغيره من الدول البعيدة نسبيًا والتركيز في المقابل على متابعة أوضاع الدول المجاورة للمملكة، مثل اليمن والعراق ودول الخليج الأخرى.

وواقع الأمر إن quot;الإنتفاضة السعوديةquot; جاءت في مرحلة بالغة الخطورة أصبح فيها لبنان أشبه ببرميل بارود ولا ينقص إلا عود ثقاب، أيا يكن نوعه كي ينفجر. وحشر quot;حزب اللهquot; بالقرار الإتهامي لن يترك له وفق المنحدر الذي سلكه، والذي لا يبشر بمصالحة على الأسس التي أبدى الرئيس سعد الحريري استعداده لها ( الإكتفاء بالحقيقة وعدم الرغبة في ثأر وانتقام، وتغليب الوحدة الوطنية والتطلع إلى الغد بدل الغوص في أحقاد الماضي...) هو حشر لقوة عظمى بالمقاييس اللبنانية النسبية كي تندفع نحو انقلاب كامل سيفجر لبنان بسرعة قصوى في حال حصوله ويدخله حربًا أهلية كالتي حذر منها الأمير سعود الفيصل لا تبقي ولا تذر.