اقتطفت نهاية معمّر القذافي، التي لم يكن يتخيلها أحد، مشاهد مختلفة من نهايات طغاة سبقوه وكان مصيرهم مريعًا على أيدي شعوبهم، وشكّلت حالة خاصة ستظل عالقة في أذهان الجميع، لينتهي به الأمر مدفونًا في مكان سرّي في الصحراء بعد ساعات أخيرة من حياته رأى فيها ما لم يكن يتصوّره.


الديكتاتور تشاوشيسكو والقذافي

الرياض: لا يختلف هوس السلطة لدى القذافي عن معظم الطغاة الذين حكموا بلداهم بالحديد والنار فيكل الأزمنة، حتى انتهى بصور متعددة لنهايات شخصيات تاريخية، إذ سحل وأُعدم، وعرض للفرجة، ثم دفن غريباً.

القذافي تصرّف كما لو أنه إمبراطور يتحكم في كل شيء، ويفعل ما يريد، ولا يملك أحدًا غيره إلا السمع والطاعة، فهو الزعيم، وقائد الثورة، وأمين القومية العربية، وعميد الحكام العرب، ورئيس الاتحاد الأفريقي، وملك ملوك أفريقيا، وإمام المسلمين، ورئيس تجمع دول الساحل والصحراء وقائد ما يسمّى بالقيادة الشعبية الإسلامية.

كل هذه التسميات لم تكن لتنجده لحظة العثور عليه، ومحاولات الرجاء والاستعطاف في آخر لحظات حياته، تذكّر باللحظات الأخيرة لحياة الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكو، فقد حاول دون جدوى استعطاف الجنود الذين أسروه، وكان مصيره القتل رميًا بالرصاص.

خضع تشاوشيسكو لمحاكمة ميدانية سريعة، ثم أعدم بالرصاص، وهو مشهد يشبه إلى حد بعيد مشهد قتل القذافي، الذي جرّه الثوار وهو مصاب، وأطلق بعضهم عليه الرصاص، ليتوفى في ما بعد متأثر بجروحه، كما تقولمعظم الروايات.

أما الصور التذكارية، التي أخذها بعض الثوار مع جثة القذافي والبصق والشتم الذي لاقاه وقت إلقاء القبض عليه ثم قتله أو مقتله، فتتطابق تقريبًا مع اللحظات الأخيرة في حياة رئيس الحكومة الإيطالية الفاشيquot; بينيتو موسوليني، قبل أن يلقى وعشيقته كلارا حتفهما شنقًا ومقلوبي الأرجل أمام محطة تزويد وقود على يد الشعب الإيطالي الغاضب، ثم مجيء زمرة من الإيطاليين ليشتموهما ويسبوهما ويبصقون عليهما ويطلقون النار على الجثتين.

تشاوشيسكو وإلينا وقت المحاكمه
بعد إعدام وسحل جثة موسوليني والتقاط الصور بجانبها، جرى دفنه مع عشيقته سرًا في ميلانو، تمامًا كما جرى مع جثة القذافي وابنه معتصم، إذ آثر المجلس الانتقالي دفنهما في الصحراء من دون يعرف مكان دفنهما سوى شخصين فقط وفق ما ذكرت تقارير ليبية.

تسلّمت عائلة موسوليني جثته في ما بعد، ودفن في المدينة التي ولد فيها، وحالياً لا تخفي قبيلة القذافي رغبتها في استلام جثته، وإعادة دفنه من جديد في مدينة سرت، التي كان فيها أول وآخر أنفاسه.

إلا أن جثمان القذافي لم يوار الثرى قبل أن يقطن وحدة تبريد في سوق مصراتة للحوم، إلى حين إيجاد المكان المناسب لدفنه،وفي الوقت نفسهأصبح مزارًا لكل من يريد أن يرى جثة ذلك الديكتاتوري أمام عينيه.

استضافة وحدة التبريد لجثة القذافي، يتطابق ومآلجثمان رئيس جمهورية الفلبين العاشر فرديناند ماركوس، الذيلا تزال جثته تستوطن قبو مجمد في بلدته منذ 18 عامًا، حيث ترفض عائلته وخصوصًا أرملته أن يدفن في مكان آخر غير مقبرة (quot;هيروسquot;، الأبطال) في مانيلا، لكونه كان رئيسًا سابقًا وجنديًا شارك في الحرب العالمية الثانية وتقلد وسامًا.

وهي ترى أن يكون جثمانه مجمدًا في قبو أفضل من أن يدفن في مكان آخر غير مقبرة هيروس، إلا أن الرئيس الفليبيني الحالي صرّح بأنه لن يسمح بدفن الديكتاتور الراحل ماركوس في هذه المقبرة.

قبيلة القذافي كأسرة ماركوس حملت هم جثمان ابنها مع اختلاف طفيف، فالأولى أصدرت بيانًا دعت فيه الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية إلى الضغط على قادة ليبيا الجدد لتسليم جثة القذافي ونجله كي يدفنوهما وفقًا للشعائر الإسلامية، وهي حتمًا لا تقصد الطريقة نفسهاالتي اختارتها أميركا لدفن جثة بن لادن وفقًا للشعائر الإسلامية. أما الأخيرة، فهي ما زالت تنتظر دفن رفات ماركوس في مقبرة هيروس.

موسوليني وعشيقته ورجاله خلال الإعدام

في السياق عينه،وبعيدًا عن حكام الدول، دفن القذافي في مكان سرّي، كي لا يكون قبره محجًا، بحسب المجلس الانتقالي الليبي، وهذا يعيد الذاكرة إلى نبأ دفن بن لادن في بحر العرب، فالثوار اختاروا أن يكون مكان قبره سريًا في الصحراء بعيدًا عن الصور أو نقل مراسم الدفن عبر مقاطع فيديو بخلاف نقلهم لتفاصيل نهايته، وهذا الخبر يثير غموضًا كالغموض الذي اكتنف نبأ مقتل بن لادن، الذي تم فجأة وبعيدًا عن الصور، فاختار أعداؤه أن يشيّعوا خبر مقتله ودفنه بحرًا، وهي النهاية السرية نفسهاالتي اختارها ثوار ليبيا.

مآل القذافي الذي لم يكن ليخطر على بال أحد، كان وما زال مزيجًا من مقتطفاتحياة ونهايات شخصيات عدة شغلت العالم، وكأن مشاهد من حياتهم اجتمعت لتكوّن مصير quot;ملك ملوك أفريقياquot;.