في حوار مع إيلاف، يرى عبد الحليم خدّام مستقبلا مشرقا لسوريا quot;المحتلة اليوم من قبل الجيش السوريquot;، ويلفت إلى أنّ مطلب التدخل الأجنبي واجب أخلاقي، موضحًا أنّ إيران هي من تتحكّم في القرار في سوريا، ومتخوفًا على لبنان من سيطرة حزب الله.
يدعو النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدّام في حوار مع quot;إيلافquot; إلى توحيد صفوف المعارضة السورية، رافضًا التوقف عند أحقيّة القيادة لأنّ نقاشًا من هذا النوع يعدّ quot; جدلا بيزنطيا بينما سوريا تحترقquot;. ويتخوّف خدّام من مخاطر تشرذم المعارضة وانعكاسات ذلك على مرحلة ما بعد سقوط نظام الاسد، ويطالب مجددًا المجتمع الدولي بالتدخل عسكريا quot;لحماية الشعب السوريquot; من الجرائم التي يرتكبها النظام في بلاده، مؤكدّا أنّه لا يبحث عن سلطة أو دور سياسي إنما يفعل ما يمليه عليه الواجب لإنقاذ بلاده وشعبه.
التدخل الأجنبي واجب أخلاقي وديني
يحذّر خدّام من خطورة الوضع في سوريا، داعياً المجتمع الدولي الى التدخل العسكري كما حصل في ليبيا. ويقول إن جرائم القتل والإبادة المستمرة التي يمارسها النظام تضع السوريين أمام خيار واحد وهو الصمود والإقدام بشجاعة.
لكن لماذا الدعوة إلى تدخل عسكري أجنبي على الرغم من رفض المعارضة السوريّة؟ يفسَر خدّام أنّ شعار رفض التدخل الأجنبي يعود إلى حقبة الحرب الباردة في الخمسينات وهي فترة احتدم فيها الصراع بين حركة التحرر العربية في مواجهة حلف بغداد.
ويرى خدّام دعوة المجتمع الدولي إلى حماية الشعب السوري طبيعيّة ومشروعة وترد ضمن المواثيق الدوليّة لحقوق الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة، منتقدًا بشدّة quot;أولئك الذين يعترضون على التدخل العسكريquot;، لافتًا إلى أنّهم بعيدون عن معاناة الشعب السوري، فهم يعيشون في الخارج، ولا تتشرّد عائلاتهم كما لا يقتل أبناؤهم أو أقرباؤهم، ولا يتعرضون للاضطهاد والسجن ولا تنتهك حرمات منازلهم. يضيف خدّام أنّ من يعترض على التدخل الأجنبي ليس السوريين الذين يتأذون بشكل مباشر من جرائم النظام، لافتًا إلى أنّ quot;الشعارات لا توقف الدماء ولا تمنع القتلquot;.
ويرفض خدام التدخل العسكري في حالة واحدة، وهي عندما تكون الدولة للسوريين وفيها حكومة وطنيّة منبثقة من الشعب وملتزمة بمبادئه. ويوضح quot;أمّا عندما يحوّل النظام السوري جيش البلاد إلى جيش احتلال، ويأمره باقتحام المدن والقرى وبالتدمير والقتل، في هذه الحالة يصبح مطلب الاستعانة بالأجنبي مسؤولية وطنيَّة وواجبًا أخلاقيًا ودينيًاquot;.
العلاقة مع واشنطن لما فيه الخير لسوريا
يتحدث البعض عن علاقات خاصة لعبد الحليم خدام مع واشنطن التي لها رغبة أكيدة في القضاء النهائي على نظام الأسد. فهل هناك تعاون بينه وبين الولايات المتحدة في هذا الاتجاه؟ يقول خدّام quot;تكثر الأحاديث والشائعات. أنا أعمل ما فيه الخير لسوريا، وعندي كل الثقة في أن الخيار الأساسي والوحيد الذي ينقذ سوريا هو تدخل المجتمع الدولي عسكريا على غرار ما جرى في ليبياquot;.
ويرى خدّام أنّ من الطبيعي أن يطالب الولايات المتحدة والبلدان الغربية والاتحاد الروسي والصين بالوقوف مع هذا الخيار وإنقاذ سوريا. أمّا في حال أصرّ الروس والصينيون على موقفهم، يقول خدام quot;سنطالب الدول الغربية أن تتخذ موقفا مشتركا كالموقف الذي اتخذته عندما انفجرت الأزمة في يوغوسلافيا وأن تعمل على تحرير سوريا وإعادة السلطة للشعب السوري لممارسة خياراته وتحقيق تطلعاته الوطنيةquot;.
سعي إيران لأن تكون مرجعية
تسأله إيلاف: لا شك في قوّة الدعم الإيراني للنظام السوري. بحكم إشرافك لفترة من الزمن على ملف العلاقات بين البلدين، إلى أي حد يمكن أن تستمرّ إيران في هذا الدعم؟ فيجيب خدام: إيران تدعم النظام في سوريا لأنه إحدى أهم القواعد الاستراتيجية في المنطقة. أهداف إيران الأساسية بناء دولة قوية قادرة على الهيمنة والسيطرة على المنطقة. دولة تكون هي المرجعية، لها مرجعية القرار في المنطقة. هذه الدولة يمتد نفوذها من البحر الأبيض المتوسط إلى حدود أفغانستان.عبدالحليم خدام خلال حديثه مع quot;إيلافquot;
إيران سيدة القرار في سوريا
ويرى خدّام إنّ القرار في سوريا هو إيرانيّ، لافتًا إلى أنّ إيران تقدّم كلّ الوسائل الممكنة لاستمرار النظام السوري وحمايته من السقوطquot;. يضيف quot;لكنّه سيسقط وستسقط معه استراتيجية إيران في المنطقةquot;. ويقول خدام quot;إيران ممسكة الآن بالملف الفلسطيني عبر حلفائها الذين أقامت علاقات معهم عبر سوريا. هي الآن مهيمنة على العراق عبر الأحزاب الإسلامية الشيعية وعبر القوى الإيرانية الموجودة في الساحة العراقية، بالإضافة إلى الخلايا النائمة في معظم الدول العربية والإسلامية. إذن هناك رؤية إيرانية للمنطقة تتناقض مع رؤيتنا كعرب نكافح ونتطلع إلى النمو والازدهار، وأن نكون في وضع سليم نستطيع أن نكون عونا لكل الدول العربية والدول التي تحتاج إلى دعمنا ومساعدتنا، بينما الآن نحن نشكل عبئا يجب أن نتخلص منه، وذلك بالتحرر وبناء الديمقراطية وتحقيق التقدم والنمو والازدهار.
لبنان يحكمه حزب الله ووضعه خطير
ويفسّر النائب السابق للرئيس السوري أن تحالف بشار الأسد مع النظام الإيراني مكّن طهران من السيطرة على لبنان سيطرة كاملة، فلبنان اليوم دولة غير مستقلة.
أما عن امكانية أن يسخّر النظام السوري ذراعه الممتدة في لبنان من خلال حزب الله لزعزعة هذا البلد في حالة شعوره بالخطر، فيرى خدّام أنّ الوضع الأمني في لبنان مزعزع. يضيف quot;لبنان تحت الهيمنة الكاملة لإيران عبر حزب الله. الأمن والحكومة والمؤسسات والمراكز الأساسية في الدولة السياسية والأمنية كلها بيد حزب الله، بالتالي لبنان ليس مستقلا الآن. الوضع في لبنان قلق وخطير. لكن أستطيع القول إن اللبنانيين لن يستطيعوا التحرر من سيطرة حزب الله وإيران إلا إذا سقط النظام في سوريا وجاء نظام ديمقراطي.
ويقول إن quot;السيادة اللبنانية لم تعد موضع نقاش، ويعود لبنان دولة مستقلة ذات سيادة كدولة عربية لها مسؤولياتها وعليها مسؤولياتهاquot;.
تشرذم المعارضة يهدد مستقبل سوريا
عن المجموعة المعارضة الجديدة، يوضح خدّام أنّها وليدة اتصالات بين مجموعة من السوريين الوطنيين الذين اتفقوا على عقد سلسلة من الاجتماعات في باريس، انبثقت منها الهيئة الوطنية لدعم الثورة. ويلفت خدّام إلى أنّ الهيئة الوطنية quot;جزء من المعارضة السياسيةquot; وتهدف إلى دعم الثورة وتلتزم العمل على توحيد جميع أطراف المعارضة والداعية إلى إسقاط النظام وبناء دولة الديمقراطية المدنية.
عن تعدّد مجموعات المعارضة وتأثير ذلك على مستقبل سوريا، فلا يخفي خدام تخوّفه من أن تضرّ الخلافات في صفوف المعارضة بمصلحة بلاده، داعيا إلى الاتفاق على شعار موحّد وهو quot;إنقاذ سورياquot; ونبذ باقي الشعارات الحزبية أو السياسية التي تروّج لجهة معارضة على حساب أخرى، داعيا إلى توحيد الجهود والاتفاق على رؤية واحدة لإسقاط النظام وتجاوز المرحلة الانتقاليّة وتقديم الأفضل لمستقبل سوريا.
ويتخوّف خدّام من مخاطر تشرذم المعارضة على مرحلة ما بعد سقوط نظام الاسد، ويوضح quot;الخطر ليس الآن، إنما هو بعد سقوط النظام إذا تنافست هذه الجماعات حول السلطة عندئذ سيصبح الوضع معقدًا وليس في مصلحة سورياquot;. يضيف أن quot;مصلحة كل السوريين الوطنيين أن يعمل الجميع على تجاوز خلافاتهم وحساسيّاتهم ويتوحّدون يدا بيد من أجل سورياquot;.
وعن قيادة المعارضة السورية في حال عرض عليه ذلك، يلفت خدام الى أنّ quot;المسألة ليست في قيادة المعارضة إنما في توحيد صفوفها، وعندما يحصل ذلك يمكن لها أن تفرز قيادتها، لذلك نقاش من هذا النوع هو نقاش بيزنطي. البلد يحترق والناس يقتلون. أن نقف عند من يقود وعند من لا يقود هذا أمر ليس فيه شيء من الوطنيةquot;.
الشعب يختار رئيسه
أمّا الشخصية السياسية الأقدر على قيادة المعارضة، فيرى خدّام أنّ الشعب هو من يختارها. ويقول إن quot;المسألة ليست شخصية إنما هي عمل جماعي وشعور وطني يفرضان على الجميع التعاون والتعاضدquot;. يضيف quot;المسألة ليست استبدال ديكتاتور بآخر، فالسلطة يجب أن تعود إلى الشعبquot;. ويوضح خدام أنّ بعد سقوط النظام وتجاوز المرحلة الانتقاليّة في سوريا، الشعب وحده يقرّر من خلال صناديق الاقتراع من يقود المرحلة الدستورية مستقبلاً في سوريا.
لا أبحث عن دور سياسي
لمن ينتقدونه لأنّه خدم النظام السوري لعقود من الزمن ويعتبرون أنه لا يتمتع بالشرعية للحديث بلسان المعارضة، يقول خدام quot;هذا لا يقلقني، فالسوريون يعرفون جيدا أنني كنت مسؤولا عن السياسة الخارجية ولم تكن لي علاقة بالسياسة الداخليةquot;. ويقول إنّه عندما غادر سوريا، تحدث بوضوح عن تفاصيل تلك الحقبة.
ويصف خدام من يتهمونه بالولاء للنظام بالسذّج، ويتساءل quot;ألم يصبح قادة وزعماء قريش الذين حاربوا سيدنا محمد وحاولوا القضاء على الدعوة الإسلامية، هم الذين حملوا راية الدعوة الإسلامية من المدينة إلى حدود الصين وصولا إلى الحدود الأطلسية؟quot;. يضيف quot;كان الرسول الكريم يقول اللهم انصرني بأحد العمرين، عمر بن الخطاب أحدهما، ألم يصبح عمر بن الخطاب الخليفة الثاني الذي ثبت أركان الدولة الإسلامية؟ ألم يصبح خالد بن الوليد سيف الله؟ وكان من الذين حاربوا الدعوة في مرحلة من المراحلquot;.
ويضع خدّام كلام منتقديه في إطار الدّعاية التي يروّج لها النظام السوري والهادفة الى تشويه سمعة المعارضين، ويؤكد أنّ ذلك لا يقلقه quot;فليقل من يقول ما يشاء، لكن أنا أعرف موقعيquot;. ويؤكد quot;أنا لا أبحث عن سلطة ولا أعمل بالسياسة إنما أقوم بعمل وطني لإنقاذ بلادي وإنقاذ شعبنا الذي يعاني منذ أكثر من خمسة عقودquot;.
المبادرة العربية
ولدى سؤاله: ما الذي غاب عن المبادرة العربية حتى تفشل في منح النظام السوري فرصة تاريخية لإنقاذ نفسه بالتفاعل الإيجابي مع مطالب الشارع السوري؟ يجيب خدام أن quot;المبادرة انطلقت من واقع النظام العربي، لكن نحن في الهيئة الوطنية توجهنا هو رفض كل أشكال الحوار مع هذا النظام وتمسكنا بسقوطه ومحاسبة جميع قياداته وجميع المتورطين في قضايا التعذيب والاضطهاد.
سوريا ما بعد الأسد ديمقراطية
لا يرى خدام طريقًا آخر لإعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي في النمو والتقدم والازدهار وفي خدمة الأمة العربية باستثناء طريق واحد وهو الطريق الديمقراطية. ويقول إنّ سوريا ما بعد الأسد، ستكون ديمقراطية، وستضمن حقّ الشعب في اختيار مؤسساته الدستورية، وستكون السلطة في يد مجلس الوزراء وليس في يد رئيس الجمهوريةquot;. يضيف أنّه يرى سوريا الغد quot;دولة تعيش مختلف أشكال الديمقراطية، حيث يتم فيها تداول السلطة عن طريق الانتخابات، وتعطي السلطة التشريعية كامل الرقابة على السلطة التنفيذية، كما تمنحها الحق في المحاسبةquot;.
ويلفت خدام إلى أنّ سوريا جرّبت العيش تحت حكم وسيطرة الأنظمة الشمولية منذ العام 1952، شأنها في ذلك شأن دول عربيّة أخرى اتخذت الطريق ذاته وطبقت النظام الشمولي المبنيّ على الاستبداد من دون أن تجني إلا الفساد والتخلف والفقر والخوف. يضيف quot;الخيار الديمقراطي وحده هو الذي يطلق الحريات وقدرة المواطنين على التفكير والإبداع والإنتاج وعلى العملquot;.
التعليقات