رغم أن السلطات المصرية أفرجت الأسبوع الماضي عن المئات، وربما الآلاف، من المعتقلين اللذين وقعوا في قبضة الأمن خلال 18 يوما من المظاهرات المطالبة بالديمقراطية، يظل عدد من هؤلاء مجهول المكان. ورغم احتجاج جماعات حقوق الإنسان، تظل الحكومة العسكرية صامتة.



منذ ثلاثة أسابيع ولا أحد يعلم مكان زياد بكر (37 عاما)، وهو أب لثلاثة أطفال يعمل مصمم غرافيك في دار الأوبرا بالقاهرة. ولم يعرف عنه اشتغاله بالسياسة قبل انضمامه يوم الجمعة 28 يناير / كانون الثاني الماضي الى موجة الغضب في ميدان التحرير.

ومن يومها لم يره أحد. ويقول والده محمد في منزله بحي المهندسين لمراسل فضائية laquo;بي بي سي نيوزraquo; الإخبارية: laquo;صدقني، كل شيء خطر على بالنا. ربما اعتقل.. ربما جرح.. ربما قتلraquo;! ويضيف أنه زار سائر مستشفيات المدينة ومشارحها بحثا عن ابنه أو جثته.

وتقول شقيقته ميريت، وهي فنانة أيضا وكانت بالخارج وقتها، إنها هي التي شجعته على التوجه الى ميدان التحرير لمعرفة ما يدور فيه. وتضيف قولها: laquo;أعرف أن السياسة لم تكن تستهويه. وكان محتما ونحن نتحدث بالهاتف ان نتطرق الى مجريات الأمور، فاقترحت عليه الانضمام الى المتظاهرين ووافق. أشعر بذنب عظيم الآن لأنني السبب في كل هذاraquo;.
ورافق زياد أحد أصدقائه الى ميدان التحرير في تلك الجمعة المسماة laquo;يوم الغضبraquo; وبلغت فيها نار الثورة أوجها خاصة بعدما نزل أنصار مبارك للاشتباك مع المطالبين بالديمقراطية واعتقل أفراد الأمن، سواء بالزي العسكري أو المدني مئات المتظاهرين. وغاب الصديق عن زياد لدقيقتين، وعندما عاد لم يجده في مكانه وكانت تلك هي آخر مرة يراه.

وقد أفرجت السلطات الأسبوع الماضي عن معظم المعتقلين. لكن حوالي 100 منهم يظلون حتى الآن في معسكرات حربية وحوالي 50، مثل زياد، لا يعرف مكانهم على الإطلاق أو ما حدث لهم. وتجاهد جماعات حقوق الإنسان الآن لفك طلاسم اللغز لكنها تقول إن صمت الحكام العسكريين لا يساعدها على إنجاز هذه المهمة.

ويقول أحمد رجب، من laquo;مركز هشام مبارك القانونيraquo; المعني بترقية حقوق الإنسان في مصر وغيرها: laquo;اعتقد أن الواجبين الإنساني والأخلاقي يلزمان الحكومة بالكشف عن العدد الحقيقي لأولئك الذين لا يزالون يُحتجزون في المعسكرات الحربية والسبب وراء احتجازهم هناك في المقام الأول. طالبناهم بالحديث ولكن لا حياة لمن تناديraquo;.

ويقول المراقبون إن رحيل مبارك وبقاء رموز نظامه وعسكره يعنيان أن السياسة الحكومية القديمة تظل كما هي بدون أي أي تغيير. ومن جهته يقول توم بورتيوس، من جماعة laquo;هيومان رايتس ووتشraquo;: laquo;من المقلق حقا أن الجيش لايزال متورطا في الاعتقالات والاحتجازات في وقت يتطلب منه أن يبعث برسالة واضحة الى الشعب مفادها أن ساسات القمع القديمة رحلت برحيل مباركraquo;.
وبالنسبة لميريت، شقيقة زياد، فحتى كونه معتقلا لا يخلو من ألم وحيرة. وتتساءل: laquo;نتوقع أن الشرطة هي التي تقوم بالاعتقالات وليس الجيش. لماذا اعتقلتموه وأي ذنب ارتكبraquo;؟ ويظل والده محمد متشبثا بالأمل ويقول وهو يشخص ببصره الى السماء: laquo;سيعود زياد وأنا واثق من ذلك. أما المستقبل بالنسبة لمصر فهو الديمقراطية، فالديمقراطية، ثم الديمقراطيةraquo;