متظاهرون في ميدان التحرير في القاهرة في جمعة quot;وحدة الصفquot;

تعتزم القوى الحزبية الليبرالية في مصر بلورة صيغة متفق عليها للتآلف في ما بينها، ومجابهة التوجه الاصولي والسلفي الذي سعى الى تلوين جمعة quot;وحدة الصفquot; الاسبوع الماضي بصبغة الدين، وأدلى كل ممثل عن تلك الاحزاب بدلوه في معين البحث عن آليات جادة، لتفادي الاصطدام بين المعسكرين الليبرالي والديني.


حفزت مليونية quot;وحدة الصفquot; التي شهدها ميدان التحرير المصري يوم الجمعة الماضي الاحزاب المصرية على ضرورة التآلف في ما بينها لخلق إئتلاف حزبي، يمكن من خلاله تفادي نقاط الخلاف الايدلوجية بين الاحزاب، وبلورة صيغة متفق عليها لمجابهة التيارات الراديكالية، المناهضة للفكر الليبرالي والداعية الى تكوين تكتل ديني يرفض الاعتراف بالآخر، ويناهض وجوده على الساحة السياسية.

وفي سياق الندوة التي شهدها قصر ثقافة مدينة المنصورة في دلتا مصر لمناقشة تلك الاشكاليات، قال الخبير العالمي، عضو مجلس امناء quot;الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعيquot; الدكتور محمد غنيم: quot;انه اذا كانت هناك رغبة حقيقية للانطلاق نحو دولة ليبرالية تعددية القوى الحزبية، وتتمتع بحرية التعبير والفكر والانفتاح على الثقافات الاخرى، فإنه لابد من بلورة صيغة جادة من اجل ازالة نقاط الخلاف بين القوى الحزبية والتكتل ضد جبهات ظلامية، تسعى إلى حصر الحياة السياسة المصرية في دائرة التعصب الدينيquot;.

تحديات كبيرة في مرحلة مفصلية

واوضح الدكتور غنيم ان مصر تواجه تحديات كبيرة في تلك المرحلة المفصلية، كما يشهد المناخ السياسي انقساماً لابد من تجاوزه بمبادئ محددة، تقوم على افكار ليبرالية تعتبر ان الدين لله والوطن للجميع، مع الاحتفاظ بالمادة الثانية للدستور المصري، التي تنص على ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع.

في رده حول احتمالات ترشحه للرئاسة المصرية لما يتمتع به من شعبية عريضة لدى الاوساط السياسية والثقافية والاجتماعية، اكد الدكتور غنيم انه لا يعتزم الاقدام على تلك الخطوة، نظراً إلى المحاذير التي ينص عليها الدستور، لكونه متزوجاً بأجنبية، ولأنه بات متقدماً في السن، وتحتاج مصر ما بعد مبارك شخصية كاريزماتية شابة قادرة على مواجهة التحديات العصيبة التي تمر بها.

اما الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس حزب quot;الجبهة الديمقراطيةquot;، فأشاد بالتحرك الايجابي الرامي الى تعريف المصريين بالاحزاب السياسية الجديدة، مشيراً الى ان الليبرالية ليست مذهباً جديداً على المصريين، وانما بدأت تغزو الحياة السياسية المصرية منذ عهد محمد علي، إذ كلف الاخير عدداً من العلماء امثال رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده بالسفر الى فرنسا للانفتاح على الثقافات الاوروبية وتكوين ايدلوجيات جديدة حول عدد من القضايا والاشكاليات السياسية والاجتماعية، وربما كان احمد لطفي السيد من اوائل الرواد المصريين الذين انتهجوا الافكار الليبرالية، ودعوا الى تطبيقها في مصر.

ونفى الدكتور الغزالي ان يكون هناك تعارض بين الفكر الليبرالي وبين صحيح الاسلام او المسيحية وحتى اليهودية، مؤكداً ان من يكفّرون الليبراليين وحرية الفكر والممارسة السياسية يسعون الى القاء البلاد في كهف مظلم ويعودون بها الى الوراء، واوضح ان: quot;الليبرالية تعني ان تكون هناك حرية فردية بمعنى ان يكون الفرد هو العنصر الاول الذي تدور حوله العملية السياسية، فلا تعني الحرية سوى حرية الفردquot;.

دولة لا دينية ولا عسكرية

في ما يتعلق بالدولة المدنيةفأوضح الدكتور حرب انها تقوم على المواطنة واحترام القانون والدستور، فهي دولة لا دينية ولا عسكرية، وفي الوقت عينه تهتم بتنظيم العلاقة بين الدين والدولة، والمح حرب الى ضرورة تنسيق المواقف والتضافر بين القوى السياسية والاندماج الحزبي، للرد على اللون الذي اصطبغت به جمعة quot;وحدة الصفquot; في ميدان التحريرخلالالاسبوع الفائت.

في الوقت نفسه اكد الدكتور الغزالي حرب ان من حق كل القوى السياسية التعبير عن نفسها بشرط احترام الديمقراطية وحقوق الاخرين، وعدم المساس بأي من القوى السياسية.

وفي رد على سؤال لـ quot;إيلافquot; حول المعلومات التي ترددت حول حصول حزب quot;الجبهة الديمقراطيةquot; الذي يترأسه على دعم مادي من رجل الاعمال المصري المهندس نجيب ساويرس، اكد الدكتور حرب صحة هذه المعلومات، مشيراً الى انه لا يرى في ذلك ما يشين الحزب.

وقال: quot;ان الاحزاب كافةتفتقر دعم عدد كبير من الشخصيات العامة وكبار رجال الاعمال، وان حزب quot;الجبهة الديمقراطيةquot; كغيره من الاحزاب قام على الدعم المادي من المهندس نجيب ساويرس وغيره مثل الدكتور علي السلمي نائب رئيس مجلس الوزراء المصري حالياً، والدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء السابق، وحازم الببلاوي وزير المالية الحاليquot;. واعتبر الدكتور حرب ان هذا التمويل مشروع، ويخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.

لم يستنكف الدكتور شادي الغزالي حرب رئيس حزب quot;الوعيquot; ان يؤكد تلقي حزبه هو الاخر دعماً من رجل الاعمال عينه نجيب ساويرس، وفي تعليقه على ما حدث خلال جمعة quot;وحدة الصفquot;، اكد الدكتور شادي: quot;ان التنسيق الاستباقي مع التيارات السلفية وكل القوى السياسية المشاركة في جمعة quot;وحدة الصفquot; كان واضحاً، وهو عدم استغلال الشعارات والتوجهات الدينية لخدمة اية تيار، وبالفعل اتفق الجميع على اثبات ان هوية الشعب المصري هوية وسطية تلتزم بالدين، ولكنها في الوقت عينه لا تؤمن بـ quot;الدين المستوردquot;، او quot;العلمانية المستوردةquot;.

تفادي تصدير شعارات خلافية

واضاف الدكتور شادي انه على الرغم من هذا الاتفاق، الا ان التيارات اليسارية والاصولية نقضت ما تم الاتفاق عليه، وردد بعضها شعارات وحمل لافتات تدعو إلى لمناصرة شخصيات اعتبرتها مرجعية سياسية مثل المنشق السعودي زعيم تنظيم القاعدة الراحل اسامة بن لادن، فاضطر ما يقرب من 27 ومجموعة سياسية للانسحاب من جمعة quot;وحدة الصفquot;، لتفادي تصدير شعارات خلافية، ايماناً بضرورة الاتفاق على اهداف موحدة.

اما الدكتور عمرو حمزاوي رئيس الحزب quot;الديمقراطي المصريquot;، فاشار الى ان التوغل الاصولي والسلفي في الحياة السياسية المصرية ليس مقتصراً على ما شاهدناه في جمعة quot;وحدة الصفquot;، وانما يترجم ما رأيناه أخيراً تراكمات قديمة.

واعرب حمزاوي عن عدم تخوفه من الحالة التي بدا عليها ميدان التحرير الجمعة الماضية، موضحاً ان المواطن المصري بات امام نموذجين للدولة المستقبلية، احداهما دولة دينية واخرى مدنية، وحول ما حدث في جمعة وحدة الصف قال حمزاوي: quot;ما حدث يوم الجمعة اخلال بالتزام وتعهدات والقاء مصر بعيداً عن دائرة مناقشة الديمقراطية، وتنظيم العلاقة بين المساحتين السياسية والدينية.

الدكتور عماد جاد نائب رئيس مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية، رئيس تحرير مجلة مختارات اسرائيلية، رئيس الحزب quot;المصري الديمقراطي الاجتماعيquot;، ربط بين ما يجري على الساحة السياسية في مصر حالياً، وبين محاولات خارجية لإحباط مسار ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير، مشيراً الى ان هناك دولاً اقليمية وفي مقدمتها اسرائيل، تسعى إلى تدمير مكتسبات الثورة المصرية، خوفاً من انتقال العدوى الثورية اليها، الا ان محاولات تلك الدول، وفي مقدمتها الدولة العبرية ايضاً، لم تنجح في تحقيق مآربها، سيما ان العدوى اصابتها بالفعل قبل ان تنجح في المساس بالثورة المصرية.

تصدير ايديولوجيات مذهبية لمصر

واضاف الدكتور جاد: quot;هناك محاولات أخرى لتصدير ايدلوجيات مذهبية لمصر، ولعل ذلك يبدو جلياً في توجه التيارات السلفية والاصولية في مصر، ولابد من التعاطي بحزم مع هذه المذاهب والايديولوجيات الدخيلة على ثقافتنا الدينية الاصيلة التي يقوم عليها ائمة أجلاء في الازهر الشريفquot;.

الى ذلك لم يبد الدكتور ايمن نور رئيس حزب quot;الغدquot;، انزعاجاً من الكثافة السلفية والاصولية التي شهدها ميدان التحرير الجمعة الماضية quot;جمعة وحدة الصفquot;، واضاف نور احد المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية في مصر: quot;المشاركة السياسية حق مكفول لكل القوى، الا ان المشكلة التي اثارت حفيظة الجميع هي مختلفة عما تم الاتفاق عليه بين كل القوى السياسية والحزبية في الميدانquot;.

كما لم يبد نور انزعاجاً كذلك من وجود حركة اسلامية كبيرة لها تمثيلها في الشارع المصري، ولكن الانزعاج ndash; برأيه ndash; ينبع من تعامل هذه الحركة مع الاخر على انه قوة هامشية، واعتقاد التيارات الدينية ان القوى الليبرالية كافرة.

واضاف: quot;رغم اننا ليبراليون، الا اننا تلاميذ رجال دين اجلاء مثل رفاعة الطهطاوي وحسن العطار ومحمد عبده وسعد زغلول الذي كان ازهرياًquot;. كما اوضح الدكتور نور مع ذلك انه يجب الاعتراف بأن التيارات السلفية ليست لديها الخبرة السياسية الكافية، رغم ذلك دعا نور الى ضرورة الاستماع لهم ومشاركتهم في الحوار.