لو كانت المؤسسة المدنية التركية تحتفل الآن بانتصارها الباهر على العسكر متوَّجًا باستقالة رئيس هيئة الأركان العامة وقادة أسلحة القوات المسلحة الثلاثة أخيرًا، فثمة تطورات خطرة جديدة تدعو حكومة رجب طيب إردوغان إلى فضّ الاحتفال فورًا.


امرأة ترفع صورة أتاتورك على بالون وسط احتجاج على محاكمة العسكريين

صلاح أحمد: الأدلة الأساسية المقدمة ضد عدد كبير من الجنرالات وغيرهم من العسكريين في محاكمة قصد بها قصّ أجنحة المؤسسة العسكرية في تركيا مفبركة ومزوّرة.

التهم تتعلق بمحاولة انقلاب مزعومة في 2003 يقال إن 195 ضابطًا تركيًا تورطوا فيها. لكن صحيفة laquo;تايمزraquo; البريطانية تقول إنها اطلعت على العديد من الوثائق التي تثبت هذا بدون أدنى قدر من الشك.

وتلفت إلى أن العديد من التضاربات والتناقضات في الوثائق المقدمة ضد هؤلاء توضح بجلاء أن العديد منهم مُوّرط بدون دليل عليها.

على سبيل المثال تشير وثيقة مؤرخة في ديسمبر/كانون الأول 2002 إلى وقائع ذات علاقة بمنظمة شبه حكومية هي laquo;اتحاد الشباب التركيraquo;، على الرغم من أن هذه المنظمة لم تكن موجودة في ذلك الوقت، وتأسست فقط في العام 2006.

تأتي وثيقة أخرى عن تفاصيل الانقلاب مذيّلة باسم الجنرال المتهم بأنه قاد محاولة لانقلاب الفاشلة وهو تشيتين دوغان. لكن ثمة مشكلتين هنا: الأولى أن اسم الجنرال يظهر مطبوعًا، وليس توقيعًا بخط يده، والثانية هي أن هذا الرجل كان قد تقاعد قبل ذلك التاريخ بثلاث سنوات، وعليه فلا أمر يُطاع له حتى في أدنى صفوف القوات المسلحة، دعك من تصدره شيئًا كانقلاب عسكري في دولة مثل تركيا.

الجنرال تشيتين دوغان اتهم بقيادة الانقلاب حتى بعد تقاعده
رئيس هيئة الأركان الجنرال إيزيك كوزانر، قبل استقالته، مع رئيس الوزراء إردوغان

أضف الى هذا ان العديد من الأدلة، المرتبطة بمستشفيات ومؤسسات شعبية ورسمية وقاعدة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وردت في قرص مدمج laquo;سي ديraquo; تم إعداده في وقت لم تكن هذه المنشآت والمؤسسات في حيز الوجود أصلاً. كما قال تقرير لفريق من الأطباء الشرعيين إن الاحتمال الغالب لنص بخط يد أحد المتهمين أن يكون قد زٌوّر باستخدام أحرف من دفتر مذكراته.

وفي حالة أخرى، وثّق ملف تحركات أحد الضباط داخل إنقرة باعتباره كان يشارك في إعداد خطة الانقلاب، في حين أنه قدم الدليل على أنه كان كان على الأراضي البريطانية في ذلك الوقت المزعوم. والأمثلة من هذا القبيل عديدة وواشحة، بحيث لا تحتاج فحصًا وتمحيصًا دقيقين.

يذكر أن كمال كيليتش داراوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، أعرب خلال الأسبوع الماضي عن شكوكه في المسألة برمتها. وقال: laquo;نبحث حاليًا عن الدليل الدامغ ضد المتهمين بمحاولة الانقلاب. لكن هذا لم يحدث حتى الآن. ويبدو أن الكثير مما قدم حتى الآن يحوي تضاربات وتناقضات خاصة في ما يتعلق بتسلسل الأحداث وتواريخهاraquo;.

بالطبع فإن هذا كله يأتي الآن على خلفية استقالة رئيس هيئة الأركان الجنرال إيزيك كوزانر وقادة أسلحة القوات المسلحة البري والبحري والجوي. وكان كبار العسكريين هؤلاء قد أعربوا عن سخطهم على اعتقال الضباط الـ195 (عاملين أومتقاعدين) بتهمة محاولة الانقلاب الفاشلة، إضافة الى 55 آخرين متهمين بالمشاركة فيه و/أو بأنشطة أخرى مخالفة للقانون. وقال الجنرال كوزانر في خطاب استقالته: laquo;يستحيل قبول أن هذه الاعتقالات مبنية على سيادة القانون والعدالة وأحكام الضميرraquo;.

ورغم أن استقالات قادة القوات المسلحة اعتبرت نصرًا للقوى المدنية في بلاد طالما عانت انقلابات العسكر وتدخلهم في الشؤون السياسية في ختام معركة على السلطة الحقيقية بين الجيش وحكومة رجب طيب أردوغان الإسلامية التوجه، فإن التطورات الأخيرة لا تبشّر خيرًا. وهذه التطورات هي نوع الأدلة التي ساقتها المؤسسة المدنية ضد العسكرية، واتضح أن جلها يقوم على الغش والتزوير في الأحداث والتواريخ.

يقول غاريث جينكينز، من معهد قوقاز آسيا الوسطى في جامعة هوبكينز الأميركية: laquo;بالنظر الى الأدلة المقدمة الى القضاء عن تورط اولئك الضباط في محاولة الانقلاب، يتعين على حكومة اردوغان الإقرار بأن الأدلة مفبركة ومزوّرة، وبالتالي فيتعيّن عليها إخلاء سبيل المتهمين فورًا وإعادة قادة القوات المسلحة الى مناصبهم. هذا هو مخرجها الوحيد.. إلا إذا خرجت علينا بالقول إن اولئك الضباط قادرون على الوجود في مكانين مختلفين في الآن نفسه، وأن لديهم ماكينات تنقلهم من زمن الى آخر كما حلا لهمraquo;.

المؤسسة العسكرية التركية بريئة من اتهامات الحكومة في ما يبدو