عراقيون عائدون من سوريا

يحمل العراقيون وجهات نظر مختلفة إزاء تطورات الأوضاع في سوريا، وفي الوقت الذي يتمنى فيه البعض سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، يبدي آخرون تخوفًا من المستقبل الآتي، خاصة في حال سيطرة الإسلاميين على الحكم.


تتباين آراء العراقيين ف يما يحدث على الساحة السورية، لا فرق بين مثقف وغير مثقف في الرأي، فهنالك آراء تتشابه بين انسان عادي ومثقف في النظرتين السلبية والايجابية للوضع السوري.

ولكن هناك تقلبات سريعة في الافكار تتأرجح ما بين السرور باحتمال سقوط النظام السوري وبين الحزن عليه، حيث يقف المستقبل على مرأى تلك الرؤى التي يبديها العراقيون على اختلاف شرائحهم.

فهناك في الشارع العراقي يمكن ان تسمع من مواطنين بسطاء انهم يتمنون سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وبسرعة، معتقدين أن ما تعرّض له العراق خلال السنوات الثمان الماضية من تدمير كان بفعل نظام الأسد، حيث كانت السيارات المفخخة والمسلحون الاجانب يدخلون العراق من الحدود السورية، فيما يتمنى آخرون أن لا يسقط النظام ويبقى محافظًا على كيانه خوفًا من ان يحكم سوريا رجال الدين او السلفيون، وتتحول سوريا الى ساحة لحرب طائفية تأكل الاخضر واليابس.

ويرى المواطن حسين ابراهيم،الذي يعمل معلمًا، أن التردي في الوضع العراقي الحالي سببه quot;بلا شكquot; النظام السوري الذي فتح الابواب للارهابيين لدخول العراق وتدريبه المقاتلين العرب في اللاذقية. وقال: quot;وهذا لا يمكن ان ينكره احد، ويبدو ان ما حدث في سوريا هو تدبير من الله للظلم الذي تعرض له العراق على يد النظام السوري، وان كنا نأسف للضحايا فهم عرب ومسلمون.

ويضيف إبراهيم: quot;بصراحة انا اتمنى سقوط هذا الظالم المكابر الجاحد، وان الله له بالمرصاد، ولكن اخشى ان تظل سوريا غير مستقرة، وهذا يؤثر على العراق طبعًاquot;.

ويقول طارق شكري وهو موظف إن quot;نظام البعث في سوريا لا يختلف عن نظام البعث في العراق في زمن صدام حسين، وهما وجهان لعملة واحدة، والاثنان يستحقان السقوط لأنهما اذاقا الشعب الويلquot;.

وأضاف شكري :quot;ولا ننسى نحن العراقيين ما ارتكبه النظام السوري من جرائم بحق الشعب العراقي ولكن لا نتمنى للشعب السوري ما تمنى لنا من دمار، انا من خلال ما اسمع اخاف ان تتحول سوريا الى دولة اسلامية سلفية، وبالتالي يكون الوضع سيئًا للعراق وللمنطقةquot;.

يقول الفريد سمعان، الامين العام لاتحاد الادباء والكتاب في العراق: ان الاوضاع التي تجري الآن في العالم العربي بشكل عام، هي ليست كما تفسر من قبل بعض الجهات، ولا سيما الجهات الامبريالية والمرتبطة بها بشكل او باخر.

قائلاً: quot;ان ما يجري الآن في سوريا برأيي هو ان هنالك نظامًا مستقرًا، ولكن هنالك نواقص وخللاً في بعض المجالات، وهذا معروف من ان البعثيين يحكمون البلد، وهم ضمن الجبهة الوطنية، وضمن الدستور يقولون ان البعث هو الذي يقود البلد، وهذه صيغة متفق عليها ضمن جبهة معينة، الا ان التحولات التي تجري الآن والصراخ ليس الغرض منه اجراء اصلاحات، والا ما هي الاصلاحات التي يطالبون بها ومن هي الجهات التي تقاتل؟، فنحن نعرف انه في كل العالم عندما تحصل انتفاضات هناك من يقودها، ولماذا اميركا تنتفض الان وما هو دخلها من ان النظام السوري سيكون افضل في ما لو استقرت الامور؟ ما دخلها وما دخل الناتو وما دخل الدول الغربية في الاوضاع العربية، ومنذ متى اكتشفوا ان هناك انظمة رجعية وان هناك دكتاتوريين ولصوصًا؟.

وتابع قائلا: quot;انا اعتقد ان هناك ازمة رأسمالية تريد ان تفرغ ما لديها، يريدون رهن النفط العربي من الان الى خمسين سنة مقبلة للتخلص من هذه الازمة، والا لماذا الحماس الذي ظهر فجأة وبدون مقدمات ؟ انا اعتقد ان اوضاع سوريا ممكن أن تنصلح بتعديل بعض الامور واجراء بعض الاصلاحات، وانا اطالب ان تعلن الجهات التي تقاتل من اجل التغيير في سوريا عن نفسها وماذا تريدquot;.

وأضاف: quot;هنالك مسائل كبيرة مرتبطة بالامبريالية وبعملاء الامبريالية في المنطقة، والا لماذا لم يتحدثوا عن احداث عام 1963 عندما قتل ملايين التقدميين وسجنوا وعذبوا؟ لماذا لم يتحدثوا عن الانقلابات التي جرت في اماكن اخرى؟ لماذا لا يقومون الآن باغاثة الصومال، حيث هناك 11 مليون انسان يموت من الجوع؟، وهذه محسوبة دولة عربية؟.

هنالك مسائل تحدث تحت العباءة لاسباب معروفة، تعال الى القذافي نعم انه دكتاتور وظالم ولديه سجون تحت الارض وفوق الارض، لكن لماذا يشترك حلف الناتو؟ من قال لحلف الناتو ان يضرب المقار والنفط والمدن والناس، قرار مجلس الامن على اساس حماية المدنيين، لكن من الذي يُقتل الان؟ أليس المدنيون هم الذين يقتلون من الطرفين؟ هذه كلها للتخلص من اسلحة قديمة، فهناك اجيال جديدة من الاسلحة يجب ان تحل محل القديمة، ومن ثم يرهن النفط الليبي الى خمسين عامًا بحجة اعادة اعمار ليبيا ومن اجل حل الازمة المالية العالمية.

اما الكاتب والاعلامي حسن قاسم فأوضح ان المواطن العراقي عانىالكثيرطيلة السنوات الماضية من بعد التغيير عام 2003 من ازدواجية النظام السوري في ما يخص العراق. وقال: quot;فهو من جهة يعتقد ان ما حصل في العراق هو احتلال، ومن جهة اخرى يطالب العراق الآن بتفهم ما يحصل عنده، وللاسف بعض المثقفين العراقيين يقفون مع النظام السوري باعتباره كما يقولون هم آخر المتاريس القومية او الممانعة ضد التحكم الاسرائيلي في المنطقة، انا اعتقد ان نظام البعث في سوريا هو نسخة رديئة عن نظام البعث في العراق، وانهما استحقا ما آلا اليه، الاول باسقاطه من خلال قوة غاشمة والثاني ستسقطه الجماهيرquot;.

واضاف: نحن كعراقيين قد انقسمنا بنظرتنا الى ما يحصل في سوريا، ولكنني اقول جازمًا ان نظام البعث في سوريا لم يترك فسحة للامل لشعبه لكي يفكر بطريقة اخرى، والآن يصار الى ان ان ما يحدث الان هو انتفاضة طائفية، وانا اقول ان تلك الانتقاضات وان انقسمت ردود الافعال باتجاهها نحن نعرف جميعًا ان ما يحدث في سوريا هو محط انظار المنطقة العربية لما تشكله من تقارب في الطائفية، ولكن انتفاضة الشعب السوري هي انتفاضة ليست طائفية، بل للبحث عن الحرية التي لم يعرف السوريون طعمها الحقيقي منذ سنوات طويلة، انا مع كل ثورة تنادي بالحرية واذن انا مع الشعب السوريquot;.

فيما قال الاعلامي خالد الوادي: سوريا بلد حضارة ووطن جميل وآمن ورائع، ولكن ما يخلفه الدكتاتورهو ما يحصل الآن في سوريا، علينا ان ننظر الى ما حدث في يوغسلافيا، ولسنا بعيدين عن احداث يوغسلافيا، تيتو الذي خلف بعد رحيله اربع جمهوريات، ذلك لان المشاكل لا تحل، بل تضرب بالسيف وترمى خلف الظهر، وهذا ما حدث في العديد من الدول التي يحكمها دكتاتوريون، وقد خلفوا مشاكل لا تحل.

واضاف: ما يحدث في سوريا الآن هو بسبب مشاكل عميقة متراكمة، اي انه الجمر تحت الرماد، الان الجمر تحول الى نار، الناس تحتاج الحريات، وتحتاج ان تشعر انها تمتلك مقومات الانسان، لان الانسان في طموح مستمر، وينظر الى الاخر، وكيف يعيش في حرية ورفاهية ، لذلك ان الحرية هي اساس كل شيء، ولكن تخوفنا ان تكون هناك جهات مندسة تحاول استغلال هذا الشيء، وستفرض على الشعب أعرافًا، وليس قوانين، وما يحدث في مصر خير دليل، اذ ان بعض المتطرفين تجاوز حتى على مبدعي مصرالكبار، سوريا لا تمتلك الحرية بمعناها المتداول، وهناك قمع ما دام على رأسالسلطة شخص واحد وحزب واحد، فبالتأكيد هنالك قمع، لكن هل تعتقد ان مستقبل سوريا سيكون افضل مما كان في السابق.

اما الاديب عمر السراي فيعتقد أن الشعوب باتت تستطيع ان تمسك اطراف الحبال المعينة التي تدعوها الى الحرية، وقال: quot;المسألة تعاد، وما شاهدناه نفسهسابقًا نراه الآن، هذا النظام البعثي المعين الذي أمن طويلا ان السلطة لا تتم الا من خلال صوره المنتشرة في الشوارع، ومن خلال ظلمه الذي يوزع على الجميع ومن خلال قتله للجميع، بدأ يهتز الآن بتأثير قوى خارجية معينة لم يصمد طويلاً لأن بوادر التذمر نشأت في الشارع السوري بصورة كبيرة.

الا ان المسألة التي ربما لا تبشّر بشيء معين هي ان القوى الثقافية هي صاحبة الصوت المنخفض الآن في هذه التغييرات، وكل الملفات الآن تساس اسلاميًا، تساس دينيًا وتساس بقوى ربما تجعلنا في فترة ما نترحم على النظام الذي ذهب، وان كان دكتاتوريا، الا انه ليبرالي او علماني، لذلك اظن ان الخلل يكمن في البديل، وهذه دعوة إلى المثقف السوري ان لا يجعل هذه الثورة تسرق منه مثلما سرقت في دول اخرى لكي يكون التغييرصحيحًا، ولكي يحس المثقف انه جزء من هذا التغيير.