لاحظ مراقبون تشابهاً بين الاستراتيجية الدفاعية التي اعتمدها الرئيس الأميركي جورج بوش، وتلك المعتمدة من الرئيس الحالي باراك أوباما، فيما يخصص الخطر الإرهابي الذي تمثله بعض الدول على أميركا.


لندن: كان من العناصر المقلقة للاستراتيجية الدفاعية التي اعتمدها الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، حاجة الولايات المتحدة المفترضة إلى منع مناطق العالم التي لا تحكمها سلطة القانون من التحول إلى حواضن للإرهابيين، على أساس أن كل الارهابيين يشكلون تهديدا للمصالح الأميركية. ولاحظ مراقبون إن هذه النظرة توسعت ونالت موقعا متميزاً في التوجهات الاستراتيجية التي أعلنها الرئيس اوباما يوم الخميس الماضي. وأثار هذا التشابه تساؤلات بين المعلقين عما إذا تبنى اوباما موقف بوش في قيام الولايات المتحدة بدور quot;شرطي العالمquot;.

وتنوه الصفحات الأولى من استراتيجية اوباما الدفاعية بالنجاح في قتل اسامة بن لادن، والضعف الشديد الذي اعترى قدرات تنظيم القاعدة ثم تقول إن الجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط وافريقيا ومناطق أخرى quot;ستواصل تهديد المصالح الأميركية والحلفاء والشركاء والوطنquot;.

وتمضي الوثيقة قائلة إن الولايات المتحدة ستواصل في المستقبل المنظور اعتماد مقاربة فاعلة لمواجهة هذه التهديدات بمراقبة نشاطات هذه الجماعات في انحاء العالم، والعمل مع الحلفاء والشركاء لبسط السيطرة على المناطق الخارجة عن حكم القانون quot;وتوجيه ضربات مباشرة إلى أشد الجماعات والأفراد خطرا عند الضرورةquot;.

وللولايات المتحدة تاريخ مديد من التدخلات العسكرية الكبيرة، عندما كانت مصالحها الأمنية تبدو مهددة. ولكن سياسة بوش في العمل الإستباقي بعد هجمات 11 ايلول(سبتمبر) رفعت التدخل الأميركي إلى مستوى جديد، مشكوك في جدواه، على حد وصف صحيفة واشنطن بوست.

وبرر بوش هذه السياسة في حينه قائلا في وثيقة أعدت عام 2002 بشأن استراتيجية الأمن القومي إن الولايات المتحدة، إزاء أهداف الدول المارقة والإرهابيين، لم يعد بمقدورها الإعتماد حصراً على الرد كما في السابق. وان عدم القدرة على ردع هجوم محتمل والأخطار الداهمة وحجم الضرر الذي يمكن ان تلحقه أسلحة الأعداء، لا تجيز مثل هذا الخيار. quot;فنحن لا يمكن ان نسمح لأعدائنا بتوجيه الضربة الأولىquot;.

ونُفذت الاستراتيجية الجديدة أول مرة بغزو العراق في آذار (مارس) 2003 لمنع صدام حسين، على ما زُعم، من إعطاء أسلحة دمار شامل إلى ارهابيين سيهاجمون بها الولايات المتحدة. ولم تكتمل حتى الآن النتائج النهائية لتلك الحرب quot;الاستباقيةquot; ولكنها أسفرت على الجانب الأميركي وحده عن مقتل نحو 4500 جندي وإصابة 32 الف آخرين بجروح خطيرة وكلفت دافعي الضرائب الأميركيين زهاء ترليون دولار. والأنكى من ذلك أن بوش والآن اوباما ومعه الكونغرس، لجأوا إلى الاقتراض بدلاً من تغطية الكلفة من الضرائب، كما تلاحظ صحيفة واشنطن بوست.

وفي اواخر 2005 رفعت وزيرة الخارجية وقتذاك كوندوليزا رايس مبدأ الضربة الاستباقية إلى مستوى جديد حين كتبت في صفحة الرأي في واشنطن بوست ان الدول الضعيفة والفاشلة، وليس دولا مثل العراق، تشكل خطراً لا نظير له على الولايات المتحدة لأنها تسمح بنمو المجرمين والارهابيين وحركتهم.

وكان هدف الخطة الاستراتيجية التي اعدتها وزارة الخارجية في زمن إدارة بوش للسنوات المالية 2007، 2012 هو quot;التصدي المباشر للأخطار التي تهدد الأمن القومي والدولي...من دول فاشلة أو في طريقها إلى الفشلquot;. ودعت الخطة القوات المسلحة الأميركية إلى تدريب قوى الأمن في الدول الضعيفة لتتمكن من مكافحة التهديدات الإرهابية الداخلية والتمردات المسلحة.

وأضافت استراتيجية الأمن القومي quot;ان التدخل العسكري قد يكون ضرورياً لوقف نزاع دموي، ولكن السلام والإستقرار لن يدوما إلا بنجاح جهود المتابعة لإعادة النظام والبناءquot;.

ومن بين الخطوات التي اقترحتها تلك الاستراتيجية quot;توسيع قوات العمليات الخاصة والاستثمار في قدرات تقليدية متقدمةquot;.

ويبدو كل هذا مألوفاً، فهو يرد في استراتيجية اوباما الدفاعية بجانب مخاوف بوش من المناطق التي لا تخضع لحكم القانون. ولكن اللافت، بحسب واشنطن بوست، هو العبارة التي تقول إن الولايات المتحدة ستفكر في quot;توجيه ضربات مباشرة إلى أشد المجموعات والأفراد خطراً عند الضرورةquot;. فمن هي هذه الجماعات الخطرة وهؤلاء الأفراد الخطرون؟ ومن أدرجهم على القائمة وبأي معايير؟

ومن يتخذ القرار بضرورة توجيه ضربات مباشرة، وعلى أي أساس؟ هذه أسئلة يتعين طرحها وتلقي إجابات عنها على الأقل من جانب لجان في الكونغرس من مسؤوليتها أن تفعل ذلك بإسم الشعب الأميركي، على حد تعبير واشنطن بوست.

كل هذا يعيد التذكير بمصطلح quot;شرطي العالمquot; الذي استخدمه قبل 45 عاما السناتور الديمقراطي جيمس وليام فولبرايت، حين وضع موضع تساؤل جدوى العمليات العسكرية والاستخباراتية الأميركية لمواجهة الشيوعية، وخاصة في مستعمرات سابقة مثل فيتنام ولاوس وكمبوديا. واتضح لاحقاً إن الكثير من اولئك quot;الشيوعيينquot; كانوا في الحقيقة وطنيين يناضلون ضد حكام مستبدين في بلدانهم.