تسليح الثوار في سوريا قد يؤدي إلى نزاع طائفي

تختلف الآراء حول تسليح المعارضة السورية للدفاع عن نفسها في وجه أعمال العنف القائمة في البلاد، حيث اعتبر البعض أن هذا التسليح قد يؤدي إلى نزاع طائفي سيمتد إلى خارج الحدود السورية، خاصة من دون التقدم على المستوى الدبلوماسي.


لندن: عاد مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان من دمشق يوم الأحد دون ان يحمل في جعبته سوى عبارات مبهمة تنم عن تفاؤل في غير محله. واعلن انان للصحافيين عن ضرورة البدء بوقف اعمال القتل والانتهاكات ومنح التسوية السياسية مهلة من الوقت. ودعا الرئيس السوري بشار الأسد الى التغيير والاصلاح.

واشار انان الى انه حث الأسد على الاستماع الى المثل الافريقي القائل انك لا تستطيع ان تقلب اتجاه الريح، وبالتالي عليك ان تغير اتجاه الشراع، إلا أنه من الواضح أن الأسد لا يعتقد ان الأمثلة الأفريقية تسري على الشرق الأوسط، إذ اندفعت قوات الجيش السوري لاقتحام معقل الثوار في إدلب مهددة بتكرار الدمار الذي الحقته بمدينة حمص حيث قُتل مئات وشُرد آلاف. واكتفت ردود الافعال الدولية بالتعبير عن مشاعر السخط والادانة.

وفي مجلس الشيوخ الاميركي، جاء اعلان الجمهوري جون ماكين بأن مسؤولية تقع على عاتق الولايات المتحدة للتدخل بمثابة صدى ترددت فيه دعوات مماثلة من الجامعة العربية، رغم ان احدا لم يتطرق بوضوح الى شكل هذا التدخل. ويعكف القادة العسكريون الاميركيون على دراسة نماذج محتملة للتدخل ولكن الخبرة السابقة تشير الى ان الحل العسكري في سوريا سيكون على الأرجح تكرارا للنموذج العراقي أو الليبي. وكلا النموذجين مستبعدان من تخطيط السياسيين في الوقت الحاضر.

ولكن الخيارات الدبلوماسية نفسها خيارات محدودة للغاية. فالمفاوضات بين النظام والمعارضة أُجهضت قبل ان تبدأ، وقد أعلن الأسد يوم السبت انه لن يعيد قواته الى ثكناتها ما دام هناك quot;ارهابيون مسلحونquot; في اشارة الى الناشطين المناوئين لنظامه.

وتقول المعارضة انها لن تكون طرفا في أي اتفاق يسمح للأسد وبطانته بالبقاء.وحذر الباحث في معهد واشنطن اندرو تابلر من انه كلما طال الوقت للتوصل الى اتفاق على عملية انتقالية زاد الوضع تعقيدا، ونقلت مجلة تايم عن تابلر ان قوى اقليمية مختلفة ستبدأ بارسال اسلحة الى الأطراف التي تدعمها وستندلع حرب بالنيابة حيث الايرانيون والروس يدعمون النظام وتركيا وقطر والغرب يدعمون المعارضة.

ومن المستبعد ان يتنحى الأسد بارادته، ما يستلزم بحسب الباحث تابلر تحركا حازما، موضحا ان هناك من يقول ان التدخل غير ممكن لأنه محفوف بالمخاطر quot;ولكن كيف سيكون الوضع بعد عام من اليوم؟quot; ويجيب تابلر عن سؤاله بالقول ان آفاق الوضع قاتمة في الحالتين، quot;فنحن سائرون نحو عاصفة قوية، يمكن ان تشفط الجميع في المنطقةquot;.

ودفع غياب الخيارات بعض الدول مثل العربية السعودية وقطر الى تأييد ما ترى انه أهون الشرين، وهو تسليح الثوار. ولكن الباحث ايد حسين من مجلس العلاقات الخارجية حذر من ان تقديم مساعدات عسكرية، دون تقدم على الجبهة الدبلوماسية يمكن ان يسفر عن ارتفاع عدد الضحايا وزيادة احتمالات النزاع الطائفي الذي لن يبقى محصورا داخل الحدود السورية. ونقلت مجلة تايم عن حسين انه quot;إذا جرى تسليح المعارضة فان ذلك سيثير احتقانات طائفية، وان هذه الاحتقانات يمكن ان تمتد من سوريا الى لبنان والعراق ثم الى القبائل في الخليجquot;. واضاف ان الوضع سيكون quot;دمويا وبشعاquot;.

وعن الخيارات الأخرى قال الباحث حسين انه لا بد في البداية من الاعتراف على نحو ما، بأن الجيش السوري الحر يتحمل قسطا من المسؤولية عن العنف. فان التركيز على فظائع النظام ضد المدنيين وتجاهل جرائم الجيش السوري الحر، بحسب تعبيره، سيزيد من صعوبة التفاوض لإيجاد مخرج من الأزمة.

وكان مقتل ملاكم سوري معروف في حلب يوم الأحد، حلقة في سلسلة من الاغتيالات التي شهدتها المدينة ضد شخصيات معروفة. واعترف عناصر في المعارضة بالمسؤولية عن بعض هذه الهجمات. وفي هذا السياق قال الباحث ايد حسين quot;ان علينا ان نكون منصفين، فالمعارضة تمارس الاستفزاز، حيث تخطف جنودا وتغتال رجال اعمال وتستخدم مدنيين دروعا بشرية. ولا يمكن ان تناطح نظاما استبداديا على هذا النحو، ثم تفترض ان التداعيات لن تكون شديدةquot;. وحذر حسين مجددا من ان تسليح المعارضة quot;سيزيد الطين بلةquot;.

وينقسم الناشطون السوريون بشأن الموقف من تسليح المعارضة، وخاصة اولئك الذين بدأوا حركة الاحتجاج السلمية قبل عام. ونقلت مجلة تايم عن الناشط وسام طريف الذي قام بدور بارز في إيصال اشرطة فيديو تكشف جرائم النظام الى العالم، انه يؤمن بالنضال السلمي. واضاف طريف ان هذا النضال قد يستغرق فترة اطول quot;ولكنه سيكون على الجانب المحق من التاريخquot;. واعترف بانه ليس في حمص وانه عندما يرى اشرطة فيديو عن التعذيب وقصف المدنيين، يشعر بأن من حق هؤلاء ان يدافعوا عن أنفسهم. واضاف ان هناك طريقا وسطا quot;ويتعين ان تأتي عسكرة الانتفاضة بشروط، ولا يمكن ان يتحقق ذلك دون قيادة مدنية على الأرض تقوم بدور الكابحquot;.

ونظرا الى ان غالبية اركان الحكم وضباط الجيش من الطائفة العلوية التي ينتمي اليها الأسد، فان كثيرين يخشون ان يكون من الصعب السيطرة على اعمال القتل الانتقامية على ايدي عناصر المعارضة التي تتألف في الغالب من السنة إذا سقط النظام. ويقول وسام طريف quot;ان تسليح الجيش السوري الحر يمكن ان يؤول الى وضع مماثل لما حدث في رواندا، إذ يمكن ان يبدأوا بقتل جميع العلويين ثم يتدخل المجتمع الدولي للدفاع عنهم ضد الجيش السوري الحرquot; واصفا مثل هذا السيناريو بالمفارقة.

ويتفق ناشطون ومحللون على ان الحل الأنسب هو الانقلاب حيث يبدأ علويون وغيرهم من اقطاب النظام بالتخلي عنه. ولاحت بوادر تصدع فعلا، فان الدروز بدأوا يقفون ضد النظام وكذلك اعداد من القساوسة والقادة المسيحيين. ورغم الحقيقة الماثلة في ان الأغلبية السنية تعارض نظام الأسد، فان قادة دينيين سنة كبارا لم ينتقلوا الى جانب المعارضة. ويصح هذا ايضا على كبار رجال الأعمال من سائر الطوائف.

ونقلت مجلة تايم عن الباحث اندرو تابلر من مجلس العلاقات الخارجية، ان انقلاب مسيحيين أو دروز او حتى علويين على الأسد لا يكلفه الكثير سياسيا ولكن ذلك quot;سيكون له معنى أكبر بكثير إذا شاهد رجال اعمال مسيحيين أو علويين أو سنة كبارا ينفضون عنهquot;. وأكد تابلر ان ذلك سيكون أشد فاعلية بكثير حتى من مد المعارضة بالسلاح لأن جيش الأسد سيكون دائما هو الأقوى تسليحا، على حد تعبيره.

وقال تابلر ان اكبر فشل مني به معسكر المعارضة، من ناشطيها الى حكومات العالم، هو العجز عن التواصل مع عناصر مهمة من مؤازري النظام لكسبهم بعيدا عنه، وهذا تقصير يأمل المجلس الوطني السوري بمعالجته قريبا. ويعترف عضو المجلس معز السباعي بأن على المعارضة ان تطور عملها حين يتعلق الأمر بالأقليات.

ونقلت مجلة تايم عن السباعي المقيم في العربية السعودية ان على المجلس الوطني السوري ان يسعى الى طمأنة الأقليات بأن سوريا الجديدة ستكون لهم ايضا، ولكنه اكد ان الوقت لم يفت على كسب الأقليات واضاف ان النظام لم يمزق نسيج التسامح الذي يحدد هوية سوريا وان المواطنين سيعودون الى قيمهم ما ان تنتهي مرحلة النضال. وقال السباعي ان الجميع يتطلع الى سوريا من دون الأسد quot;ولا اعتقد ان احدا سيفرط بهذا الحلم من خلال حرب طائفيةquot;. ولكن مراقبين يرون انه كلما طال النزاع زادت احتمالات ترسيخ الانقسامات الطائفية.