أشرف أبوجلالة من القاهرة: على الرغم من الأجواء الاحتفالية التي سادت عند الإعلان عن تأسيس دولة جنوب السودان في العام الماضي، إلا أن السكان هناك لا يرون الآن سوى الفساد وحكومة غير مكترثة.

رجل جنوبي يفي باحتياجاته من مياه النيل في جوبا

وفي الوقت الذي كانت فيه ولادة تلك الدولة بمثابة الحلم الذي طال انتظاره بالنسبة إلى الجنوبيين، يبدو أن هذا الحلم الذي تحقق في تموز/ يوليو الماضي قد تحول الآن إلى كابوس مزعج، بعد العثرات التي اعترضت سبيل طموحات وآمال وأحلام السكان هناك.

في هذا الصدد، أوردت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية عن سيدة عجوز هناك تدعى دافيدكا كليمينت، قولها: quot;ليس هناك أي شيء. ماذا تفعل؟، فكل ما عليك هو أنك تأتي فحسب وتقوم بعملك. وأعود إلى منزلي وكُلِّي آلام. وأبكي، لكنني أعود مجدداًquot;.

وأعقبت الصحيفة بقولها إن الحرية لا يفترض أن تكون بهذا الشكل. ثم قالت إن الجزء الجنوبي من البلاد لطالما تم تهميشه من جانب الحكومة السودانية في الخرطوم، كما إنه واحد من أكثر المناطق فقراً، ومن أقل الأماكن نمواً على وجه الأرض. غير أن الانفصال السلمي الذي تم في العام الماضي بثّ طاقة من الأمل بين الجنوبيين. فمن خلال علمهم، وحكومتهم، ونفطهم، كان يحدوهم الأمل في بناء دولة لائقة.

لكن بدلاً من ذلك، اتخذت الحكومة المسار المطروق، الذي سبق أن سلكه كثير من المتمردين الذين تحولوا إلى زعماء. ونوهت الصحيفة هنا بتفشي الفساد والمحسوبية، وعدم الاهتمام بالخدمات العامة، وخلال زيارة حديثة قامت بها الصحيفة إلى جوبا، عاصمة الجنوب، كانت هناك أدلة متزايدة على الهدم، وليست على إعادة الإعمار.

وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، علَّقت الحكومة إنتاج النفط، الذي يشكل 98 % من عائداتها، بعد خلاف بينها وبين السودان بشأن رسوم العبور لشحن الخام عبر الشمال بوساطة خط الأنابيب. وهنا، عاودت كليمينت لتقول: quot;تركت كل شيء، وأتيت إلى المدينة، لأنهم كانوا يقولون: حكومة، حكومة، حكومة. وكانوا يريدون مساعدة الفقراء الذين يعانون. وهو ما أتي بي إلى هنا. لكن الحكومة لا تريد أن تساعدquot;.

هذا ويوجد في جوبا ما يقرب من 370 ألف نسمة، في وقت تُصنّع فيه الفنادق الموجودة هناك من حاويات شحن وتنتشر المجمعات الإنسانية في كل الشوارع تقريباً. وتمتلئ الفنادق بمحللين متخصصين في شؤون النفط ومستشارين حكوميين وعمال لدى منظمات خيرية وصحافيين مستقلين، وجميعهم ينتظرون بترقب، مثل القابلات في غرف الولادة، لمعرفة ما إن كان المولود الجديد سيعيش أم سيموت.

وتابعت الصحيفة بتأكيدها على أن الضجيج الموجود في المكان لا يمكنه أن يخفف من حدة أجواء الكآبة السائدة هناك. هذا ولم تعمل الوعود التي تم تقديمها قبل الانفصال بتقديم حياة أفضل للسكان في جوبا، ربما عن طريق أموال الجنوب النفطية، على جذب أشخاص من أمثال كليمينت فحسب، بل جذبت أيضاً الآلاف من الكينيين والأوغنديين.

وأوضحت الصحيفة أنهم يعملون هناك كسائقين وطهاة ونوادل ومقدمين للبيرة واللحوم لكثيرين من عمال الإغاثة الذين يواصلون تشغيل المستشفيات والمدارس في البلاد. وبينما تتباطأ الحكومة في افتتاح عيادات في جوبا، فقد ازدهرت العيادات الخاصة.

وتُعَلَّق على جدران تلك العيادات الرسوم الخاصة بالكشف بالجنيه (عملة جنوب السودان)، وهي كالآتي: رسم الدخول: 20 جنيه (6.25 دولار)، الاستشارة: 15 جنيه (4.60 دولار)، اختبار نسبة السكر في الدم: 10 جنيه (3.12 دولار)، الأشعة بالموجات فوق الصوتية: 40 جنيه (12.48 دولار). ومع هذا، فإن الخطر بدأ يداهم تلك العيادات الآن، وفقاً لما قاله صاحب إحدى هذه العيادات، يدعي حسن أوولي، حيث قال: quot;لا نحصل على قدر كاف من الأموال لكي نسدد رواتب العاملينquot;.

وعبَّر أوولي كذلك عن تخوفه من احتمالية تدهور الأوضاع مستقبلاً، مع استمرار قرار تعليق إنتاج النفط، جنباً إلى جنب مع مشكلة الفساد ذات التداعيات الخطرة. وعاودت الصحيفة لتختم بنقلها عن كليمينت قولها: quot;آمل أن تنظر لي الحكومة باعتباري مواطنة فقيرة، وأن تطلب مني المجيء، وأن أقوم بثمة عمل، لكي أتمكن من العيش. صحيح أن لدينا الآن بلدنا الجديد. لكن من غير الجيد أن تبقى بدون عملquot;.