يؤكد أغلب المواطنين العراقيين أنهم لا يعرفون شيئًا عما يحدث من تفاصيل في أروقة السياسة والسياسيين، وأن ما يعلنه الساسة يختلف عمّا يخفونه من أمور، رغم تظاهرهم بكشف الحقائق والوقائع للناس، ويتحدث الجمهور العريض عن دهاليز الاتفاقيات التي تحصل بين الكتل والصفقات السياسية والاجتماعات الكثيرة التي لا تظهر من نتائجها سوى العناوين، فيما يكتنف الغموض الحقائق التي تجري داخلها.


بغداد: اعرب مواطنون عراقيون عن جهلهم بما يدور ما بين السياسيين من اتفاقات وعلاقات ولقاءات، مشددين على عدم درايتهم بتلك التفاصيل إلا ما يترشح في وسائل الاعلام التي لا يأتيها الا ما يريد السياسيون إعلانه، وهو ربما مغاير لما تم وجرى في تلك الاجتماعات والاتفاقيات.

وقال مواطنون عراقيون في استطلاع أجرته (إيلاف): quot;بين مدة وأخرى نسمع عن (بشرى سارة جداً) تتمثل بالاعلان عن اجتماعات الفرقاء ونفرح حين نعتقد أننا سنخرج من الازمة، فقبل سنة إجتمع السياسيون في أربيل، وقبل أسبوعين اجتمعوا في النجف الأشرف، ونسمع الآن انهم سيجتمعون في الموصل بطلب من السيد النجيفي، ونحن لا ندري ماذا جرى يا ترىquot;.

قادة وممثلو الكتل السياسية خلال اجتماعهم في مكتب طالباني

ويشير المواطنون إلى أنهم يشعرون في بعض الأحيان الى أن المثل القائل (مثل الاطرش بالزفة) ينطبق عليهم تمامًا، حيث إن صخب وفوضى السياسيين ومعاركهم تجعلهم في وادٍ آخر، فهم يعيشون في عالم اجتماعات .. لكن الجمهور المستطلع يوضح بأن هذا الأسلوب المتبع من الساسة يمكن أن يأتي بنتائج عكسية، فالناس قد تنتفض في أي وقت.

ويقول خالد حميد، طالب جامعي: quot;المشهد السياسي غير واضح لنا كمواطنين، نحن نجهل بالفعل ما يدور بين السياسيين، فكل واحد منهم يخرج علينا بتصريح ولا ندري من نصدق، المشهد أصبح مملاً وغريبًا وحالنا نحن ما بين مطرقة وسندان، وإلا قل لي من على حق ومن على باطل، وكلهم يتباكون على الشعب المسكين وكل واحد منهم يتهم الآخر بأنه لا يخدم الشعب، في الحقيقة... السياسي العراقي لا يريد للناس أن تعرف ما يجري ونحن لا نسمع سوى أن الأزمة السياسية تخنق البلاد، وهي تتجدد ولا نعرف أين الصدق من الكذبquot;.

اما اسراء علي جاسم، طالبة جامعية، فقالت: quot;كل يوم نسمع عن اجتماعات مرة في اربيل ومرة في بغداد وآخر في النجف، والاخوة الاعداء من السياسيين يتنقلون من قاعة إلى أخرى، ومن اجتماع إلى آخر، ومرة في بيت هذا الزعيم ومرة في بيت ذلك الزعيم، ولا يصل الينا مما يتناقشون به إلا الغبار، ومن ثم تظهر المشاكل بينهم، ولا احد يدري ما حقيقة ما توصلوا إليه، وما نتائج اجتماعاتهم، واعتقد أن الاسرار التي يخفونها اكبر من التفاصيل التي يعلنونها، بل انها ليست هي أبدًاquot;.

ويشير الدكتور شاكر كتاب، الأمين العام لحزب العمل الديمقراطي، إلى أنّ إخفاء الاتفاقيات السياسية عن الشعب العراقي، يأتي لخدمة مصالح الفرقاء السياسيين، كون تلك الاتفاقيات لا تخدم المواطن العراقي، وقال: quot;إن أحد أسباب الأزمة السياسية، هو التغييب التام لدور البرلمان، الذي هو صاحب أعلى سلطة في البلد، وقد بات مصير البلد بيد عدد قليل من الأشخاص، وأن الكتل السياسية المتنفذة في السلطة ابتعدت كثيراً في خطابها عن تطلعات الشعب العراقيquot;.

واضاف: quot;منذ ستة اشهر و(القوى المتنفذة في السلطة) تتكلم عن مؤتمر وطني عام، وحينما فشلوا أسموه اجتماعاً وطنياً، ثم لقاء وطنيًا. وسيتحول إلى (مكالمة هاتفية وطنية)، وهؤلاء الفرقاء يدركون جيدًا أن كل صيغة من هذه الصيغ، لها استحقاقاتها الادارية والسياسية، فلذلك يتخوفون من المؤتمر، ومن الاجتماع، وحتى من اللقاء الوطني، فإن إخفاء الاتفاقيات السياسية عن الشعب العراقي، يأتي لخدمة مصالحهم، كون تلك الاتفاقيات لا تخدم المواطن العراقيquot;.

وقال الكاتب حسين الجاف: quot;الشعب العراقي شعب واعٍ، ومثلما قال المرحوم المهداوي (مفتح باللبن) فهو يدرك ما يدور في الكواليس وما خلفه وما يراصف بين الاسطر، ومع ذلك المواطن العراقي من الوعي بأن يستطيع أن يفرز ما في صالح وطنه وما في غير صالحهquot;.

اما الصحافي في جريدة الصباح سعد صاحب فقال: quot;المواطن العراقي لايعرف من هذه التفاصيل إلا العناوين البارزة من خلال نشرات الاخبار ومن خلال الصحف (للذين يقرأون الصحف)، لأن المواطن منصبة همومه على العيش والكهرباء والماء وعلى نجاح ابنائه في المدارس وعلى تدبير لقمة العيش، المواطن في وادٍ وهذه النقاشات في وادٍ آخر، لأن المواطن العراقي يعيش ظروفًا خاصة وعليه أن يهيئ الظروف المناسبة لأسرتهquot;.

وأضاف: quot;السياسيون يعيشون حالتهم الخاصة وعيشهم لهذه الحالة يجعل المواطن في وضع بعيد عن هذه الأجواء، وكان على السياسي أن يفكر بالمواطن العراقي، وأن يفكر بطريقة تفصح عمّا يحدث في الاجتماعات، لأن المواطن لا يعرف شيئاً مما يدور حوله ولا يعرف الاسرار التي يخبئها السياسيون عنه وحتى إن عرف شيئًا فإنه لن يعرف إلا قشور تلك الاسرار من خلال التلفزيون والنقاشات التي تدور في الشارع والسيارة أو ربما يكون ما يسمعه مجرد شائعات بعيدة كل البعد عن واقعهquot;.

ومن جهته، اشار استاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية عبد الجبار السعيدي، إلى أن تعاطي الكتل السياسية مع الواقع بعيد عن الشعب تماماً، حيث إن عقدة الأزمة هي في البناء المحاصصاتي للدولة، وقال: quot;إن الطريق الوحيد لبناء الدولة، هو الابتعاد عن المحاصصة الطائفية، فإذا استمرت الكتل السياسية على هذا النهج، فإنها ستشل الدولة والبلد تماماً، لهذا ادعو رؤساء الكتل السياسية إلى النظر لمصلحة الشعب، قبل النظر إلى مصالحهم الشخصية والحزبية، فمعظم الذي يدور بين الكتل السياسية، بعيد كل البعد عن الشعب، وأنا لا أؤمن بقضية المصالحة والبحث عن حلول للأزمة على الطريقة التي يريدها زعماء هذه الكتل، فحكومة الشراكة الوطنية، لن تتحقق بوجود هذه الطبقة السياسية الموجودة حاليًا في السلطةquot;.

وقال الصحافي في جريدة الزمان ابراهيم رزاق حسن: quot;اعتقد أن المواطن العراقي يتابع ما يحدث في الواقع السياسي ومجرياته، لكن غالبية المواطنين لا يهتمون اهتمامًا كبيرًا بما يجري لانهم اعتادوا على هذه الخلافات وبعضه قد اصابه اليأس من جراء استمرارها وتكرارها، اعتقد أن المواطن العراقي لا يجد في هذه الاوضاع السياسية المثيرة ما ينم عن خير وتفاؤل، انا اعتقد أن تفاصيل الاجتماعات لا تعرفها حتى وسائل الاعلام وهي القريبة من مناطق الحدث، فكيف بالمواطن العادي، انا كصحافي إلى الآن لم اعرف ما هي اتفاقية اربيل، وماذا جرى وما الذي تحمله، كما أنني اسمع عن سياسيين انهم يتساءلون عن اتفاقية اربيل ومضمونها وهكذا امور كثيرةquot;.

وأضاف حسنquot; quot; والاجتماعات الأخيرة في (النجف) ما زالت الالغاز تحيطها، ولا احد يعرف ما الذي تم الاتفاق عليه وما الذي جرى، فالاجتماعات سرية، ونحن في الاعلام نجهل التفاصيل، وطالما سمعنا من مواطنين عاديين شكواهم عما يجري في دهاليز السياسة وكواليسها، أن السياسيين أنفسهم غير واضحين وضوحًا كاملاً، واذن.. هم يخفون الكثيرquot;.

وبين الكاتب عباس لطيف: quot;المواطن الآن ضحية هذا العراك وهو معزول ومقموع ويدفع فاتورة المهرجان الخطابي الذي نسمعه يوميًا، في السابق كنا نسهر مع الدكتاتور حتى الساعة الثانية عشرة، أي إلى (الوشة الاخيرة) للتلفزيون، الآن نسهر معهم بين هذه التهم والنبش والتسقيط السياسي واللغة المخجلة، المواطن الآن لا يعرف الحقائق وإلا ما كان انتخب هؤلاء واصعدهم إلى دكة الحكم، هذا هو نتاج الاحزاب ذات البعد الميتافيزيقي، فهي تلجأ الى هذه الاساليب لانها ليست لديها إيدلوجية، الشعب مغلوب على أمره ولا يستطيع أن يفعل شيئًا وهو يعاني، هم جوعوا الشعب بطريقة لا يمكنه معهم أن يبادر، حتى حق التظاهر أو القدرة على التظاهر انتهت، واصبح الشعب مستكينًا ولا يستطيع أن يفعل شيئًا سوى أن يتفرج ويضحك في داخله على نكتة العصر التي اسمها الديمقراطيةquot;.

واضاف لطيف: quot;أن ما يحدث في مأزومية المشهد السياسي الآن علينا أن نكون جريئين وشرفاء في تشخيص الحالة، الآن الساسة في العراق يحصدون ما زرعوا من اخطاء تحولت من اخطاء الى خطايا ليس بحق الشعب بل بحق التاريخ وبحق كذبة استوردوها اسمها الديمقراطية، الآن... بسلوكياتهم الشخصانية وبهذا الخطاب المتدني، ورداءة التوجهات في مجملها تشير إلى أنهم دون أن يعوا يعيدون انتاج الدكتاتوريةمرة أخرى، وانهم يعيدون الشخصانية في الحقيقة، فقد كنا في السبعينيات والثمانينيات نتحدث عن مشكلة سياسية ونتحدث عن مصطلح (لبننة العراق)، الآن الحديث عن الخوف من (عرقنة لبنان) أي أننا فقنا ما حدث في لبنان من منطق الخنادق والميليشيات والشخصيات وتحولت العملية الى مزاد سياسي، والحقيقة أنهم لا يفهمون ابجدية الديمقراطية الأولى التي هي الحوار، الآن نفتقد الحوار، فالديمقراطية هي حوار وسماع الآخر واحتواء الآخر وقبول الآخر.

اما الكاتب حيدر عاشور فقال: quot;المواطن العراقي (خطية)، ترسب عنده شعور الخوف من العهد السابق، وهذا الشعور ولّد عنده امراضاً نفسية عميقة جداً، فيما اصبح التغافل عظيمًا، فأصبح لا يرى لا يسمع ولا يناقش ولا يعترض، ويقبل بما يخطط له، ولا يدافع عن ابسط حقوقه التي هي حق (البطاقة التموينية)، هذه البطاقة التي انتهت والمواطن صامت صمتًا كافرًا، وهذا يدل على أن تشعبات كثيرة للخوف في نفسه، فالخوف في نفس المواطنليست له نهاية، فإن كنا نخاف من شخص واحد فالخوف الآن تعددت أوصافه.

واضاف: quot;المواطن العراقي حسب اعتقادي الشخصي يتمتع بذكاء خارق جدًا، وهو واعٍ لما يحدث على الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولكن هناك من الساسة المغفلين يعتقدون أن المواطن مغفل، لا... المواطن ذكي لكن هذا الصمت وهذا السكوت سيولد انفجارًا ليست له حدود، واعتقد أن الثورة الشعبية قد تحدث في أي وقتquot;.