جثة شكري غانم وزير النفط الليبي السابق الذيوجد مقتولاً في ظروف غامضة بعد انتشال جثته من نهر الدانوب

بعد فترة وجيزة على قيام الثورة ضد العقيد معمر القذافي في ليبيا العام الماضي بدأت مصارف وحكومات أجنبية تجميد مليارات الدولارات من الأرصدة الليبية المسجلة باسم أفراد أسرة القذافي وحكومته على غرار ما فعلته بتجميد أرصدة النظامين المصري والتونسي.


لندن: يلفت المحللون إلى أنّ الحكام الدكتاتوريين وحلقاتهم الضيقة من حولهم أمضوا عقودا في تكديس ثروات طائلة وإخفائها، وان العثور على كثير من هذه الثروات ليس سهلا.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن محققين ليبيين انهم عرفوا بوجود مليارات الدولارات في المصارف السويسرية وحدها لم تُجمد قط مشيرين إلى أنّها اقتُطعت من عائدات النفطية الليبية ومُوهت بتسميات بريئة في الظاهر. وفي تونس ومصر، تلاحق الحكومتان الجديدتان عقارات ويخوتا وحسابات مصرفية في الخارج يُقدر أن قيمتها تصل إلى مليارات الدولارات.

ويقول المحققون في البلدان الثلاثة إنهم يواجهون عقبات كأداء في تعقب هذه الأموال واستعادتها. وفي ليبيا، كانت اموال النفط المسروقة كثيرا ما تُخضع للغسيل والتبييض عن طريق شراكات أجنبية معقدة أضفت عليها مسحة من الشرعية.

وتحاول الحكومتان المصرية والتونسية استعادة أرصدة الأسرتين الحاكمتين السابقتين وحلفائهما في الأعمال التجارية والمشاريع الصناعية. وهي ارصدة تقول الحكومتان إنها تحققت عن طريق المحسوبية والفساد، إن لم يكن بالسرقة المباشرة. ويمكن ان يكون اثبات لا شرعية هذه الثروات مهمة بالغة الصعوبة لا سيما حين تصطدم بالأنظمة القضائية لدول اخرى.

وفي بعض الحالات تكون حياة الأشخاص الذين يعرفون مكان الأموال المفقودة في خطر، لا لأنهم يُعدون مجرمين في بلدانهم فحسب بل لأنهم يعرفون أسرارا عن صفقات مشبوهة أو فاسدة توجِّه اصابع الاتهام إلى شركات وحكومات في العالم العربي والغرب.

وعُثر على شكري غانم وزير النفط الليبي السابق الذي هرب من ليبيا العام الماضي، مقتولا في ظروف غامضة بعد انتشال جثته من نهر الدانوب في فيينا في 29 نيسان (أبريل). وكان غانم عرض قبل أيام على موته أن يكشف للسلطات الليبية كل ما يعرفه عن جملة صفقات نفطية مشبوهة مقابل منحه حصانة من الملاحقة القضائية، كما افادت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن مصدرين تحدثا مع غانم.

ويبدو ان مسؤولا آخر كان قريبًا من القذافي هو بشير صالح بشير الذي وحده يعرف مآل 7 مليارات دولار من استثمارات القذافي في افريقيا، كما يقول مسؤولون ليبيون، تسنى له ان يهرب من ليبيا ويظهر لاحقا في فرنسا بعد ان وقع في قبضة الثوار العام الماضي.

ويقول مسؤولون ليبيون انهم يعتقدون ان لدى بشير ايضا معلومات عن صفقة غير قانونية بين القذافي والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي نفى مرارا حصوله على أي تمويل من القذافي. ولا يُعرف مكان بشير في الوقت الحاضر.

ولم تنجح ليبيا حتى الآن في استعادة أي أرصدة من quot;أرصدة الظلquot; هذه. وفي آذار (مارس) استردت السلطات الليبية ملكية عقار قيمته 15 مليون دولار في شمال لندن كان باسم الساعدي القذافي أحد ابناء الدكتاتور السابق.

ونُقلت طائرتان في فرنسا وسويسرا مسجلتان باسم الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي قيمتهما الاجمالية 30 مليون دولار، إلى ملكية الحكومة التونسية الجديدة في العام الماضي. ويجري تدريجيا رفع التجميد عن ارصدة حكومية حُجزت العام الماضي.

اما الأموال الأخرى فان من الصعب العثور عليها لأنها غالبا ما تكون مموهة وراء واجهات متعددة تتوزع على حفنة من البلدان، كما أكد محققون ومحامون عملوا على ايجاد هذه الأموال واستعادتها. ومن الناحية النظرية، فان الوسطاء المجهولين الذين اودعوا هذه الأموال ما زالوا قادرين على صرفها.

وحتى بعد التعرف إلى مكان ارصدة وتجميدها يبقى باستطاعة محامي الأسر الحاكمة سابقا أن يدافعوا عنها. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المحامي السويسري انريكو مونفريني الذي يمثل الحكومة التونسية الجديدة ان محامي اسرة بن علي تصدوا لكل خطوة على طريق استعادة نحو 70 مليون دولار مودعة في مصارف سويسرية.

وقال الساعدي القذافي المقيم الآن في النيجر انه أراد الدفاع عن ملكيته عقارا في لندن ولكن الوقت لم يسعفه، كما كشف المحامي الاسرائيلي نك كاوفمان المدعي السابق في المحكمة الجنائية الدولية، الذي وكله الساعدي القذافي واخته عائشة لتمثيل العائلة.

وقال المحقق في منظمة غلوبال ويتنس لمكافحة الفساد روبرت بالمر quot;ان استعادة هذه الأرصدة ليس سهلاquot;. واوضح انه quot;أولا، عليك ان تجد هذه الأرصدة، وثانيا عليك ان تثبت انها ملك السياسي ذي العلاقة وثالثا عليك ان تثبت انها مال حرام، وهذا يتطلب من الدولة صاحبة الطلب جمع أدلة، وهي عملية باهظة الكلفة وتستغرق وقتاquot;.

وحتى الأموال التي عُثر عليها وجرى تجميدها، فإن التأخير في عملية استعادتها أدى إلى توترات بين الحكومات الجديدة وبلدان غربية. وفي آذار/مارس رفع جهاز الكسب غير المشروع في مصر دعوى قانونية على وزارة المالية البريطانية في محاولة لإلزامها بتقديم معلومات تساعد في استرداد نحو 135 مليون دولار مودعة في حسابات مصرفية بأسماء 19 شخصا من أفراد الحلقة الداخلية للرئيس المخلوع حسني مبارك.

ويقول مسؤولون بريطانيون إنهم ملزَمون بالقانون البريطاني الذي يشترط على المصريين ان يقدموا لهم احكاما جنائية تدين هؤلاء الأشخاص اولا. وما زالت سويسرا تحتجز نحو 450 مليون دولار من ارصدة أسرة مبارك ريثما تبت السلطات السويسرية المختصة بمطالبات الحكومة المصرية.

وستكون عملية الاستعادة اصعب مع الأموال المسجلة بأسماء أشخاص قريبين من النظام المصري السابق. إذ هرب رجل الأعمال المصري الثري حسين سالم الذي كان قريبا من مبارك وتقدر ثروته بمليارات الدولارات، إلى اسبانيا العام الماضي. وذهب سالم إلى أنّه حقق ثروته بالحلال. وأكدت المحكمة العليا الاسبانية هذا الشهر قرار اعادته إلى مصر ليواجه تهما بالفساد ولكن الحكومة الاسبانية لم تجمد إلا 45 مليون دولار من ارصدته ولا يُعرف إن كان الباقي سيُعاد إلى المصريين.

وقال نائب رئيس الوزراء الليبي مصطفى ابو شاقور إن حجم الأموال الليبية موضع البحث أكبر، وكثير منها مفقود. ومن أصل 160 مليار دولار من الأرصدة الليبية المسجلة لدى المصرف المركزي الليبي في الخارج قبل الثورة، فان مليارات منها لم تُجمد في الواقع لأن لا أحد يعرف اين توجد هذه الأموال أو لأن الحكومات ذات العلاقة رفضت ببساطة ان تتحرك بشأنها.

وقال فريق شكلته الأمم المتحدة لايجاد هذه الأرصدة في تقرير في آذار/مارس ان بعض الحكومات الأفريقية امتنعت عن الرد على طلبات الفريق أو انها قدمت معلومات كاذبة.

ويُعتقد ان رجلا واحدا لديه معلومات كاملة عن الأرصدة والأموال الليبية في افريقيا التي تقدر بنحو 7 مليارات دولار، هو بشير (66 عاما) الذي كان من القريبين إلى القذافي وأُلقي القبض عليه العام الماضي ثم تمكن من الفرار إلى فرنسا.

وكان بشير رئيس المحفظة الاستثمارية الأفريقية وهي صندوق سيادي ليبي استثمر عائدات نفطية في فنادق ومصارف وشركات اتصالات وتعدين في عموم القارة الأفريقية. ولم يخضع الصندق ذات يوم للتدقيق أو المراقبة، بحسب المصرفي عبد الحميد الجادي الذي يعمل مستشارا للحكومة الليبية بشأن استعادة الأرصدة. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الجادي quot;ان بشير هو الذي يعرف كل شيء عن هذه الأموال، وليس ذلك فحسب بل إنها ما زالت في متناول يدهquot;.

وأصدرت السلطات الليبية هذا الشهر قائمة باسماء 338 شخصا وكيانا لهم صلة بالأرصدة المفقودة فيما قال مسؤولون ليبيون ان من الضروري استعادة هذه الأموال في وقت قريب لأن بعض الدول الأفريقية بدأت تؤمم الاستثمارات الليبية فيها. وعمدت زامبيا مثلا إلى وضع يدها على زامتيل اكبر شركة هاتف في البلد للمحفظة الاستثمارية الأفريقية الليبية الحصة الأكبر فيها.

وما زالت قضية موت غانم في فيينا لغزا محيرا. إذ اعلنت السلطات النمساوية ان سبب وفاته ليس معروفا. وكان غانم يعتبر من الاصلاحيين في نظام القذافي وشكا ذات مرة من ابناء القذافي لاستخدامهم شركة النفط الوطنية وكأنها quot;مصرفهم الشخصيquot;، كما افادت برقية مسربة من وزارة الخارجية الاميركية بتاريخ 2008.

ولكنه كان قريبًا من سيف الإسلام القذافي وله اطلاع واسع على الممارسات المالية السرية للنظام الليبي، بحسب برقيات مسربة وعدد من المسؤولين في طرابلس. وقال المصرفي الجادي quot;ان العديد من شركاء شكري غانم الذين عقدوا صفقات مشبوهة معه كانوا يريدون بقاءه صامتاquot;.