تبدو ظاهرة أحمد الاسير وكأنها تطرح اكثر من علامة استفهام، فالدور المتصاعد له من خلال موقفه ضد النظام السوري، وكذلك مطالبته بنزع سلاح حزب الله، دفع ببعض المشككين الى اعتبار أنه يريد سد فراغ غياب سعد الحريري.


بيروت: عندما ظهر الامام أحمد الأسير على تلفزيون الجديد منذ فترة، حرّك المياه التي كانت في الاساس متحركة لكنه زاد من صخب الحياة السياسية توترًا وأخرج الادبيات السياسية من عقالها، مما ترك موجة من الاستغراب والدهشة، خصوصًا أن امام مسجد بلال بن رباح أطلق كلامًا وصل الى حدوده القصوى من الصراحة والجرأة والمتفلّت من كل الضوابط.

بغض النظر عن المضمون لكن التعابير خرجت عن المألوف، حيث لم يتوانَ عن القول بأنه لن يترك quot;السيد حسن نصر الله ولا الرئيس نبيه بري ينامان الليل هما وعائلاتهماquot;، ويضيف لهذا التهديد كلمة quot;سلميًاquot; تخفيفًا لحدته.

ولم يكتفِ الشيخ الاسير بخطبة الجمعة ربما لأن السامعين كانوا قلة من المصلين بل انتقل الى محطة quot;الجديدquot; ليتابع ما بدأه لكن مع جمهور اوسع، فأوقع المحطة بشركه كما أنه دخل في معمعة يصعب كثيرًا الخروج منها الا بتوضيحات تشبه الاعتذار.

فتلفزيون quot;الجديدquot; نأى بنفسه سريعاًعندما أصدر بيانه غاسلاً يديه من كل ما ورد على لسان الشيخ الاسير متهمًا اياه بإثارة النعرات المذهبية، كما أنه اتهمه بالجهل في اللغة الانكليزية، وبعد تلفزيون الجديد انتقل الاسير الى صيدا معلنًا بدء الاعتصام فيها ومطالبًا بنزع سلاح حزب الله.

يقول النائب خضر حبيب ( تيار المستقبل ) لـquot;إيلافquot; إن للمستقبل موقفاً من موضوع احمد الاسير، وهو ابتدأ مع اجتماع دعت اليه كتلة تيار المستقبل برئاسة النائب فؤاد السنيورة في بلدية صيدا، وكان موقفنا واضحًا في ما يتعلق بموضوع إعاقة ارزاق الناس من خلال قطع الطريق من قبل احمد الاسير وجماعته من خلال اعتصامهم في صيدا، ولكن فحوى الموضوع، أن هذا الشيخ كإمام جامع في صيدا يقوم بهذا التصرف؟ الامر إن دل على شيء فعلى وجود شحن طائفي ومذهبي في الشارع، وظاهرة الاسير في ما يتعلق بموضوع المطالب وليس قطع الطريق، هناك شريحة كبيرة في المجتمع اللبناني وفي معظم المناطق اللبنانية، بداية من صيدا الى بيروت الى الشمال تؤيد مطالب احمد الاسير في ما يتعلق بموضوع نزع السلاح من حزب الله.

ويضيف حبيب:quot; في الوقت عينه المواقف العلنية التي يتخذها هي بصراحة لم نجدها في اشخاص على صعيد قوى 14 آذار/مارس، ولم يطالب بها أحد بهذه الطريقة بمعزل عن قطع الطريق الذي نحن ضده، مواقفه ومطالبه نستطيع أن نقول إن جزءًا كبيرًا من قوى 14 آذار/مارس يوافق عليها ويؤيدها، لأنها مطالبنا من الاساس، أي نزع السلاح وعدم هيمنة فريق على آخر.

عن مواقف الاسير التي انتقدت الجميع بمن فيهم الرئيس الاسبق للحكومة سعد الحريري حتى أن البعض اعتقد أنه يشكل منافسًا حقيقيًا لسعد الحريري خصوصًا أنه جاء لتعبئة فراغ الزعيم السني في لبنان، حول هذا الموضوع يجيب حبيب بالنفي القاطع ويقول :quot; ابدًا، لا يزال سعد الحريري الزعيم السني الاوحد، وصاحب اكبر كتلة نيابية، وهذه الكتلة تضم كل المذاهب والفئات بما فيها الطائفة السنية الكريمة.

وهذا يدل على أن سعد الحريري يتمتع باكبر تمثيل سني في لبنان عبر الاصوات النيابية التي يمثلها في مجلس النواب، إلى جانب بقية الطوائف الاخرى.

لذلك اليوم لندع المزايدة جانبًا، لأننا كنا من الاوائل الذين طالبوا بنزع السلاح، خصوصًا، أننا نسمي اليوم حزب الله حزب السلاح بعدما تم استعماله في شوارع بيروت.

اما هل لاحمد الاسير اجندات خارجية ومن يدعمه خارجيًا؟ فيجيب حبيب:quot; بصراحة لا نعلم من يموله، ولكن بمعزل عن ظاهرة الاسير ومن يموله ومن يقف وراءه، وسياسيًا لا طرف يدعمه، لان كل الجهات ضده، مع استنكار واضح من الجميع بدءًا بتيار المستقبل مرورًا الى جميع التيارات والاحزاب السياسية في لبنان، وشعبويًا هناك جمهور وراءه خصوصًا انه إمام جامع، ويأخذ عطف الشارع من المواقف التي يتخذها، وخصوصًا موضوع سلاح حزب الله، لذلك هو يشكل ظاهرة، يجب الا نتفاجأ أن تكون هناك ظواهر أخرى مماثلة له تمتد الى المناطق اللبنانية كافة.

عن كلامه على تلفزيون الجديد واثارة بعض النعرات المذهبية، يقول حبيب :quot; في ما يتعلق بأمور الشحن الطائفي نحن لا نؤيده اطلاقًا، لكنّ لديه مطلباً اساسياً وهو موضوع نزع السلاح ونحن نؤيد مطلبه كمطلب لأنه في الاساس مطلبنا، ولكن طريقة قطعه للطريق نرفضها، ونحن نؤيده في مطلبه بنزع السلاح ولكن ليس بالاسلوب.

ويرى حبيب أن ظاهرة الاسير لن تنطفىء قريبًا لانها استمرت ولو كانت ستنطفىء لكان حصل ذلك في الاسبوع الاول.

من هو أحمد الاسير؟

ولد أحمد الأسير في مدينة صيدا في العام 1968 من عائلة معروفة بآل الحسيني ووالدته شيعية المذهب من منطقة صور، وأما نسبته لعائلة الأسير الذي اشتهر به فتعود إلى أن أحد أجداده كان أسيرًا في مالطا من قبل الإفرنج وعندما تم الإفراج عنه وعاد إلى صيدا أطلق عليه أهالي المدينة لقب quot; الأسيرquot; فنسب هذا اللقب في ما بعد إلى كل أولاده وأحفاده وعرفت العائلة بالأسير.

نشأ الاسير في مدينة صيدا وتعلَّم فيها المراحل الإبتدائية وتتلّمذ على يد الشيخ علي الشرنبالي والشيخ علي الديربي حيث درس وتعلم القرآن ومفاهيم الدين والعقيدة، بعدها انتسب إلى كلية الشريعة التابعة لدار الفتوى في بيروت وعاد بعد فترة إلى مدينة صيدا خطيبًا وإمامًا في مسجد بلال بن رباح في عبرا، وعمل منذ العالم 1989 في مجال الدعوة والإرشاد.

وأطل الأسير في أول ظهور حادّ له عندما انتقد أحد رجال الدين الشيعة في لبنان على خلفية تصريح فُهم منه التطاول على أم المؤمنين عائشة ( رضي الله عنها ) حيث قرر حينها التحرك والاعتصام لمواجهة ما أسماه التطاول على أمهات المؤمنين والمقدسات، ومنذ ذلك الوقت صعد نجم الشيخ على الساحة الصيداوية واللبنانية عمومًا، مستفيدًا من حالة الإنقسام الطائفي والمذهبي التي تشهدها المنطقة ولبنان تحديدًا.

وكان الظهور السياسي الأول له في مدينة طرابلس حين دعا للإعتصام ضد النظام السوري وعلى خلفية طائفية أيضًا، وتوالت بعد ذلك المواقف والتصريحات التي بات يطلقها الشيخ كل يوم في حدب وصوب ولم تسلم أي جهة في لبنان سواء كانت سنية أو شيعية من انتقاداته وتصريحاته .

وفي هذا السياق، واصل الاسير مواقفه الحادّة مستهدفًا الثنائي السياسي الشيعي المتمثل بحزب الله وحركة أمل، وأطلق مواقف أهمها ما سُميَ إعلاميًا quot; باللعبة quot;، حيث اعتبر أن إحدى الألعاب البلاستيكية الصينية الصنع تصدر كلمات وشتائم بحق السيدة عائشة أم المؤمنين، ولكن سرعان ما تبين بعد إجراء التحقيقات من قبل دار الفتوى والأمن عدم صحة هذه المعلومات و في ما بعد أطلق تصريحاته باتجاه حزب الله وحركة أمل متوعدًا بالتحرك ضد السلاح، ما أدخل البلاد بحالة من الغليان الطائفي والمذهبي.

ويرى متابعون أن تصاعد ظاهرة الأسير وتطوّرها يعود الى أجندات خارجية وأسباب داخلية حيث أشارت بعض المصادر الصحافية إلى رعاية خارجية للشيخ الأسير عبر دعم مادي وسياسي ومعنوي، ولفتت تقاريرأخرى أيضًا الى أن الشيخ الأسير في تحركه ومواقفه ليس لوحده، سواء داخل لبنان أو خارجه، حيث يحظى بالرعاية من قبل بعض الأجهزة والجهات الداخلية وبعض الجهات والدول الخارجية.